بقلم : د. رضا شتا [email protected] شهدت القاهرة خلال الأسبوع الماضي واحدا من أهم الاجتماعات السياسية وأخطرها منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير والذي استهدف تجميع كافة القوي والتيارات والأحزاب السياسية للتوافق علي مشروع صياغة مبادئ الدستور الجديد للبلاد من أجل الإسراع بعملية التحول الديمقراطي المنشود وكذلك معايير اختيار اللجنة المنوط بها إعداد وصياغة هذا المشروع الدستوري. ولأن الدستور كما هو معروف دوليا وخاصة في الدول العريقة في الحياة الديمقراطية هو أساس أي نظام ديمقراطي تماما مثل أساس كل بيت أو عقار فإنه يتحتم أن يتم إعداده إعدادا جيدا من البداية وإلا انهار العقار علي كل من فيه. والحقيقة أن مصر تعد من أهم الدول الديمقراطية في العالم منذ أن أقامت دستور عام 3291 الذي أتاح للبلاد حياة سياسية نشطة وتنافسا ديمقراطيا بين العديد من الأحزاب السياسية ثم كان دستور 4591 بعد قيام ثورة 32 يوليو ومن بعده دستور 1791 وما أدخل عليه من تعديلات.. كما تمتلك مصر ثروة هائلة وقيمة من أساطين القانون الدستوري المشهود لهم دوليا بل وشارك بعضهم في تكوين دساتير بعض الدول العربية والأفريقية وتركيا. الغريب والمدهش أن قرار د.علي السلمي نائب رئيس الوزراء للشئون السياسية والتحول الديمقراطي بعقد هذه اللجنة قد قوبل بالرفض القاطع من قبل مجموعة من الأحزاب والتيارات السياسية (51 حزبا) بقيادة جماعة الإخوان المسلمين وكأن هذا القرار الذي يستهدف بالدرجة الأولي ترسيخ قواعد الديمقراطية خطأ جسيم ورجس من عمل الشيطان ناسين أن المنافسة الحزبية والسياسية والرأي والرأي الآخر من أهم أسس الحياة الديمقراطية السليمة. وانبري زعماء وقيادات جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب الخمسة عشر في شن هجوم عنيف علي الدكتور علي السلمي مطالبين المجلس العسكري بإقالته علي ما اقترفت يداه أو إقالة الحكومة بأكملها وسحب الوثيقة وإلا خرجوا إلي الشوارع مرة أخري.. وتنظيم مليونية يوم 81 نوفمبر تهديدات ووعيد ومشاعر جارفة تنم عن رغبة جامحة في التحكم والسيطرة. وأطلقوا شعارات وكليشيهات معادة ومكررة مثل »تزوير إرادة الشعب« و»وصاية علي إرادة الشعب« الالتفاف علي الإرادة الشعبية الحرة تحد سافر للإرادة الشعبية وهذه كلها أمور وتصرفات غير ديمقراطية بالمرة ومرفوضة وتعيد من جديد مفاهيم السيطرة والتحكم في مصير الشعب الذي ذاق الأمرين من النظم التي كثيرا ماتحدثت وتغنت بالديمقراطية دون أن تحققها علي أرض الواقع. وحقيقة الأمر أن الالتفاف علي إرادة الشعب قد تمت في استفتاء 91 مارس الذي خططت له ودعت إليه في عجلة لجنة تعديل الدستور التي رأسها ذوو الميول الإسلامية واثنان من كوادر جماعة الإخوان المسلمين الذين ملأوا الدنيا ضجيجا حول آرائهم وتوجهاتهم وهو ما أساء إلي التيار الإسلامي والإخوان بصورة خاصة إلي أن صدرت إليهم التعليمات بالكف عن التحدث إلي وسائل الإعلام.. أضف إلي ذلك عملية الزج بالدين في أمور السياسة وهو مالا يتفق مع قدسية الأديان وانطلقوا في دعاياتهم يروجون لمفهوم الحلال والحرام وأن من يصوت ب»لا« سيدخل النار ومن يصوت ب»نعم« سيدخل الجنة وهو ما يمثل استخفافا بعقول بل وتقليلا من فكر ومفاهيم البسطاء من أبناء هذا الشعب الذين توافدوا بطريقة غير مسبوقة للإدلاء بأصواتم اعتقادا منهم بأن هذه أول مرة منذ أكثر من 06 عاما يتم التصويت بنزاهة وحرية. ويؤكد أساتذة القانون الدستوري وعقلاء هذه الأمة أننا لو كنا قد أقدمنا علي إقامة دستور جديد »دستور الثورة« طبقا لقواعد ومفاهيم المرحلة التي نحن بصددها لكان ذلك أفضل بكثير ووفرنا علي