بعد مرور عام علي قرار تحرير سعر الصرف "تعويم الجنيه"، في 3 نوفمبر 2016، فإن نتائج عدة ترتبت علي القرار، عكست رجاحته رغم تأثيراته علي القوة الشرائية للعملة المحلية، وارتفاع أسعار العديد من السلع خاصة المستوردة بالدولار، لكن حسنات القرار ترجمتها تصريحات لوكيل محافظ البنك المركزي رامي أبوالنجا، مطلع الأسبوع الجاري، قال فيها إن حصيلة التدفقات النقدية بالبنوك العاملة في السوق المحلية، ارتفعت إلي أكثر من 55 مليار دولار منذ قرار تحرير سعر الصرف، وحتي الآن، في حين كان عنوان المكسب الأهم بحسب العديد من الخبراء الاقتصاديين أن "الصناعة المصرية هزمت المستورد". واتخذ قرار تحرير سعر الصرف قبل عام في محاولة لإنقاذ اقتصاد البلاد الذي شهد تدهوراً كبيراً منذ ثورة يناير 2011، بهدف توفير العملة الصعبة والتخلص من أزمة الدولار التي شهدتها مصر قبل قرارالتعويم، وهو القرار الذي كانت له إيجابيات عديدة، أبرزها زيادة تحويلات المصريين في الخارج بنسبة 40٪، والقضاء علي السوق الموازية للنقد الأجنبي، وتخفيف عجز الموازنة العامة للدولة، الذي كان له تأثير بالغ علي قطاعي التجارة والصناعة، حيث شهد قطاع التجارة نشاطاً كبيراً بعد تزايد الطلب علي المنتجات المصرية في الخارج، مما أدي إلي زيادة الصادرات المصرية غير البترولية. اللافت أن الصادرات المصرية - وفقاً لإحصائيات رسمية - شهدت قفزة كبيرة خلال تسعة شهور بدءاً من يناير وحتي سبتمبر الماضيين، مسجلة 16 ملياراً و490 مليون دولار، مقارنة ب14 مليارا و890 مليون دولار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، بنسبة زيادة بلغت 11٪، كون المنتج المصدر من مصر أصبح ذا سعر تنافسي كبير جراء تحرير سعر الصرف. كما أن زيادة الصادرات أثرت إيجابياً علي الميزان التجاري، الذي شهد تحسناً كبيراً، لينخفض العجز خلال الأشهر التسعة الأولي إلي 23 ملياراً و390 مليون دولار، مقارنة ب 34 ملياراً و860 مليون دولار، بنسبة تحسن بلغت 33٪، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 2016. في حين تأثر القطاع الصناعي إيجابياً بقرار التعويم، وساهمت خطة الإصلاح الاقتصادي في زيادة رغبة المستثمرين الأجانب والمحليين وبصفة خاصة من فئة الشباب ورواد الأعمال في بدء مشروعاتهم الناشئة والحصول علي أراضٍ ووحدات صناعية، فضلاً عن تحول عدد كبير من المستوردين إلي مستثمرين. وساهم الاعتماد علي الصناعة كبديل عن التجارة في دعم رئيسي لنجاح خطة الحكومة في تنشيط الاقتصاد، حيث نجحت الصناعة المصرية في تحقيق معدلات نمو غير مسبوقة، بحسب دراسة أعدتها وحدة الدراسات الاقتصادية في مجلة "إيكونوميست" البريطانية المتخصصة في الاقتصاد، حيث كشفت نتائج الدراسة أن مصر سجلت أعلي معدل نمو صناعي غير مسبوق بنسبة 33٪ تلتها دولتي سنغافورة وفيتنام. يأتي ذلك متزامناً مع إقرار "قانون التراخيص الصناعية" ولائحته التنفيذية، وإحداث تقدم في شبكة التجارة المصرية من خلال خفض الأوراق المطلوبة للتصدير من 9 إلي 5 مستندات، وخفض مدة استيفاء هذه المستندات من 6 إلي 3 أيام فقط، بالإضافة إلي خفض المستندات المطلوبة للاستيراد من 11 إلي 6، وتقليل مدة استيفاء هذه المستندات من 21 إلي 9 أيام، فضلاً عن إتاحة المزيد من الأراضي الصناعية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإنشاء مدينة "الروبيكي" لصناعة الجلود ومدينة دمياط للأثاث، وإنشاء جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر وهيئة تنمية الصادارت، إلي جانب وضع خريطة الاستثمارالصناعي، وقانون سجل المستوردين،حيث إن كل هذه الإجراءات الإصلاحية