[email protected] أرجو أن يكون فكر وتوجه أردوغان السياسي والاقتصادي نبراسا منيرا لقيادات الأحزاب والتجمعات الإسلامية في مصر وأن يعلوا مصلحة الوطن الأم الذي نعيش فيه فوق كل اعتبار حزبي أو فكري وأن يظل الدين علاقة سامية بين الإنسان وربه لا دخل للسياسة في ذلك وحتي تفعل كل الاتفاقيات التي تم توقيعها بالأمس وخاصة اتفاقية التعاون القومي الاستراتيجي وذلك إذا ماوصل الإسلاميون للحكم في الانتخابات القادمة أثارت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لمصر الأسبوع الماضي في إطار جولة للمنطقة شملت تونس وليبيا ردود فعل واسعة النطاق داخل مصر وخارجها. وقد رحبت مصر قيادة وشعبا بهذه الزيارة نظرا لما تمثله من أهمية بالنسبة لأمن واستقرار هذه المنطقة الحساسة من العالم وكذلك للدور الإقليمي المحوري لكل من مصر وتركيا في السياسة الدولية والإقليمية. أردوغان اصطحب معه وفدا رفيع المستوي ضم عشرة من أعضاء حكومته علي رأسهم وزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد بالإضافة إلي وفد اقتصادي ضخم ضم أكثر من 002 من كبار رجال الأعمال والصناعة والمستثمرين الأتراك وهو مايعكس أهمية هذه الزيارة بالنسبة للجانب التركي الذي يقدر موقع ودور مصر في المنطقة سياسيا وإستراتيجيا واقتصاديا وخاصة بعد ثورة يناير 1102 التي حظيت بتأييد الأتراك علي المستوي الرسمي والشعبي منذ لحظة اندلاعها. وقد أجري رئيس الوزراء التركي خلال هذه الزيارة محادثات هامة مع المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة باعتباره المسئول عن إدارة شئون البلاد في المرحلة الراهنة والدكتور عصام شرف رئيس الوزراء تم خلالها التوقيع علي عشر أتفاقيات للتعاون بين البلدين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.. وفي مقدمة ماتم الاتفاق عليه هو »المجلس القومي الاستراتيجي« باعتبار أن مصر وتركيا وكما أكد أردوغان تستطيعان معا قيادة المنطقة كما تمني أيضا تعاونا بين البلدين تجاه إسرائيل علما بأن تركيا كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالدولة العبرية وأقامت معها علاقات وطيدة منذ إنشائها وتربطها علاقات استراتيجية وتعاون وثيق في مختلف المجالات العسكرية والاقتصادية والصناعية بل وكان السياح الإسرائيليون يعاملون معاملة تفضيلية في تركيا حتي قبل تأزم الموقف بين البلدين في أعقاب الحادث الذي تعرضت له السفينة »مرمرة« في المياه الدولية أمام سواحل إسرائيل حيث قام الجنود الإسرائيليون بمهاجمة السفينة وقتل تسعة من طاقمها من الأتراك وزاد من تأزم الموقف رفض الحكومة الإسرائيلية الاعتذار عن هذا العدوان وتقديم التعويض اللازم لضحاياه. التيارات الإسلامية وفي مقدمتهم السلفيون والإخوان المسلمون كانوا في مقدمة المرحبين والمهنئين بزيارة رئيس الوزراء التركي أردوغان لمصر.. غير أن الآية مالبثت أن انقلبت وتحول الترحيب والابتهاج إلي عدم ترحيب بل واستهجان وذلك بعد أن أعلن أردوغان موقفه من علمانية الدولة وتأكيد أن الدين أي دين لا يجب أن يحول دون قيام دولة مدنية حديثة مشيرا في هذا الصدد إلي النموذج التركي الذي حقق لتركيا هذا التقدم الهائل حتي أصبحت تركيا واحدة من أهم دول العالم القوي اقتصاديا وهو النموذج الذي طالما أشادت به ودعت إلي الاهتداء به الجماعات الإسلامية في مصر. لقد دعوت علي صفحات هذه المجلة قبل زيارة أردوغان بعدة شهور إلي ضرورة الإسراع في قيام »دولة مدنية حديثة« تحقق أهداف الثورة من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية