شهد الرئيس عبدالفتاح السيسي الاحتفال بذكري اليوبيل الماسي (75 عاما) لمعركة العلمين وذلك في موقع مقابر الكومنولث بالمدينة وحضرها سفراء ووفود عسكرية 35 دولة. وزار مع الضيوف متحف العلمين العسكري بعد تطويره، وتحدث الرئيس في الاحتفال قائلاً: "إننا اليوم علي أرض العلمين أرض السلام نحيي ذكري إحدي معارك الحرب العالمية الثانية التي راح فيها آلاف الضحايا ونجدد العهد للحفاظ علي السلام الذي تكلف تحقيقه ثمنًا غاليًا. وإن ذكري آلاف الضحايا الذين لقوا حتفهم في معركة العلمين، تدفعنا لتجديد العهد علي الحفاظ علي السلام، ولبذل مزيد من الجهد لإرساء السلام وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي تواجه أزمات خطيرة تهدد كيان الدولة الوطنية ذاته، وأن 75عامًا مرت علي معركة العلمين وستظل ذكراها في أذهاننا ونتوجه بالتحية لعائلاتهم وذكراها ستظل صامدة". في العاشرة إلا عشر دقائق مساء الجمعة 23 أكتوبر 1942 ارتدي مونتجمري ملابس النوم غطاءه للرأس وتدثر بغطائه علي سريره الميداني الصغير ليملي سكرتيره الخطاب اليومي لأسرته في لندن ليخلد للنوم تماما في العاشرة دون أرق انتظار ألف مدفع تطلق لهيبها بعد نصف ساعة علي القوات الألمانية والإيطالية لتبدأ معركة العلمين التاريخية الفاصلة في تاريخ الحرب العالمية الثانية، موضحا موقفه بأنه عندما يدخل مكتبه كالعادة في الخامسة والنصف فجرا يجد علي مكتبه برقيات كثيرة تطلب رأيه في مشاكل القتال ولابد أن يكون في كامل لياقته الذهنية ليتخذ القرار الصحيح. وبدأ انكسار الخط البياني الصاعد لانتصارات قوات المحور (الألمانية والإيطالية) المستمرة من ثلاث سنوات منذ سبتمبر 1939 في اجتياح فرنسا وأوروبا وروسيا وشمال أفريقيا من المغرب وتونس والجزائر وليبيا وحتي العلمين حيث وقف عند عنق زجاجة المدخل الغربي لمصر في مواجهة لا تزيد عن 70 كم محاصرة بالبحر المتوسط من الشمال ومنخفض القطارة من الجنوب وإن لم يتأخر الثعلب الألماني روميل في محاولة اختراق هذا العنق من مغامرة سيارتين عسكريتين لاستطلاع طريق في منخفض القطارة، فابتلعت الرمال الأولي وهرول جنودها وعادوا بالأخري وزيارة إلي سيوة التي تم تفسيرها علي أنها زيارة لمعبد آمون هناك أسوة بالإسكندر المقدوني الذي فعلها 300 ق. م لكنه خاض أهوال طريق بلا معالم وسط صحراء ممتدة ليتأكد من عدم وجود قوات إنجليزية خلفه تضعه في كماشة وأراه لاستطلاع إمكانية استثمار موقعها الخاص بالاتصال بواحة جغبوب (أصبحت تتبع ليبيا وبطريق 90 كم حاليا) وقد أمنها بقوات إيطالية والاتصال بصعيد مصر عند أسيوط عبر مسار صحراوي إلي واحات الفرافرة والداخلة والخارجه ليحقق إحدي مفاجآته لكنه وجد أنه يزيد خطوط إمداده (450 كم من طبرق الليبية) بألف كم جديدة في صحراء لا توفر واحاتها إمدادات مياه وطعام لقواته ويصبح في صحراء مكشوفة تحت سطوة السيطرة المطلقة للطيران الإنجليزي فتهلك قواته كما قمبيز الملك الفارسي الذي جاء ليهدم معبد آمون فدفنته رمال رياح الخماسين ووجد أن نفس المخاطر تنطبق علي الإنجليز فلن يفعلوها وليس أمامه إلا المواجهة المباشرة في العلمين. • • • لم تكن الجبهة البريطانية بهذه القوة منذ 40 يوما وتبدل حالها منذ جاء مونتجمري يتفقدها 13 أغسطس 42 قبل يومين من تنفيذ قرار تسلم قيادتها لأنه ما إن رأي الانهيار المعنوي لقواته حتي تسلم القيادة ونقل قيادته من الجنوب حيث الصحراء ومنخفض القطارة إلي شاطئ البحر في الشمال ليتدرب جنوده ويلهوا في البحر وأعاد تشكيل مواقع القوات وأبعد معدات الانسحاب واستدعي الجيش الثاني من الدلتا، والدبابات الموجودة في السويس كبديل للقوات المنهكة المرعوبة من روميل. وأعاد تشكيل رئاسة أركانه وقيادة أفرع قواته، من قادة شباب معيارهم الكفاءة. وأوقف الإجازات والحد من البقاء في القاهرة، وأن أهم ترفيه للجنود هو التدريب الشاق الجيد لأنه يرفع كفاءتهم، فيحققون النصر ويبتعدون سريعاً عن مواقع الحرب. ومنافسة روميل في شهرته، بملابسه