رئيس الوزراء يتابع مع وزيرة التخطيط استعدادات إطلاق السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    إمعانا بالتجويع.. إسرائيل تقتل 6 من عناصر تأمين المساعدات شمالي غزة    الإسماعيلي يتعادل مع زد وديًا    سفير السودان بالقاهرة: مصر أظهرت لمواطنينا رعاية كريمة لا توصف.. وعودتهم لبلادنا بعد استتباب الأمن    ميمي جمال في ندوة بالمهرجان القومي للمسرح: أهدي تكريمي بالدورة 18 لزوجي الراحل حسن مصطفى    تفاصيل إصابة طبيب بجرح قطعي في الرأس إثر اعتداء من مرافق مريض بمستشفى أبو حماد المركزي بالشرقية    قبل عرضه.. تفاصيل فيلم بيج رامى بطولة رامز جلال    نقيب الإعلاميين: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة رد عملي على حملات التضليل    بدء الدراسة بجامعة الأقصر الأهلية.. رئيس الجامعة والمحافظ يعلنان تفاصيل البرامج الدراسية بالكليات الأربع    رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات: 424 مرشحًا فرديًا و200 بنظام القوائم ل انتخابات مجلس الشيوخ    محمد عبد السميع يتعرض لإصابة قوية فى ودية الإسماعيلى وزد    مصطفى: مؤتمر حل الدولتين يحمل وعدا لشعب فلسطين بانتهاء الظلم    برومو تشويقى ل مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو".. سبع حكايات ومفاجآت غير متوقعة    الداخلية: لا توجد تجمعات بالمحافظات والإخوان وراء هذه الشائعات    محافظ جنوب سيناء يتابع تطوير محطة معالجة دهب والغابة الشجرية (صور)    «المصري اليوم» داخل قطار العودة إلى السودان.. مشرفو الرحلة: «لا رجوع قبل أن نُسلّم أهلنا إلى حضن الوطن»    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أزهري: الابتلاء أول علامات محبة الله لعبده    توقعات: دوري ملتهب وحار جدًا!    وزارة الصحة: حصول مصر على التصنيف الذهبي للقضاء على فيروس سي نجاح ل100 مليون صحة    نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    بيراميدز يعلن رسمياً التعاقد مع البرازيلي إيفرتون داسيلفا    ديفيز: سعيد بالعودة للأهلي.. وهذه رسالتي للجماهير    كم سنويا؟.. طريقة حساب عائد مبلغ 200 ألف جنيه من شهادة ادخار البنك الأهلي    حزب الجيل: السيسي يعيد التأكيد على ثوابت مصر في دعم فلسطين    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض وضوءها؟.. أمينة الفتوى توضح    محافظ القاهرة يكرم 30 طالبا وطالبة من أوائل الثانوية العامة والمكفوفين والدبلومات الفنية    تنفيذي الشرقية يكرم أبطال حرب أكتوبر والمتبرعين للصالح العام    الحر الشديد خطر صامت.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على القلب والدماغ؟    ختام فعاليات قافلة جامعة المنصورة الشاملة "جسور الخير (22)" اليوم بشمال سيناء    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    موعد الصمت الدعائي لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    مران خفيف للاعبي المصري غير المشاركين أمام الترجي.. وتأهيل واستشفاء للمجموعة الأساسية    التحقيق في وفاة فتاة خلال عملية جراحية داخل مستشفى خاص    السيسي: قطاع غزة يحتاج من 600 إلى 700 شاحنة مساعدات في الإيام العادية    التحقيق في مصرع شخصين في حادث دهس تريلا بدائرى البساتين    متحدث نقابة الموسيقيين يعلن موعد انتخابات التجديد النصفي    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    "13 سنة وانضم لهم فريق تاني".. الغندور يثير الجدل حول مباريات الأهلي في الإسماعيلية    تصعيد خطير ضد الوجود المسيحي بفلسطين.. مستوطنون يعتدون على دير للروم الأرثوذكس    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي لأكثر من مليون فرد    "اوراسكوم كونستراكشون" تسعى إلى نقل أسهمها إلى سوق أبو ظبي والشطب من "ناسداك دبي"    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    بسبب لهو الأطفال.. حبس المتهم بإصابة جاره بجرح نافذ بأوسيم    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    مفوض حقوق الإنسان يدعو لاتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاحتلال من أراضى فلسطين    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    محاكمة 8 متهمين بقضية "خلية الإقراض الأجنبي" اليوم    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة العلمين تعيد أنظار العالم إلى مصر

قيادات وشخصيات دولية رفيعة المستوى تحيى العيد الماسى.. وتدشين مدينة العلمين الجديدة
الصدفة البحتة تدفع ب«مونتجمرى» لدائرة الضوء.. وظروف ميدانية تحول «روميل» إلى ضحية
رسالة خاصة من هتلر للقوات: «النصر أو الموت».. و«قرار ميدانى» يحسم ملف الانسحاب
الأمطار الغزيرة تنقذ قوات «روميل» مرتين.. والقرارات الخاطئة للقيادة العليا سبب الهزيمة
خلال أيام قليلة، تتجه أنظار العالم إلى مصر، بمناسبة الذكرى ال75 لمعركة العلمين، إحدى أهم المعارك الضخمة خلال الحرب العالمية الثانية.. وتتواصل عمليات التحضير للاحتفال الدولى الكبير، فى العيد الماسى لهذا الحدث العسكرى المهم، وسط حضور كبير لشخصيات دولية.. يتضمن الاحتفال مراسم جنائزية، وتأبين ضحايا الحرب بمقابر الكومنولث، وتدشين مدينة العلمين الجديدة، فضلا عن إعادة افتتاح متحف «روميل» بمدينة مرسى مطروح بعد تطويره.
تفاصيل كثيرة، جعلت معركة العلمين بين قوات الحلفاء (بريطانيا، فرنسا، نيوزيلندا، أستراليا، الهند) وقوات المحور (ألمانيا، إيطاليا) الحدث الأهم فى منطقة الشرق الأوسط، خلال العمليات القتالية الشرسة أثناء الحرب العالمية الثانية.. وعلى امتداد 4000 كم من شاطئ المحيط الأطلنطى، غربا، حتى حدود منطقة الدلتا المصرية، شرقا، كانت منطقة العلمين مسرح العمليات القتالية الأهم، قبل أن تنتهى بطريقة درامية تدعو للتعاطف مع المهزوم، والإشادة بالمنتصر.
بعد هزيمته فى معركة مرسى مطروح (فقد خلالها 80 ألف جندى، وعددًا كبيرًا من الأسلحة والمعدات) وصل الجيش الثامن البريطانى إلى حدود العلمين.. كان فى حالة مأساوية، دفعت قائده العام الجنرال «أوكنلك» إلى المسارعة بإعادة تنظيم قواته (بمشاركة اللواء 3 الجنوب أفريقى.. اللواء 6 النيوزيلندى.. اللواء 90 الهندي) والعمل على احتلال خط دفاع قوى أمام موقع العلمين، لوقف تقدم قوات المحور، (بقيادة الجنرال روميل) يعتمد على «موانع الأسلاك الشائكة.. حفر خنادق مضادة للدبابات.. زرع ألغام مضادة للأفراد والدبابات».
وصلت قوات المحور بعدما فقدت جزءا كبيرا من الأفراد والأسلحة والمعدات، لكنها دعمت النقص الواضح بما حصلت عليه من أسلحة ومعدات بريطانية.. اعتمدت خطة «روميل» على مهاجمة منطقة العلمين من يسار القوات البريطانية، والالتفاف حول دفاعاتها من الجنوب، ثم التقدم شرقًا، قبل أن تلتف لاحقا لقطع خطوط الإمداد والتموين البريطانية، وتمنع قواتهم من الانسحاب شرقا.
