مبادرة بيئية فريدة لإعادة تدوير المخلفات، انطلقت من حارة ضيقة بمنطقة بشتيل في محافظة الجيزة. مشهد أكوام الأقمشة المُكدّسة التي يتم حرقها في مقالب القمامة، لفت نظر »سيدة محمود» رئيسة مجلس إدارة إحدي الجمعيات الأهلية، ومؤسسة مبادرة »مُنتجاتنا مُخلفاتنا». لتبرز لديها فكرة الاستفادة من مخلفات مصانع الملابس الجاهزة وإعادة تدويرها ليستفيد منها البسطاء، حيث يتم ذلك علي يد 100 سيدة من المُطلقات والأرامل والسيدات المعيلات، لتوفر لهن مصدر دخل. »ثمانية أطنان من الأقمشة المُهدرة نُعيد تدويرها شهريًا» تقول سيّدة محمود وهي تصحبنا في جولة داخل المشغل الخاص بالمشروع. تحكي ل»آخر ساعة» عن بداية الفكرة: كنا نقوم بعملية توعية بيئية من خلال الجمعية، لدعم عملية الجمع السكني للقمامة في منظومة المخلفات الجديدة. لنجد أن هناك كمًا هائلاً من مخلفات الأقمشة التي تُحرق في نهاية الأمر في عدد من مقالب منطقة إمبابة- بعدما يتم استخلاص المعادن والبلاستيك من القمامة-. ورغم التأثير المُدمر الذي يلحق بالبيئة وصحة المواطنين، لم يلتفت أحد إلي إمكانية إعادة تدوير مخلفات الأقمشة المُهدرة، في صورة مُنتجات نسيجية ذات قيمة اقتصادية. بدأتُ هنا في تتبُع مصدر هذه الأقمشة، وأعددتُ حصرًا لمصانع الملابس الجاهزة والورش الصغيرة المُنتشرة في المنطقة. تُتابع: اتفقنا مع القائمين علي المصانع لمدّنا ببواقي الأقمشة بدلاً من جمعها وإلقائها في مقالب القمامة، مع توعيتهم بالآثار الإيجابية للمبادرة علي البيئة والبُعد الاجتماعي والإنساني الذي تُحققه، بتوظيف طاقات السيدات اللاتي ليس لديهن أي مورد للدخل. كنت أقود بنفسي »تروسيكل» لجمع الأقمشة من عدد من المصانع التي تستخدم أقمشة الفيزون والجينز، ومصانع فساتين الأفراح لنحصل منها علي مخلفات خامات التُل والساتان. ليصل عدد المصانع التي نتعامل معها إلي 75 مصنعًا، قبل أن نبدأ بجمع مخلفات ورش التنجيد في المنطقة أيضًا، حتي أصبحنا نجمع ما يقرب من ثمانية أطنان من القماش شهريًا. معظم اللاتي يعملن في المشروع أُميّات، إلا أنهن تمكنّ -كما تقول سيّدة- من إتقان الخياطة وإنتاج مئات المُنتجات النسيجية التي استطاعت أن تُنافس المنتجات الأُخري. »نعمل برؤية مُختلفة من خلال مجموعات عمل تطرح فيها السيدات تصورات مُختلفة للتصميمات التي نقوم بتنفيذها. إدارة الجمعيات الأهلية بوزارة البيئة وفرت لنا الدعم الفني، ودعمًا ماديًا مكننا من تجهيز المشغل، حيث بدأنا بماكينة خياطة واحدة وغسالة ومِكواة ومُجفف، لنتوسع بعد ذلك بمجهودنا الذاتي. تُتابع: إلا أنّنا نحتاج المزيد من الدعم، فإيجار المشغل شهريًا 2000 جنيه وليس هناك جهة تدعمنا حاليًا، ما اضطرنا للاستغناء عن مقر آخر -كنا نستغله لتخزين الأقمشة- لعدم قدرتنا علي دفع إيجاره. غير أننا نحتاج إلي مفرمة وماكينات أخري للخياطة. تُخبرني أنها أعدت مشروعًا لتأسيس مصنع كامل لإعادة تدوير القماش: عرضت الفكرة علي العديد من المسؤولين. قابلت محافظ الجيزة وطلبت منه أن يُخصص لنا قطعة أرض من المساحات التي تُستخدم كمقالب قمامة، لنُنظفها ونستغلها في التخزين وإقامة المشروع، ووعدنا ببحث الأمر إلا أننا لم نلقَ أي استجابة حتي الآن. تحكي لي زينب أحمد -وهي تنهمكُ في إنهاء خياطة إحدي القطع- عن التغيير الذي طرأ علي حياتها بعد هذه التجربة، وكيف بدأت ثقافة إعادة التدوير تتأصل بداخلها »لم يكن لدي أي علم بالخياطة. بدأت هنا بفرز الأقمشة وجمعها حسب الألوان، لأتعلم بعد ذلك كيفية عمل مفارش الصوف باستخدام النول والإيليسه كما تعلّمت التريكو. تُتابع: لا أستطيع أن أصف فرحتي بأول قطعة أنتجتها. عشرات المُنتجات نُنفذها من قطع القماش الصغيرة التي نجمعها، لنبيعها في أسواق المفروشات ومعارض الأُسر المُنتجة. منها مفارش تُل وفساتين أفراح للأطفال ومخدّات ومساند. غير السجادات وأغطية الغسالات. كما نُنتج مستلزمات لحفلات السبوع وبطاقات دعوة للمناسبات، غير الوسائل التعليمية وعرائس القماش. نجد أحيانًا قطع قماش عريضة نسبيًا تُتيح لنا إنتاج ملايات وأغطية للأسرّة، بمزج وخياطة عدّة قطع. التجربة التي بدأت هُنا حفزت ناهد سمير »مدربة رسم بالقماش» علي الانضمام إلي المجموعة والإعداد لتدريب السيدات بشكل تطوعي. »منذ عدّة سنوات بدأت في ممارسة وتدريب هذا الفن. دربت مجموعات من السيدات في بعض القري وكانت نتائج التدريب مُذهلة. لدينا هنا مجموعة رائعة من المواهب التي يُمكن صقلها وتنميتها باستخدام أساليب معينة في التدريب، وباتباع تقنية بسيطة جدًا وغير مُعقدة. حيث يعتمد هذا الفن علي استغلال »قصاقيص» القماش، التي تُعد بها أعمالاً فنية باستخدام إطار »شاسيه» خشبي، يتم شد عليه قطعة من القماش السميك وليس قماش الخيامية، لتكون بمثابة قاعدة للتابلوه قبل قص القماش، وتطعيمه بألوان مختلفة وتثبيته بصورة جمالية لإخراج أعمال فنية. جميع أنواع الأقمشة تصلح لتنفيذ أي فكرة. أحاول دائمًا أن أختار الثيمات التي أُعدها للتدريب من الفلكلور والتراث المصري الغني.