المميزة "بالبورية" المميز وباسمه "مونتي" الذي أعتز به، حتي موته في مكاتباته مع قادة العالم ومنهم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حين دعاه لزيارة العلمين في عام 67 ليحتفل بمرور ربع قرن علي المعركة فلم ينس ملابسه المميزة ونياشينه ورؤساء أركانه، وعلم قيادته علي سيارته.. وقد جاء بذلك من خبرة 34 عاما بأن يحسن تدريب جنوده وأن يضع معهم كل خطوات معاركهم علي الخرائط قبل التنفيذ، ومناقشة كل التفاصيل وأن يذهب إلي قواده، ويناقشهم علي الطبيعة ويأمرهم أن يكونوا مع قواتهم عند الالتحام. بدلا من القيادة عن بعد، كما كان مطبقا قبل مجيئه، ونجم عنه، الانسحاب من طرابلس وحتي العلمين 3 آلاف كم وبعد نصرهم السابق علي القوات الإيطالية وتقدمهم حتي مشارف طرابلس، لولا مجيء روميل، الذي وضعهم في العلمين أمام الصمود والانتصار وبقاؤهم في الشرق الأوسط، أو الهزيمة فالانسحاب إما إلي الصعيد ثم السودان، أو سيناء ثم فلسطين ليصبحوا تحت رحمة روميل الذي سيصر علي دخول فلسطين، ليلتقي بالقوات الألمانية القادمة له من الجمهوريات الإسلامية الروسية، مخترقة إيران والعراق ليصبح الشرق الأوسط وآسيا في قبضة الألمان. • • • توقفت الدبابات الألمانية عن الانسياق وراء استفزازات المدرعات الإنجليزية ثم تهرب لاستنزاف الوقود الألماني الذي كشفت المخابرات الإنجليزية محدوديته فأدرك مونتجمري أن روميل قد وصل إلي الجبهة، قادماً من ألمانيا، وكما اعترف مونتي صراحة في حوار صحفي مع الأستاذ محمد حسنين هيكل في زيارته لمصر1967 قائلا: لقد استطاع روميل أن يقرأ أبعاد خطتي فور وصوله الجبهة حتي قبل أن يقتنع بها تشرشل نفسه (رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب) وماكان روميل يتحطم، لولا نفاد زاده". عبقرية روميل مكنته من دراسة سلاح المدرعات في ثلاثة شهور فقط، وتولي قيادة فرقته السابعة "البنزر" ليدخل معارك الحرب العالمية الثانية بأسلوبه الجديد في القتال، في حرب الصحراء، علي الساحل الشمالي لأفريقيا، التي وضع بها أسس حرب المدرعات في الصحراء لأنها الأساس دون المشاة. واستطاع خلال ستة شهور أن يحول هزيمة الإيطاليين إلي نصر ودفع الإنجليز أمامه إلي غرب مصر من فبراير إلي نوفمبر1941 ثم اضطر لانسحاب مؤقت إلي طرابلس، ليعود من جديد في يونيو 42 بهجوم كاسح، وصل فيه إلي العلمين في أقل من ثلاثة أشهر(أغسطس 1942).. ورأي أن القائد لابد أن يطلب من قادته وجنوده ماهو فوق طاقتهم، ليحققوا مالا يتوقعه العدو، فتحدثت المفاجأة التي ينجم عنها الخطأ الذي لابد من استغلاله وعدم إعطائه لا الوقت ولا الظروف لإعادة تنظيم صفوفه.. (أيًاكان الموقف يائسا فيمكن لأي قائد ذي تصميم أن يفعل شيئاً بدلاً من أن يجمد أو يستسلم).. هكذا قال روميل فلم يحصل مونتجمري علي النصر بسهولة.. فلم يبدأ روميل انسحابه إلا بعد عشرة أيام من القتال الشرس، ونفذ انسحابا منظما لسلامة قواته مطبقا أهم قواعده ألا يترك جنوده لينهزموا وحدهم فانسحب إلي مطروح ثم براني فالسلوم ليخرج نهائيا من مصر في نوفمبر42 بعد حوالي شهر من بدء المعارك.. وأمام القوات الإنجليزية ملايين الألغام. • • • "حافظواعلي نظافة البيت.. سنعود إليه قريبا".. وغرق جنود البنزر الألماني في ضحكهم، أمام العبارة التي تركها الإنجليزي علي حوائط المنزل الجميل الذي اختاروه هم أيضا مقراً لإقامة قائدهم البارع روميل. فمدينة بنغازي الليبية، التي جرت بها الواقعة تبدلت عليها سيطرة القوات المتحاربة الإنجليزية والألمانية، خمس مرات علي مدي عامين. متبادلين الدفاع والهجوم بامتداد الساحل الشمالي لأفريقيا، من سبتمبر41 وحتي يناير 1942 فزرعوه بالألغام. وقد شاركت القوات الفرنسية في رص الألغام، باشتراكهم المحدود في بداية الحرب والأمريكيين بسلاحهم الذي أمدوا به مونتجمري وأخطر تلك المواقع، في العلمين فبها 17 مليون لغم من جملة 23 مليونا في مصر، وقد ساهمت القوات المسلحة في تطهير 100 ألف فدان في العلمين لللتنمية والتعمير.