هذا المقال كتبه الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير مجلة آخرساعة ونشره في المجلة في شهر أغسطس 1952ويحلل فيه شخصيات الضباط الأحرار قبل الإعلان عن أسماء الأحرار المشاركين في الثورة. من هم الضباط الذين يحيطون باللواء محمد نجيب؟ إن الدنيا كلها تتحدث عنهم ولكن أحدا لا يعرف من هم؟ والذين يتحدثون عنهم يذكرونهم كما يذكرون ظواهر الطبيعة الخارقة الغامضة. إنها موجودة تفعل فعلها، وتؤدي عملها، وتؤثر فيما حولها، ولكن أحدا لا يعلم علي وجه التحديد من أين جاءت ولا من أين تروح؟ ولكن ضباط محمد نجيب هم الذين فرضوا علي أنفسهم هذا الغموض الذي يحيط بهم.. ولقد كان أول قرار اتخذوه بعد أن نجحت حركة القوات المسلحة هو أن يمنعوا الصحف من ذكر أسمائهم ، وكم من صحيفة حاولت وقاست الويل لتنشر اسم أحدهم ولكن دون جدوي.. وكانت وجهة نظر ضباط محمد نجيب في هذا صريحة واضحة كطلقات الرصاص! إن المسألة ليست مسألة دعايات شخصية تترك الصحافة حرة لتخوض فيها، وتنسج حولها الأخيلة التي تسيء للحركة وتضر بها، إنما المسألة مسألة عمل عام ، فإذا كان هناك من يريد أن يكتب فليكتب عن العمل العام، فإذا صمم أحد علي أن يكتب عن شخص معين فهناك رجل واحد يمكن أن تتبلور حوله كل الكتابات وهو اللواء محمد نجيب.. هذا من ناحية . ومن ناحية أخري فإن الحركة لم يصنعها ضباط قيادة محمد نجيب وحدهم، وليس من حقهم أن يحتكروا البطولة فيها علي صفحات الجرائد هكذا قالوا هم بينما كل ضابط وكل جندي في القوات المسلحة قد ساهم فيها بقسط ونصيب وهكذا كان, الدنيا كلها تتحدث عن ضباط قيادة محمد نجيب، ولكن من هم؟ هذا هو السؤال الذي لا يعرف الإجابة عليه إلا عدد قليل جدا من الناس والسبب في هذا هم أنفسهم ضباط قيادة محمد نجيب. ومن المؤكد أن ضباط محمد نجيب علي حق إزاء كل ما يبدونه من أسباب في إخفاء أسمائهم . ولكن المؤكد أيضا أن الناس علي حق في أن يعرفوا من هم وأي نوع من الشباب ضباط محمد نجيب؟ الضباط إذا علي حق، والناس أيضا علي حق، ويبقي بين الحقين طريق ثالث وسط يستطيع منه الناس أن يعرفوا من هم ضباط محمد نجيب، وفي نفس الوقت تبقي أسماؤهم طي الكتمان. والصورة التالية لضباط محمد نجيب كتبها »واحد» يعرفهم . إنها صورة سريعة لهم، ومن هذه الصور سوف يعرفهم الناس، وماذا يهم اسم الرجل إذا وضعت أمامنا صورة له. ولسوف يرمز ذلك الواحد الذي يعرفهم لكل منهم برقم، إن هذا الرقم لا يعني ترتيبهم في مراكز القيادة، وإنما هو مجرد رمز لا أكثر ولا أقل . 1 السكون الذي ترقد تحته العاصفة سمعت عنه قبل أن ألقاه كانوا يتحدثون عنه في الفالوجة المحصورة كما يتحدثون عن الخرافات والجن العمالقة. كان جريئا إلي أبعد حدود الجرأة وفي نفس الوقت كان هادئا إلي أبعد حدود الهدوء وكان هذا المزيج من الجرأة والهدوء شيئا عجيبا مثيرا وكان كل زملائه يحبونه، واشتهر بينهم باسم تدليل كانوا يطلقونه عليه وينطقونه بأنفة وإعزاز حينما يتكلمون عنه وهم جالسون في الخنادق في خط النار، وكان كثيرون في الفالوجة يحبون الاستماع إليه فقد كان يتكلم لغة