كشف تقرير الإدارة المركزية لحماية الأراضي بوزارة الزراعة، بشأن التعديات علي الأرض الزراعية الخصبة بمحافظات الجمهورية سواء بالبناء أو التجريف أو التشوين، عن حجم الحالات التي تم التعديات عليها منذ يناير 2011، وحتي نهاية الشهر الماضي، حيث تم رصد مليون و800 ألف حالة تعدٍّ علي مساحة بلغت أكثر من 80 ألف فدان من الأراضي الزراعية. وقدرت وزارة الزراعة حجم حالات التعديات التي تمت إزالتها بنحو 429 ألفا و551 حالة تعدٍّ علي مساحة بلغت 24 ألفًا و216 فدانًا بمختلف محافظات الجمهورية، بينما بلغ عدد الحالات التي لم تتم إزالتها مليونا و357 ألفًا و144 حالة، بإجمالي مساحة تقدربنحو 55 ألفًا و162 فدانًا بالدلتا ووادي النيل والأراضي الجديدة، رغم تحريرمحاضر مخالفات بالبناء علي الأراضي الزراعية لهذه المناطق. وجاءت محافظة البحيرة في المركز الأول في عدد حالات التعديات، بإجمالي بلغ نحو 204 آلاف حالة، تلتها محافظة المنوفية بإجمالي 169 ألف حالة، في حين احتلت محافظة القليوبية المركز الثالث في حالات التعديات بإجمالي 167 ألف حالة، وجاءت في المركز الرابع محافظة الغربية بإجمالي 162 ألف حالة تعدٍّ علي الأراضي الزراعية، كما احتلت محافظة الشرقية المركز الخامس بإجمالي 137 ألف حالة تعدٍّ، تليها محافظة المنيا في المركز السادس بإجمالي 127 ألف حالة، واحتلت محافظة أسيوط المركز السابع بإجمالي 114 ألف حالة، وجاءت محافظة سوهاج في المركز الثامن بإجمالي 106 آلاف حالة، أما محافظة الدقهلية فاحتلت المركز التاسع بإجمالي 105 آلاف حالة. وزارة الزراعة اتخذت عدة إجراءات لمنع التعدي علي الأراضي الزراعية، وتم بالفعل وضع مشروع قانون لتغليط العقوبات علي مخالفات البناء علي الأراضي الزراعية، وحمايتها من التعديات، حيث يحظر مشروع القانون إقامة أي مبانٍ أومنشآت في الأراضي الزراعية، أو اتخاذ أي إجراءات بشأن تقسيم هذه الأراضي لإقامة مبانٍ عليها، ويعتبر في حكم الأرض الزراعية كل الأراضي البور الصالحة للزراعة داخل الرقعة الزراعية، ويستثني من الحظر الأراضي الداخلة في نطاق الحيِّز العمراني للمدن والقري والعزب والنجوع، التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الإسكان، كما وضع القانون الجديد عدة عقوبات للمعتدين علي الأراضي الزراعية بالبناء، حيث تتراوح العقوبة ما بين السجن لمدة 6 شهور وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تتجاوز 100 ألف جنيه عن كل فدان أو جزء من الأرض موضوع المخالفة، أما إذا كان المخالف هو المستأجر دون المالك وجب أن يتضمن الحكم الصادر بالعقوبة إنهاء عقد الإيجار ورد الأرض للمالك، كما نص القانون. ورغم هذه الإجراءات ومنها تغليظ العقوبة علي مخالفات البناء علي الأرض الزراعية، إلا أنها لم تمنع البناء علي الأراضي الزراعية واستمرالتعديات عليها مما دفع عددا من أعضاء مجلس النواب إلي المطالبة بضرورة إجراء تعديلات تشريعية تؤدي إلي الإزالة الفورية علي الأراضي الزراعية في بدايتها إضافة إلي ضرورة دراسة إنشاء شرطة متخصصة تكون جاهزة علي استعداد لتنفيذ أي إزالة علي الأرض بشكل فوري. في دراسة بحثية له حول مشكلة التعدي علي الأرض الزراعية يؤكد أحمد وهبة الوكيل