طبيعة
كان روميل (الشهير بثعلب الصحراء) على دراية بمنطقة العلمين.. وكانت قوات الحلفاء تعرف أنها أفضل منطقة للدفاع عن الحدود المصرية الغربية، والفرصة الوحيدة لمنع قوات المحور من الوصول لقناة السويس، والسيطرة عليها.. وعلى عكس الطبيعة الجغرافية لصحراء مصر الغربية (ذات الهضاب المتدرجة جنوبا، التى يتراوح ارتفاعها بين 400 و1000 متر.. والمنخفضات المتمثلة فى الواحات الداخلة، الخارجة، الفرافرة، البحرية، سيوة، وادى النطرون ومنخفض القطارة، فضلا عن بحر الرمال العظيم) تعد منطقة العلمين ذات طبيعة إستراتيجية.
وزع «روميل» قواته، وعشية هجوم قوات المحور (30 يونيه 1942) استقرت التشكيلات البريطانية فى خط العلمين، لكنها منيت بصدمة ميدانية، بعد اكتساح اللواء 18 الهندى على يد قوات المحور، التى راحت تعمل على توسيع الثغرة فى صفوف القوات البريطانية.. لكن رغم القتال العنيف اضطر «روميل» لسحب قواته، قبل أن يعاود الهجوم لاحقا.
أظهرت القوات البريطانية صمودا واضحا، وشرعت فى تنفيذ هجمات مضادة، أفقدت قوات «روميل» عنصر المبادأة، غير أنه احتل القطاع الشمالى (من شاطئ البحر إلى تبة الرويسات) ومنطقة علم «نايل»، واحتفظ بباقى قواته لحراسة الجانب الأيسر للمواقع البريطانية، وشهد شهر يوليو مواجهات وكرًا وفرًا، تم خلالها الاستيلاء على مواقع واستردادها، قبل فشل الهجمات البريطانية وتوقفها خلال شهر أغسطس، الذى سبق معركة علم حلفا (معركة العلمين الأولى).
تغيرات
استعدت القوات البريطانية لمعركة «علم حلفا» بدعم صفوفها بإمدادات ضخمة (أفراد، وأسلحة، ومعدات...) غير أن الاستعداد القتالى لقوات المحور كان الأكثر تفوقًا (تدريبًا، وتأهيلًا، وروحًا معنوية) نتيجة الآثار النفسية للهزائم المتلاحقة التى لحقت بالقوات البريطانية، وفيما الأجواء على هذا النحو حدث تطور مهم مطلع شهر أغسطس، بوصول رئيس الوزراء البريطانى، وينستون تشرشل إلى مصر.
زار «تشرشل» القوات البريطانية فى العلمين.. تبين له أن قائد قواته (أوكنلك) ليس مؤهلا من وجهة لشن هجوم كاسح ضد قوات المحور، مع وجود مشكلات دفاعية واضحة فى صفوف القوات، دون أن يبادر بعلاجها، فتم تعيين الجنرال «ألكسندر»، قائدا للقوات البريطانية فى المنطقة العربية، وتتابعت المواقف المثيرة، بتعيين الجنرال «جوت» قائدًا للجيش الثامن البريطانى، لكنه قُتل خلال توجهه للقاهرة لتسلم القيادة، بعدما أسقطت طائرة ألمانية طائرته، فتم تعيين الجنرال «بيرنارد لو مونتجمرى»، قائدًا للجيش الثامن البريطانى.
بلغت الإثارة مداها بمجرد وصول «مونتجمرى» لمنطقة العلمين، عندما اتخذ قرارا مدهشا يتضمن «حرق جميع خطط الانسحاب»، تأكيدا على الخيار الوحيد للقوات البريطانية ومن يتحالفون معها هو النصر أو الموت فى أرض المعركة.. بدأ على الفور فى ترتيب صفوف قواته، وسد الثغرات، حيث تبين له أن القيادة السابقة للقوات كانت تعتمد فى إدارة أعمال القتال على السياسية الدفاعية السلبية، بدلا من اللجوء للهجوم، وعدم الاهتمام بالروح المعنوية للقوات، وغياب التنسيق بين القوات البرية والجوية، وهو ما شرع «مونتجمرى» فى علاجه عبر خطة شاملة.