وحماية لحقوق الإنسان مشيرا في ذلك إلي دول أوروبا الغربية المتقدمة وخاصة ألمانيا حيث يحكم الحزب المسيحي الديمقراطي CDU ويفصل تماما بين النظام السياسي للحكم وحرية العقيدة. مرحبا بالسيد أردوغان وبفكره وتوجهاته السياسية ونجاحاته أولا في إدارة شئون مدينة اسطنبول بنجاح واقتدار حتي ضرب به المثل في النجاح وحسن الإدارة ومرحبا بالتجربة الماليزية وصاحبها مهاتير محمد والهر ولودنيج ارهارد Erherd Ludvig Erh صاحب المعجزة الاقتصادية الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية والتي جعلت من ألمانيا ثاني أو ثالث أقوي دولة اقتصاديا في العالم.. ولكني أحيي قبل هؤلاء جميعا وبصورة خاصة الاقتصادي المصري العظيم طلعت حرب الذي سبق هؤلاء جميعا بعدة عقود وأعطي بفكره الثاقب وحسن إدارته للشئون الاقتصادية دفعة قوية ومتميزة للاقتصاد المصري حيث أنشأ العديد من الشركات والمؤسسات الاقتصادية الناجحة والتي مازالت شامخة حتي يومنا هذا ممثلة في بنك مصر وشركة المحلة للغزل والنسيج وشركات النقل البحري وستوديو مصر. وأرجو أن يكون فكر وتوجه أردوغان السياسي والاقتصادي نبراسا منيرا لقيادات الأحزاب والتجمعات الإسلامية في مصر وأن يعلوا مصلحة الوطن الأم الذي نعيش فيه فوق كل اعتبار حزبي أو فكري وأن يظل الدين علاقة سامية بين الإنسان وربه لا دخل للسياسة في ذلك وحتي تفعل كل الاتفاقيات التي تم توقيعها بالأمس وخاصة اتفاقية التعاون القومي الاستراتيجي وذلك إذا ماوصل الإسلاميون للحكم في الانتخابات القادمة. حقق أردوغان علي مدي تاريخه السياسي العديد من النجاحات والإنجازات البارزة حتي وصل بحزبه إلي قيادة البلاد ولعل من أهم إنجازاته هو إدارته الفائقة لمدينة إسطنبول المليونية التي كانت تعاني العديد من المشاكل والتحديات حتي أصبحت واحدة من أعظم وأنظف مدن العالم وياليت محافظي القاهرة والجيزة كانا قد التقيا مع الضيف التركي ليستفيدا منه ويتعلما كيفية إدارة المدن الكبري بكل تعقيداتها وخاصة فيما يتعلق بمشكلة القمامة التي أصبحت سبة في جبين كل المدن المصرية صغيرها وكبيرها فتركيا لديها خبرة كبيرة في هذا المجال. تركيا التي تعد الآن واحدة من بين أقوي 61دولة اقتصاديا علي مستوي العالم كانت تعاني العديد من المشاكل والفقر والتأخر بعد الحرب العالمية الثانية ولقد عاصرت في ألمانيا أواخر الخمسينات العمال الأتراك وهم يتدفقون علي الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا وإيطاليا وفرنسا للعمل وكانوا بمثابة همزة الوصل القوية بين الاقتصاد التركي واقتصاديات الدول الأوروبية التي يعملون بها ثم يقومون بتحويل مدخراتهم التي ساهمت بدرجة كبيرة ملموسة في إنعاش الاقتصاد التركي كما قاموا كذلك بفتح مجالات أوسع أمام السلع والمنتجات التركية إلي أسواق الدول الأوروبية التي يعملون بها حتي أننا نجد الآن في العديد من المدن الأوروبية شوارع بل أحياء تسيطر عليها اللغة التركية.. نعم.. الاتفاقيات التي تم إبرامها بين الجانبين المصري والتركي وخاصة اتفاقية »التعاون القومي الاستراتيجي« هامة للغاية وستؤدي حتما إلي تدعيم وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والفني بين البلدين ورفع حجم التبادل التجاري من 2 إلي 5 مليارات دولار طبقا لما اتفق عليه ثم إلي 01 مليارات خلال 4 سنوات إلا أنني أحذر ألا يكون الميزان التجاري بين البلدين لصالح تركيا بدرجة كبيرة نظرا لقدرات الاقتصاد التركي الفائقة وارتباطه القوي بالاقتصاديات الأوروبية.