الأسبق لمركز البحوث الزراعية علي عدد من الأسباب سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أوالتشريعية أو السياسية إضافة إلي الأمنية والبيئية، التي أدت إلي تفشي هذه الظاهرة، وصعوبة ايجاد حلول لها بالطرق التقليدية،مما ترتب عليها تشوُّه قطاعات الاقتصاد الوطني، وتأثيرات خطيرة علي بنية المجتمع وشبكة علاقاته الاجتماعية، لافتا إلي انه تم إجراء الدراسة في المحافظات التي زادت فيها حالات التعدي علي أراضٍ زراعية خلال ثورة يناير وبعدها كالدقهليةوالمنياوالشرقيةوالبحيرةوالقليوبية، وأشارت الدراسة إلي أن المزارعين العاملين بالزراعة والعاملين بالمحليات اتفقوا علي أن انخفاض العائد من الأراضي جاء نتيجة لارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج الزراعي وصعوبة تسويق المحصول لغياب سياسة سعرية واضحة من جهة، واستغلال التجار للفلاحين من جهة أخري، وبحسب الدراسة فإن هذه الأسباب الاقتصادية أبرز الأسباب المفسرة لظاهرة التعدي علي الأراضي الزراعية. ولفتت الدراسة إلي أن ضيق المسكن والبحث عن إيجاد سكن لزواج الأبناء، إضافة إلي العادات الموروثة في تمسك الأهل بسكن أبنائهم بالقرب منهم ومحدودية انتشار ظاهرة تأجير المساكن خاصة في القري، والنظرة المتدنية للمواطن الريفي ورغبته في الحراك المهني أو الجغرافي، ورغبة الشباب العائد من الخارج في إقامة مسكن مستقل عن الأهل، كانت من أقوي الأسباب الاجتماعية المفسرة لظاهرة التعديات علي الأرض الزراعية. وخلصت الدراسة لعدة نتائج لظاهرة التعدي علي الأراضي الزراعية تمثلت في عدم التحديد الواضح للأحوزة العمرانية، والتأخر في إعلان كردونات المباني بمختلف المدن والقري علي مستوي الجمهورية، وضيق المساحة السكنية للقري وعدم تناسبها مع العدد المتزايد للسكان، وصعوبة التوسع الرأسي وربطه بعرض الشارع، إضافة إلي عدم وجود تخطيط عمراني للقرية يراعي الزيادة السكانية، وعدم توافر الخدمات والمرافق وفرص العمل بالمناطق المستصلحة بالظهير الصحراوي. يؤكد الدكتور محمد عطية الفيومي، عضو لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، وجود خلل تشريعي نتج عنه زيادة نسبة التعدي علي الأراضي الزراعية منذ ثورة 25يناير وحتي اليوم، ولذلك أطالب وبشكل فوري بتعديل قانون البناء الموحد رقم119 ، إضافة إلي تعديل قانون الزراعة، موضحًا أن التعديلات التشريعية المطلوبة ضرورية لمعالجة الإزالة مبكرا ومن خلال تنفيذها قبل البدء فيها حتي تظل الأرض التي تم البناء عليها صالحة للزراعة مرة أخري. يُضيف، بالنسبة للعقوبة لست مع تغليظ العقوبة لتصل إلي السجن المشدد،لأن توقيع عقوبة مشددة لا يحد من الجريمة ولايمنعها، ومن هنا فمن الأفضل وضع إجراءات تشريعية تمكن من سرعة تنفيذ الإزالة من البداية، متسائلا: إذا تم حبس مواطن معتدٍ علي الأرض الزراعية بالبناء عليها ولم تعد صالحة بالبناء عليها مرة أخري فما هي الفائده التي تعود من حبسه؟ مطالبا بشرطة خاصه لإزالة التعديات علي الأراضي الزراعية تمتلك المعدات اللازمة للإزالة وبشكل فوري، بحيث تكون هذه الشرطة الخاصة تابعة للمحافظ في كل محافظات الجمهورية ويقتصر دورها في التعامل لتنفيذ الإزالة خصوصا في ظل كثرة الأعباء علي وزارة الداخلية، وأضاف أن أداء المحليات ضعيف جدا،حيث لا يوجد رقابة شعبية من المجالس المحلية عن الأداء اليومي لكل مجلس، الأمر الذي أدي إلي انتشار الفساد ومنها التعدي علي الأراضي الزراعية. بينما يؤكد بدوي النويشي عضو لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان، أن حجم الأراضي الزراعية المعتدي عليها للبناء المخالف منذ ثورة يناير وحتي الآن مرتفع جدا، لافتا إلي أن هذه الأراضي التي تم الاعتداء عليها تقع في محافظات الدلتا وتتميز بالخصوبة وصالحة للزراعة، مطالبا بضرورة إنشاء شرطة لإزالة التعديات علي الأراضي الزراعية تتبع المحليات وتكون موجودة في كل أقسام ومراكز الشرطة في جميع المحافظات علي مستوي الجمهورية لتنفيذ القانون والإزالة من بدايتها، لأن التأخير في تنفيذ الإزالة يجعل البناء علي الأرض الزراعية أمرا واقعيا، مما يقلل من جدوي الإزالة بعد إنشاء المبني والإقامة فيه، موضحًا أن التأخر في تنفيذ إزالة التعديات علي الأراضي الزراعية أدي إلي زيادة الأرض المعتدي عليها بالبناء المخالف وأن توفيرالقوات الأمنية اللازمة لإزالة التعديات من المهد مهم جدا خاصة ونحن نعترف بوجود تحديات كبيرة تواجه وزارة الداخلية منها مكافحة الجريمة والحرب علي الإرهاب وأيضا إزالة التعديات علي الأرض الزراعية تحدٍ آخر. محمد سعد تمراز، عضو لجنة الزراعة بمجلس النواب، أكد أن أي تعديل تشريعي بشأن التعدي علي الأرض الزراعية يجب أن يواجه الإزالة بشكل فوري وسريع، إضافة إلي عقوبات رادعة بجانب الإزالة، وهذا من شأنه أن يحافظ علي الرقعة الزراعية، لافتا إلي أنه يتفق مع مع قرار التصالح في مخالفات البناء علي الأرض الزراعية من خلال توقيع غرامات مالية تمكن الدولة من خلالها من استصلاح أراضٍ زراعية أخري وكتعويض للنقص في الأراضي الذي وصل إلي 80 ألف فدان بشرط أن يكون التصالح يتضمن مدة زمنية محددة حتي لا يقبل المواطنون علي استئناف البناء المخالف. أما الخبير الزراعي دكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، فيري وجود عدة أساب أدت إلي زيادة التعدي علي الأراضي الزراعية ومنها الغياب الأمني الذي عاشته مصر لفترة بعد قيام ثورة يناير، إضافة إلي أن الأراضي الزراعية لم تعد مصدرالرزق الذي كان يعتمد عليه الكثير من المواطنين خاصة في الريف كما كان من قبل وتحولت إلي أرض مبانٍ لارتفاع أسعارها، لأن سعر المتر المباني أعلي بكثير من فدان أرض زراعية، وشدد صيام علي ضرورة إنشاء دوائر قضائية متخصصة لنظر قضايا التعدي علي الأراضي الزراعية، لأن إجراءات التقاضي في المحاكم بطيئة وتستغرق وقتا أطول، موضحا من الصعب السيطرة علي هذه التعديات دون إنفاذ القانون ودون تطبيق عقوبة فورية علي المتعدي، فعدم وجود عقوبة فورية أدي إلي تجرؤ الكثير من المواطنين علي التعدي علي الأراضي الزراعية بالبناء المخالف. وطالب صيام، الحكومة بالتوسع في المشروعات الزراعية الضخمة في الأراضي الصحراوية البعيدة عن مناطق الدلتا؛ لتكون بديلًا للأراضي الزراعية التي تحولت إلي مناطق سكنية في مختلف المحافظات، لافتا إلي أن مشروع المليون ونصف المليون فدان الذي تنفذه الحكومة حاليا مهم جدا في زيادة الرقعة الزراعية في مصر.