وضع «مونتجمرى» هدفا محددا لخطته القتالية خلاصتها «تحطيم قوات المحور»، ليس فقط فى منطقة العلمين، لكن فى شمال أفريقيا عموما، وحرمان قواتهم من أى فرصة للحصول على إمدادات أسلحة وأغذية ومنعهم من التواصل مع القيادة العليا (أدولف هتلر فى ألمانيا، وموسولينى فى إيطاليا) ثم راح يخطط لهجوم قوى، يتناسب مع طبيعة منطقة العلمين، متوقعا (من واقع قراءة متأنية لتكتيكات خصمه روميل) لجوء قوات المحور ل«اختراق القطاع الجنوبى من خط العلمين، باتجاه خط السكك الحديدية، والطريق الساحلى شمالا لمنع انسحاب القوات البريطانية، وإرغام قواتها المدرعة على دخول معركة تنتهى بتدميرها».
توقع
كان «مونتجمرى» يتوقع أن قوات المحور ستتقدم نحو قواته عبر طريقين (الأول، بين تبة علم حلفا، ودير الحمة.. والثانى، يمر شرق تبة علم حلفا باتجاه منطقة الحمام) فبادر بالتنسيق مع القوات الجوية البريطانية، وتحصين تبة «علم حلفا» (أعلى هيئة طبيعية بمنطقة العلمين) من خلال احتلالها وتأمينها ضد أى هجوم، وتأمين موقع «علم نايل»، وتمركز جزء من قواته فى المنطقة الفاصلة بين الموقعين لمواجهة أى اختراق، مع حشد قوات أخرى (بدون مهام قتالية) للدعم عند الحاجة.
لم يكن «روميل» يعرف أن الهجوم الذى يخطط لتنفيذه نهاية أغسطس 1942، يكاد يكون مقروءا.. كان يعتمد على اختراق الجبهة البريطانية (بين شاطئ البحر، وعلم نايل) من ناحية الشمال، على أن تقوم قوات أخرى تابعة له بمهاجمة الخط الدفاعى جنوب علم حلفا، ثم التقدم لاحتلالها، والتوغل (بتمهيد من القوات الجوية) لتطويق القوات البريطانية، لكن عندما تم صد الهجوم، أوقف «روميل» القتال، وفيما نجحت قوات «مونتجمرى» فى فتح ثغرة بين قوات المحور، فقد تم إنقاذ الموقف بهجوم مضاد.
بادر «مونتجمرى» بتحريك قواته لدعم مواقع أمامية، بعد تقدم قوات المحور لمهاجمة تبة «علم حلفا» تمهيدا للوصول لتبة «الرويسات»، ضمن خطة تستهدف القوات البريطانية من الجنوب إلى الشمال، غير أن الهجوم توقف مع أولى الأزمات التى بدأ تعانى منها قوات «روميل»، ممثلة فى نفاد وقود الدبابات، واجهته القوات البريطانية بهجوم مضاد وضربات جوية مركزة، فتراجعت قوات المحور، واتجهت نحو الجنوب الغربى، وشنت هجوما عنيفا (4 سبتمبر) فسحبت القوات البريطانية جزءا من عناصرها.
انسحب «روميل» تدريجيًا من المنطقة الواقعة شرق حقول الألغام البريطانية (باستثناء عدة نقط دفاعية) فيما قرر «مونتجمرى»، إيقاف العمليات العسكرية، لإنشاء دفاعات جديدة (شرق حقول الألغام) ما يعنى نهاية معركة علم حلفا (العلمين الأولى) بفشل «روميل» فى اختراق منطقة العلمين والاتجاه منها إلى منطقة الدلتا، ثم احتلال قناة السويس، وفى المقابل أخفق «مونتجمرى» فى تدمير قوات المحور وفق خطته العسكرية المعلنة.
تطورات
تطورات كثيرة، شهدتها الفترة الفاصلة بين معركتى «علم حلفا» و»العلمين» الرئيسية (23 أكتوبر- 4 نوفمبر 1942) خلالها فشل هجوم بريطانى على طبرق، وبنى غازى الليبيتين، رغم الخدعة الطريفة لخداع الدوريات والحراسة المكلفة بالحماية فى طبرق، استخدمت خلالها القوات البريطانية أسلحة وملابس ألمانية مع وضع عناصر تتحدث اللغة الألمانية فى مقدمة القوات، لكن تأخر وصول القوات البحرية البريطانية المشاركة فى العملية، اضطرت قوات «مونتجمرى» للانسحاب، وحدث الأمر نفسه للقوات المكلفة بالهجوم على بنى غازى.
