مواقف متناقضة بين التهديد بالتصعيد وإنذار باندلاع حرب، واللجوء إلي التهدئة بالسعي إلي مفاوضات وحل دبلوماسي ووساطة روسية وصينية لتخفيف التوتر.. لاتزال الأزمة النووية لكوريا الشمالية تلقي بظلالها علي الساحة الدولية، لتدخل الحرب الكلامية بين واشنطنوبيونج يانج مرحلة جديدة خاصة بعد تزايد احتمالات اللجوء إلي الخيار العسكري. اهتمت الصحف الأمريكية والبريطانية بإعادة ترتيب أوراق اللعبة مجدداً مع تصاعد الصراع والتهديدات الغاضبة المتبادلة بين البلدين وأشارت بعضها إلي تحليق قاذفات استراتيجية قرب سواحل كوريا الشمالية في خطوة وصفتها وسائل الإعلام العالمية بأنها رسالة واضحة للزعيم "كيم جونج أون". فيما تم رصد نقل صواريخ في كوريا الشمالية، التي ستكون مقدمة لتجربة جديدة ستجريها الأخيرة. ويأتي هذا التطور وسط تبادل التحذيرات والعقوبات مع فرض الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، قيوداً جديدة علي دخول مواطني كوريا الشمالية إلي الولاياتالمتحدة بالإضافة إلي كل من تشاد وفنزويلا ليوسع قائمة دول شملها الحظر الأصلي نظراً للتقصير في أمن المسافرين فيها، وعدم تعاونها بشكل كاف مع واشنطن بشأن هذه المسألة. وفي التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي "ريكس تيلرسون"، خلال جولة مباحثات في الصين، أعلن أن بلاده علي اتصال مع بيونج يانج، لبحث استعدادها للحوار، والتراجع عن برنامجها النووي. كما يري تيلرسون أن لبكين دوراً حاسماً في تفادي حدوث مواجهة عسكرية مع كوريا الشمالية التي تتقدم سريعاً نحو هدفها بتطوير صاروخ مزود برأس نووي يمكنه الوصول إلي الولاياتالمتحدة، وفقاً لرويترز. وأدلي تيلرسون بهذه التصريحات بعد محادثات أجراها مع كبار الدبلوماسيين الصينيين والرئيس "شي جين بينج" حول الأزمة النووية والتحضيرات لزيارة ترامب إلي بكين في نوفمبر المقبل. وهذا ما أكد عليه أيضاً "جيمس ماتيس" وزير الدفاع الأمريكي أن واشنطن لا تسعي إلي الحرب مع كوريا الشمالية، وهو الموقف الذي يبدو متناقضاً مع ما صدر عن كل من "اتش آر ماكماستر" مستشار شؤون الأمن القومي، الذي أكد أن الحل العسكري لا يزال مطروحاً، و"جوزيف دانفورد" قائد أركان الجيوش الأمريكية الذي رأي أن بيونج يانج باتت أخطر تهديد لواشنطن. وبهذه المواقف المتناقضة للإدارة الأمريكية تجاه الأزمة الكورية، يدل علي ضياعها في مقاربة هذا الملف، وهو الأمر الذي تظهره التصريحات الصادرة عن مختلف المسؤولين الأمريكيين. وفي الوقت الذي تحتار فيه واشنطن بين الحل الدبلوماسي الذي يروج له ماتيس، والحل العسكري الذي يشير إليه ماكماستر، تسعي موسكو إلي العمل مع بيونج يانج بهدف تخفيف التوتر. ومن ناحية أخري، أعلن وزير خارجية كوريا الشمالية "ري يونج هو" أن بيونج يانج تري تصريحات ترامب علي موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بمثابة إعلان حرب وهددت بإسقاط الطائرات العسكرية الأمريكية في المجال الجوي الدولي. ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فإن الأزمة التي تحيط ببرنامج الأسلحة لكوريا الشمالية تزيد من مخاطر "سوء التقدير الاستراتيجي"، الذي يجعل أيا من أطراف الصراع يسيء فهم موقف الطرف الآخر وتكون خطوة أولي نحو الحرب. وأول سوء التقدير الذي فرضته الصحيفة الأمريكية، هو إمكانية أن تلجأ كوريا الشمالية إلي القنبلة الهيدروجينية في المحيط الهادئ. وقد هدد كيم جونج أون باختبار قنبلة هيدروجينية كخطوة تالية في استراتيجيته النووية. كما أن خطاب ترامب العدواني يبرز مخاوف خطيرة. فهناك سلسلة حديثة من دراسات الانتشار النووي تنظر إلي أهمية شخصية القائد، وهويته، وتصوره، ورؤيته العالمية، مؤكدة علي أهمية التركيب النفسي للزعيم، وهذا النوع من الحديث الاستفزازي والعدواني يمكن أن يستخدم في حملة انتخابية، ولكن يكون خطراً في مجال الدبلوماسية النووية، بحسب "أو رابينويتز" الصحفي بواشنطن بوست، وهنا يكون الخطر، حينما تفسر بيونج يانج تصريحات ترامب علي أنها ضربة أولي وشيكة. ويضيف رابينويتز قائلاً يمكن للولايات المتحدة أن تحاول وتفشل في إسقاط الصواريخ الكورية الشمالية. ومنذ الثمانينيات، أنفق الجيش الأمريكي نحو 200 مليار دولار لتطوير القدرة التكنولوجية لإسقاط القذائف التسيارية. وقد أنتج هذا الجهد نظما عديدة للصواريخ المختلفة، بما في ذلك برنامج الدفاع الأرضي "ميدكورس"، الذي وضع لإسقاط القذائف التسيارية العابرة للقارات؛ ونظامي "إيجيس" و "ثاد"، اللذين تم تطويرهما لإسقاط الصواريخ قصيرة المدي. ولكن إسقاط الصواريخ من الصعب القيام به، أما نظام الدفاعي الأرضي لاعتراض الصواريخ في الجو »GMD» فهو غير دقيق نسبياً. فكل من نظام "ثاد" و"إيجيس" لديه سجل اختبار أفضل من »GMD»، ولكن أيا من الثلاثة لم يتم استخدامها في حرب فعلية. ومن الناحية النظرية، يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم نظامي "ثاد" و "إيجيس" لإسقاط الصواريخ الكورية الشمالية التي أطلقت علي المحيط الهادئ. ولكن إذا فشل الاعتراض، فإنه يمكن أن يضر بالوضع الأمريكي، مما يتسبب في فقدان الحلفاء الثقة في الولاياتالمتحدة ووعودها الأمنية. وربما يؤدي إلي تحديات جديدة للمنافسين. ويمكن أن يؤدي هذا الفشل أيضاً إلي سوء تقدير من جانب بيونج يانج، إذا اعتبرت الأخيرة أن الاعتراض كان عملاً من أعمال الحرب. وفي صحيفة "الإندبندنت" وتحت عنوان "الحرب بين كوريا الشماليةوالولاياتالمتحدة باتت تهديداً واضحاً وحقيقياً"، كتب الصحفي "هاري كوبيرن" أن مركز "المعهد الملكي المتحد للخدمات" "کusi" وهو أحد مراكز البحث السياسي والعسكري في بريطانيا، يحذر من تصاعد الصراع بين واشنطنوبيونج يانج، بعد النجاحات المتوالية للأخيرة في برنامجها النووي العسكري والصاروخي وهو ما يعني أن الوقت لم يعد في صف الحل الدبلوماسي، وعقب تلويح ترامب بالحرب ما يعني غزواً كاملاً لكوريا الشمالية وعمليات عسكرية واسعة ستستغرق وقتاً طويلاً.