أنفسنا هذا التيه والتضارب والضبابية التي نعاني منها الآن والتي سوف تكلفنا الكثير من الجهد والمال خلال المرحلة القادمة مع العلم بأن إنشاء دستور جديد متكامل الأركان لم يكن ليستغرق أكثر من ثلاثة أشهر طبقا لفقهاء وأساتذة القانون الدستوري. ولقد كتبت في شهر مارس الماضي مقالا علي صفحات هذه المجلة بعنوان الدستور أولا أكدت فيه علي ضرورة الإسراع بتشكيل لجنة لإعداد الدستور الجديد تضم مختلف التيارات السياسية والفكرية والحزبية وأساتذة الفقة الدستوري لصياغة الدستور الجديد بعد توافق جميع أطياف المجتمع المصري عليه ليكون دستورا نموذجيا يليق بعظمة هذا الشعب وتاريخه العريق ويؤكد للعالم كله أن مصر لديها علماء أجلاء في مختلف فروع الحياة وأن شعبها قادر ومؤهل لتحمل أعباء ومسئوليات الحرية والديمقراطية ولأن البداية لم تكن صحيحة كما يجب أن يكون ولأن النوايا لم تكن مخلصة وكانت هناك رغبة من أحد أو بعض التيارات لاقتناص الفرصة لصالحها فقد كان هناك إصرار لا يلين علي ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية بأسرع مايمكن قبل إعداد الدستور وحتي تكون لهم الغلبة والأغلبية في مجلس الشعب الجديد اعتقادا منهم أن الوقت في صالحهم لأنهم الأقوي ماديا والأكثر تنظيما مقابل أحزاب أخري مهلهلة غير قادرة علي الحركة وأحزاب أخري جديدة لم تكتسب بعد الخبرة والدراية الانتخابية والحنكة السياسية لم تتعايش بعد بصورة جيدة مع الناخبين في مختلف الدوائر.. ومن ثم يتمكنون من تشكيل لجنة إعداد الدستور طبقا لتوجهاتهم ويشكلون دستورا يخدم مصالحهم وأهدافهم ولايحقق الاستقرار الذي نسعي إليه ولا مصالح الفئات والتيارات الأخري في المجتمع ونعود مرة أخري في دوامات وصراعات حزبية وسياسية ستحقق أكبر الضرر لهذا البلد وشعبه. يدعون أن الدعوة لإعادة صياغة المواد الحاكمة للدستور الجديد يعد التفافا علي استفتاء 91 مارس علي الإرادة الشعبية الحرة وتحد سافر للإرادة الشعبية وتصريحات أخري أكثر حدة وقسوة والتي تمثل إهدارا للمبادئ السامية التي دعت إليها ثورة يناير التي يركب موجتها الكثيرون وهي الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.. ولكن وللأسف الشديد يبدو أن مبدأ ميكيافيللي هو السائد الآن علي الساحة السياسية »الغاية تبرر الوسيلة« أيها الشعب العظيم المسكين تيقظ فكم باسمك تقترف من مآس .. ونسوا أو تناسوا أن الإعلان للدستور الصادر في 03 مارس 1102 قد أفرغ الاستفتاء من مضمونه بل وتخطاه وبالتالي فإنه لابد من إعداد دستور جديد تعده لجنة محايدة تضم كافة أطياف الشعب المصري كما هو متبع في كل الدول الديمقراطية ثم يتم بعد ذلك إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشوري ورئاسة الجمهورية علي أرض صلبة وأساس سليم هو الدستور.. ثم هل يعقل أن يصف د.أحمد أبو بركة القيادي الإخواني مؤتمر الأوبرا بأنه بلطجة سياسية مرفوضة واتباع البعض لأسلوب قطاع الطرق من أجل القفز علي السلطة وتعطيل انتخابات مجلس الشعب.. ثم ألم يكن من الأجدر والأفيد المشاركة في هذا المؤتمر والتحاور بشكل موضوعي وعلي مستوي سياسي راقياً وإبداء الرأي والاستماع إلي الرأي الآخر في جو ديمقراطي متحضراً يليق بهذا الشعب الذي ندعي أننا نعمل من أجله ومن أجل رعاية مصالحه ويفعل مثلما فعل الذين شاركوا في هذا المؤتمر وقدموا اقتراحاتهم وتحفظاتهم التي تبغي بكل تأكيد الصالح العام. أعتقد.. وأرجو أنه قد آن الأوان لكي نتحرك بجد ونعمل بإخلاص وتفان لخدمة هذا الوطن وحماية مصالحه والارتقاء بأهدافه وأن نفضل المصلحة العامة علي كل مصلحة شخصية أو حزبية أو فئوية وأخيرا أؤكد مرة أخري الدستور أولا.