دخلت قوات «روميل» معركة العلمين الرئيسية وهى تعانى من مشكلات، تحولت لاحقا إلى أزمات نتيجة عدم تعزيز القوات والأسلحة والمعدات، والإعاشة الخاصة بالقوات.. تعمقت الأزمة فى ظل الهجمات البريطانية المركزة (برا، وبحرا) على خطوط الإمداد الخاصة بقوات المحور، عبر البحر المتوسط، وموانئ ليبيا فطلب «روميل» المزيد من الدعم من القيادة الإيطالية، ووجه الطلب نفسه لقيادة القطاع الجنوبى فى الجيش الألمانى، غير أن انشغال هتلر بخسائر القوات الألمانية فى شرق أوروبا أمام الروس منعه من تلبية طلبات «روميل» (ذخيرة كافية لثمانية أيام من.. وقود يكفى لمسافة 2000 كم لكل عربة.. تعيينات تكفى لمدة 30 يومًا) ولم تكن الإمدادات التى أرسلتها إيطاليا كافية.
وضح تفوق القوات البريطانية من حيث التجهيز، بعد وصول الإمدادات الضخمة لدعمها فى منطقة العلمين، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، وفيما كان البريطانيون يكدسون ويحشدون القوات، والأسلحة، والمعدات، والإعاشة، لجأت قوات المحور لاستخدام طائرات ذات قدرات متواضعة لنقل الحد الأدنى من الاحتياجات، ومن ثم وضح مصير معركة العلمين قبل أن تبدأ فعليا (بحسب المخططين العسكريين على الجانبين)، رغم أن قوات المحور (90 ألف جندى، و560 دبابة، و400 مدفع ميدان، و900 مدفع مضاد للدبابات، و600 طائرة) كانت الأكثر تفوقا على القوات البريطانية من حيث القيادة، والتدريب.
تكتيك
لجأت قوات المحور (فى ظل ظروفها الصعبة) لخطة دفاعية، بدلا من العمليات المتحركة (التى تعتمد على المناورة، وخفة الحركة) رغم نجاحها ضد القوات البريطانية.. كان تقدير «روميل» أن خطة «مونتجمرى» ستركز على الهجوم بالمواجهة، لفتح ثغرات فى دفاعات المحور، ما يسمح للمدرعات البريطانية باختراق عمق القوات، وتطويقها، ومنعها من الانسحاب ثم تدميرها، لذالك بادر «روميل» ب»إنشاء حقل ألغام كثيف - نصف مليون لغم- أمام الخط الدفاعى، وتكليف نقط خفيفة الحركة للدفاع عنه بنيران المدفعية المضادة للدبابات، وإنشاء مواقع دفاعية متماسكة خلف حقل الألغام، تتبادل المعاونة بالنيران والقوات.
فكر «روميل» فى اتجاه الهجوم البريطانى عند بدء المعركة.. معطيات كثيرة جعلته يركز على القطاع الشمالى، كون الطريق مرصوفا، ويعد الأسرع فى الوصول لإمدادات قوات المحور التى تريد قوات بريطانية تدميرها، كما يسمح للقوات البريطانية بالاستفادة من الدعم النيرانى للأسطول المتمركز فى البحر المتوسط.. راح يعيد تنظيم دفاعاته، وتوزيع قواته عبر حشد جزء كبير منها فى القطاع الشمالى، مستبعدا الهجوم البريطانى من الجنوب لعدم جدواه ميدانيا، مع تأمين القطاع الأوسط باتجاه هضبة الرويسات.
خطة «مونتجمرى» لخوض معركة العلمين كانت تعتمد على «فتح ثغرات فى حقول الألغام، والمواقع الدفاعية لقوات المحور، وتقدم المدرعات وقد نجح فيها نسبيا.. القتال المتلاحم لتدمير دفاعات المحور وتجهيزاتهم الإدارية.. السيطرة على المناطق الخلفية، التى أثبتت فاعلية خلال المرحلة الأولى، أثناء النصف الثانى من أكتوبر، مع تنفيذ تكتيكات ضد قوات «روميل»، وفيما شهد القطاع الجنوبى خسائر واضحة للقوات البريطانية، فقد استولت على معظم الأهداف المحددة فى القطاع الشمالى.