تواكبت مع قرار التعويم. وتستهدف الحكومة من وراء خطط الإصلاح الاقتصادي تنفيذ استراتيجية عام 2020 الهادفة إلي رفع معدل النمو الصناعي إلي 8٪ وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلي 21٪ بدلاً من 17.7٪ حالياً وزيادة إسهامات القطاع الخاص في المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلي 10٪ وخفض العجز التجاري بنسبة 50٪ وتحسين الأداء المؤسسي وتوفير 3 ملايين فرصة عمل للشباب، بخلاف تأمين الحصول علي قرض صندوق النقد الدولي البالغة قيمته 12 مليار دولار، حيث كانت السمات الأساسية للتعويم تزايد العملات الصعبة في البنوك وتحسن السياحة، وارتفاع الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة حيث ارتفع بنحو 17.5 مليار دولار خلال أول 11 شهراً من التعويم، ليصل نهاية سبتمبر الماضي إلي 36.5 مليار دولار، مقابل 19 ملياراً في نهاية أكتوبر 2016. وعلي الرغم من هذه الجوانب الإيجابية لقرار تحرير سعر الصرف فإنه تسبب في ارتفاع الأسعار بشكل لافت، وزيادة نسبة الفقر وتصاعد معدلات التضخم والدين الخارجي، لكن خطة الإصلاح الاقتصادي وتحرير سعر الصرف الذي قضي علي الدعم الخفي الذي كان يقدم للمنتجين والمصدرين علي حساب الصناعات والمنتجات المحلية، كان له الأثر في اختفاء الكثير من المنتجات المستوردة، التي كانت تحتل يوما مكانا في المولات والسلاسل التجارية وحلت المنتجات المحلية مكانها، من بين هذه المنتجات الأجبان الشهيرة، والآيس كريم الفاخر، وبعض الأسماك المجمدة وعلف الحيوانات، وحلوي الأطفال، ومستحضرات النظافة والتجميل، والأدوات المنزلية والكهربائية وغيرها من المنتجات المستوردة. إلي ذلك، تباينت ردود فعل الخبراء والمتخصصين والمنتجين وأصحاب السلاسل التجارية بشأن تأثير قرار التعويم علي الاستيراد والصناعة، وإن أجمع قطاع عريض علي أن الصناعة خرجت رابحة من معركة الدولار والتعويم، فيما تفاءل آخرون بصدور قانون الاستثمار الذي يمنح حوافز لتنمية الصناعة، ويسهم في تحسين بيئة طرح الأراضي الصناعية وحل المشكلات البيروقراطية. يقول محمد فتح الله، صاحب إحدي السلاسل التجارية، إن حجم المعروض من المستورد، تراجع بنسبة 90٪، بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار بعد صعود سعر الدولار، حتي الفئات ذات الدخل المرتفع أحجمت عن المنتجات المستوردة ومنها الألبان والزيوت والسمن المستورد واللحوم والأسماك المعلبة وأنواع من الفاكهة والخضار المعلب، وجزء كبير من الأدوات المنزلية والكهربائية، وخاصة المستوردة من الصين. فيما يؤكد طارق توفيق، وكيل اتحاد الصناعات ورئيس الغرفة الأمريكية، أن نموذج الاستثمار الصناعي بعد التعويم شهد تغيراً، حيث نلاحظ وجود صناعتين، إحداهما تأثرت سلبا، وهذه الصناعات التي في شقها الأكبر تعتمد مدخلات الإنتاج بها علي الاستيراد، بينما الشركات التي تعتمد علي نسبة أكبر من المكونات المحلية وتصدر للخارج، حققت طفرة كبيرة في أرباحها، مضيفاً: قبل تحرير سعر الصرف، كانت هناك بيئة عمل تشجع علي الاستيراد، لكن اليوم تغير نموذج عمل هذه الشركات وأصبحت أكثر تفهماً وبدأت تعتمد بشكل أفضل علي تحسين عمليات التوريد المحلي ورفع جودته، وفقاً لمتطلبات التصدير، حتي لاحظنا الشركات التي كانت تستسهل البيع في السوق المحلية، أجبرت علي الاتجاه نحو التصدير لارتفاع الأرباح، خاصة أن انخفاض الجنيه أعطي ميزة تنافسية في تكلفة إنتاجها أمام منافسيها من الدول الأخري، لافتا إلي أن هناك قطاعات استفادت من التعويم، كالسياحة، والصناعات الغذائية والحاصلات الزراعية، والصناعات الكيماوية