خطأ
قبل ذكر الخطأ الذى ارتكبه القائد المؤقت لقوات المحور، الجنرال «جيورج فون شتومه»، لابد من معرفة الظروف التى تولى خلالها قيادة القوات، حيث سافر «روميل» إلى «فيينا» للعلاج، ورغم اعتراض الأطباء على عودته للعلمين قبل الشفاء التام، لكنه أصر على العودة بعد بدء المعركة.. الخطأ الذى ارتكبه «شتومه» يتمثل فى عدم السماح لمدفعية قواته بتركيز نيرانها على الحشود البريطانية، لعدم استهلاك الذخيرة، رغم علمه بالخطة الهجومية للمدفعية البريطانية.
طلب «مونتجمرى» من قواته المدرعة التقدم غربًا لاختراق مواقع دفاعية تابعة لقوات المحور، والوصول إلى منطقة سيدى عبدالرحمن لتدمير المنطقة الإدارية الأمامية للقوات المعادية، ومنعها من الانسحاب عبر الطريق الساحلى، لكن الهجوم المكثف للمحور أفشل هذه الخطوة، وبمجرد عودة «روميل» من رحلة العلاج، راح يخطط لهجوم مضاد عام بجميع قواته الاحتياطية فى القطاع الشمالى، لكن فى ظل ظروف وملابسات كثيرة (ترتبط بضعف الإمداد والتموين لقواته، والمقاومة الشديدة من القوات البريطانية) أجهضت الخطة بعد فترة محدودة من تنفيذها.
بادر «روميل» بتعديل خطته الدفاعية، فى ضوء الظروف الصعبة لقواته الاحتياطية بالقطاع الشمالى، وفكر فى خطة لتدمير الجزء الأكبر من القوة المدرعة لبريطانيا، عبر دفعها إلى معركة متحركة، يجرى خلالها استغلال حذر «مونتجمرى» فى استخدام المدرعات، وتجميع أكبر عدد من مدرعات المحور، ووحدات المدفعية فى مناطق محددة، تفتح خلالها القوات ثغرة وهمية لتقدم المدرعات البريطانية، تمهيدا للهجوم عليها، لكن أزمة «الوقود» أفشلت خطة «روميل» فاكتفى بتنفيذ هجمات مضادة محدودة، وأعاد تذكير القيادة العليا لقوات المحور بموقفه الصعب فى عمليات الإمداد والتموين.
فشل
نفذ «روميل» هجومًا مضادًا، انتهى بالفشل، وخسر عددًا كبيرًا من دباباته، ثم أخفق مجدد عندما حاول متابعة الهجوم بقوات المشاة.. تأكد له أنه لا أمل فى الصمود بمنطقة العلمين، إلاّ إذا وصلت إليه إمدادات كبيرة، فعاود مخاطبة القيادة الألمانية لإنقاذ الموقف.. فى المقابل، كان «مونتجمرى» يعلم أنه قواته تعانى من مشكلات، فبادر بإعادة تنظيم شاملة.. بتعديل اتجاه الهجوم (إلى الشمال) من خلال سحب قواته من منطقة قطاع الاختراق البريطانى إلى الخلف، وتحريك عناصر قتالية من القطاع الجنوبى، واختيار مناطق تمركز جديدة، لتنفيذ خطة «تطوير الهجوم».
لم يكن «روميل» غائبا عما يحدث على الجانب البريطانى، ومن ثم أمر الجزء الأكبر من قواته الاحتياطية، ووحدات مشاة بالقطاع الجنوبى، ومعظم الأسلحة الثقيلة للتحرك إلى القطاع الشمالى لاحتلال مناطق دفاعية، وزيادة عمق المواقع الدفاعية الرئيسية لصد الهجوم المنتظر من قوات «مونتجمرى»، لكنه فشل فى صد الهجوم البريطانى، ففكر فى سحب جميع قواته من منطقة العلمين، لاسيما بعد تفاقم الأزمات الميدانية (قلة الوقود، والأسلحة الكافية لتغطية الانسحاب.. صعوبة انسحاب جزء كبير من قواته المشغولة فى عمليات قتال) فواصل الدفاع انتظارا للحظة المناسبة.
تقييم
راح «روميل»، و»مونتجمرى» يصدران الأوامر القتالية بتحريك قواتهما هنا وهناك تبعا لظروف العمليات القتالية، قبل أن يكتشف القائد البريطانى تحركات أجراها «روميل» لقواته الاحتياطية، إلى المنطقة الساحلية لتخليص قواته المحاصرة هناك، لذلك عدّل «مونتجمرى» اتجاه الهجوم الرئيسى، وشعر «روميل»، بأن قواته المتمركزة هناك لن تتمكن من صد الهجوم، وعليه فكر مجددا فى الانسحاب قبل القضاء على كل قواته.. ومع بدء الهجوم البريطانى، حاول «روميل» صد القوات المهاجمة، وأوقع خسائر كبيرة فى صفوفها، لكن تعليمات «مونتجمرى» كانت واضحة: «لن نتوقف.. تقدموا».. استهدفت الطائرات البريطانية خطوط الاتصال التابعة لقوات المحور، فأفقدت «روميل» فرصة الإلمام بموقف قواته، والسيطرة عليها، لذا قرر تنفيذ خطة الانسحاب من منطقة العلمين.
استغل «روميل» حذر وتردد «مونتجمرى» فى تنفيذ خطة انسحاب قوات المحور، بعد إرسال برقية ل»هتلر» بالخطة التى تستهدف الحفاظ على القوات، وأثناء المرحلة الأولى من الانسحاب، استغلت الطائرات البريطانية حالة التكدس على الطريق الساحلى فأوقعت خسائر كبيرة بصفوف قواته.. حدث هذا بالتزامن مع وصول رسالة مطولة من هتلر ل»روميل» خلاصتها: «لا طريق أمامكم سوى النصر أو الموت»، فطلب من قواته التوقف عن الانسحاب، والعودة إلى مواقع القتال.
تدهورت الأوضاع الميدانية لقوات روميل، بسبب الظروف المعيشية، والهجمات الجوية البريطانية، خاصة مع وصول دعم قتالى وميدانى للقوات البريطانية، وتأزم موقف قوات المحور بعد اختراق مواقع تابعة لها، ووقوع الجنرال «فون توما»، قائد فيلق أفريقيا الألمانى، فى الأسر، فاضطر «روميل» إلى مخالفة أوامر «هتلر» بالصمود، وإصدار أوامره بانسحاب جميع قواته من خطها الدفاعى، وأبلغ «هتلر» بالموقف.. المثير، أن سقوط الأمطار الغزيرة أنقذ قواته من مطاردة البريطانيين، فسحب جزءًا كبيرًا من قواته إلى خط الحدود المصرية عبر السلوم وحلفاية، وعندما حانت الفرصة مجددا للقوات البريطانية (10 نوفمبر 1943) للانقضاض على قواته هطلت الأمطار مجددا، فتعطلت الفرقة البريطانية المدرعة، التى تطارد «روميل» وقواته، وبعد 9 أيام، وصل فيلق أفريقيا الألمانى إلى مواقعه الجديدة فى منطقة «العقيلة» الليبية.
انتهت معركة العلمين بانتصار قوات «مونتجمرى» لكنها لم تحقق الغرض الرئيسى للمعركة (تدمير قوات المحور) نتيجة عدم تقدير القوات البريطانية ل»قوة دفاعات المحور.. قدرتها على المقاومة.. دور حقول الألغام، ونيران المدفعية:، والأهم التلكؤ البريطانى فى الاستفادة قواتها المدرعة، فيما أرجع «روميل» فشله فى معارك العلمين ل»تفوق البريطانيين فى الإمداد والتموين.. حرمان قواته من التفوق الجوى قبل بدء المعركة.. القرارات الخاطئة للقيادة العليا الألمانية والإيطالية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.