والهندسية، حيث حققت الصادرات المصرية ارتفاعا خلال ال9 شهورالأولي من العام الجاري بنسبة 11٪". من جانبه، يري المهندس شريف الجبلي رئيس شعبة المصدرين بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن قرار التعويم يعد من القرارات المهمة للصناعة المصرية، التي تحتاج لإجراءات حكومية أخري كملف أسعار الغاز للصناعات المختلفة، حيث توجد دول مجاورة لنا أسعار الغاز فيها أقل من الأسعار عندنا، ومن هنا يجب إعادة النظر فيها حتي نستطيع المنافسة. بينما يري محمد الدماطي، رئيس شعبة الألبان، أن الفترة التي أعقبت التعويم كانت تمثل صعوبة علي الصناعة، لكن حدث تحسن تدريجي بداية من النصف الثاني من العام الحالي، موضحاً أن الطلب مازال منخفضا في السوق بسبب التضخم المرتفع، والإنتاج المتراجع، موضحاً أن ارتفاع نسبة الفائدة ل20٪، لا يشجع علي زيادة الاستثمارات، وأن ما يقلق مجتمع الأعمال هو مدي استعداد الحكومة لتعويض الدولارات بعد خروج الاستثمارات الأجنبية الساخنة (الاستثمارات الأجنبية في الأوراق المالية). ويري محمد قاسم، رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة السابق، أن التعويم عمل علي وقف الاتجاه الهبوطي للصادرات المصرية، الذي امتد لنحو عامين، ثم حدث إيقاف لهذا الهبوط وتحول إلي زيادة تدريجية، موضحا أنه خلال العام الجاري تم تعويض جزء من الخسائر التي لحقت بالقطاع خلال السنوات الماضية ومن المنتظر أن يسجل العام 2018 نسبة نمو سريعة في الإنتاج الصناعي ومؤشرات التصدير، لافتا إلي أن بيئة العمل في مصر تعاني من البيروقراطية والتخبط الشديد رغم صدور قانون الاستثمار. يتابع: هناك عوامل أدت إلي خفض مكاسب التعويم للقطاع، منها نسبة المكون الأجنبي في صناعة الملابس والتي تصل إلي نحو 50٪،وتأثيرات التضخم التي أدت لزيادة أجور العمالة في القطاع وزيادات فواتير الكهرباء وغيرها من التكاليف، لافتاً إلي أن التعويم أفاد هذه الصناعة بنسبة لا تقل عن 15٪ في المتوسط، ومع الاستثمار في المكونات المحلية ستكون هناك فرص أكبر للتصدير. ويؤكد أحمد عبدالحميد، رئيس غرفة مواد البناء، أن صادرات القطاع حققت تطورا كبيرا، وسجلت زيادة بنسبة تصل إلي 8٪، موضحاً أن تأثيرات التعويم مختلفة من صناعة لأخري، فالصناعات التي تعتمد علي الغاز المقوم بالدولار زادت فيها التكلفة كثيراً كالأسمنت والسيراميك والطوب، حيث شهدت هذه الصناعات صعوبة لمدة عام حتي تم تصحيح هياكلها الإنتاجية، في ظل فقدانها العديد من أسواقها التصديرية المهمة في دول سوريا وليبيا والعراق، بينما أدت المشروعات القومية الكبري في قطاعات البنية التحتية إلي انتعاش الطلب المحلي لمصنعي مواد البناء. أما الدكتور محمد البهي رئيس لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية، فيري وجود نحو 300 مليار دولار استثمارات في الطريق بفضل حزمة الإصلاحات التي طبقتها الحكومة والبنك المركزي، والتي منها قرار التعويم وإصدار اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار الذي ينتظره المستثمرون في الداخل والخارج، متوقعاً أن يشهد العام المقبل انخفاضاً متسارعاً لسعر الدولار. مضيفاً: تحرير سعر الصرف ساهم في تحسن تنافسية الصناعة والصادرات المصرية، رغم أن آثاره الإيجابية لم تظهر بالكامل بعد، مطالباً بالإسراع في تطبيق مزايا قانون الاستثمار وقانوني السجل التجاري والتراخيص الصناعية، حتي تكتمل آثار التعويم الإيجابية، لأن هناك ترقباً من جانب المجتمع الاستثماري، خصوصاً بالدول العربية، لتطبيق هذه القوانين التي تتضمن تيسيرات غير مسبوقة، وإنهاء للبيروقراطية.