جديدة ويثير فيمن حوله مشاعر جديدة قوية، وعندما كانت المعارك تهدأ يهرع إليه نفر من الضباط حيث يكون، ثم تدور أحاديث تتجه كلها إلي الوطن البعيد حيث يفصل بينه وبينهم عدو يحاصر مواقعه من كل ناحية .. وكان تخليص وطنهم أهم عندهم من تخليص أنفسهم من الحصار الذي كانوا فيه. وعاد من الفالوجة هادئا ساكنا ، وفي نفس الوقت هائجا ثائرا ! وكتب البوليس السياسي عنه تقارير وصفته أنه من الإخوان المسلمين واستدعاه رئيس الوزراء القائم بالحكم وقتئذ وسأله هل أنت من الإخوان المسلمين؟ وكانت تهمة الالتصاق بالإخوان المسلمين في ذلك الوقت تهمة مخيفة وكانت مفاجئة لرئيس الوزراء : نعم أنا منهم ودُهش رئيس الوزراء وصمت لحظة ثم قال: لقد أعجبتني شجاعتك ولست أطلب منك إلا أن تتعهد لي بألا تشترك في أعمال عنيفة. وحين خرج بعد انتهاء المقابلة وعرف بعض زملائه ما حدث أقبلوا عليه يسألونه. ولكنك لست منتميا لجماعة الإخوان فلماذا قلت إنك منهم ؟ وقال هو بهدوء لقد كان سيتصور أني أتهرب وأجبن إذا قلت له إني لست منهم. الذين اتصلوا بعمله يقولون إنه جندي محترف .. الجندية في دمه وفي أعصابه وفي عقله ، ويستشهدون علي ذلك بفترة قضاها في كلية أركان الحرب وكان العقل المدبر للكلية ومن خريجي هذه الكلية جاء معظم ضباط حركة القوات المسلحة ثم التقيت به لأول مرة وكان اللقاء في بيت اللواء محمد نجيب قبل 4 أيام من حركة القوات المسلحة وكان يبدو أبعد بكثير عن كل ما سمعته عنه . كان يرتدي قميصا أبيض وبنطلونا رمادي اللون وبدا كأنه شاب عادي، لولا الشيب الكثير الذي ملأ شعر رأسه . وكنت قبل أن يدخل هو إلي بيت اللواء محمد نجيب جالسا مع اللواء نتحدث عن موضوع الساعة في ذلك الوقت وهو حل مجلس إدارة نادي الضباط. وحين دخل هو ، واصلنا الحديث في نفس الموضوع وكان هو ساكتا لا يتكلم . وقلت له : ماذا؟ هل ستتركون المسألة هذه المرة تمضي ؟ وقال في هدوء: ماذا نفعل؟ قلت : افعلوا أي شيء ..ولكن لا يمكن أن تمضي المسألة هكذا وقال في بساطة أهذا رأيك؟ قلت في عصبية : وهل لك أنت رأي سواه؟ وقال وهو يبتسم : لا وإنما المهم أن تقولوا لنا ماذا نفعل. ثم التقيت به للمرة الثانية في الساعة الرابعة من فجر يوم 23 يوليو كانت الحركة قد فرغت منذ أقل من دقائق، وكانت رئاسة الجيش تعيش في جو غريب ، حركات القوات حولها في كل ناحية، والدبابات والسيارات المدرعة ومدافع الميدان والمدافع الرشاشة وكان الضباط من قادة الحركة يروحون في الرئاسة ويجيئون ويتكلمون ويهمسون ولاح من بعيد وسط هذه العصبية كلها شيء هادئ ساكن وكان هو .. هو بنفسه واقترب مني في صوت رقيق متزن يقول : ما هو رأيك هل يكفي هذا؟ ثم رأيته كثيرا بعد ذلك رأيته ينزل مكتبه سبعة أيام متواصلة .. وإذا غادره فإلي المكتب المجاور حيث يشهد مؤتمرا! ورأيته يتكلم في كل الموضوعات ، ويقترح حلولا لكل المشاكل ، وبعضها بعيد عن العسكرية بعد السماء عن الأرض ورأيته يجلس علي ذري القوة دون أن يحس بها فإن رأسه لم يدر ولم يركبه الغرور ، لقد كان في هذا كله كما وصفوه أيام كان في الفلوجة مزيجا من الجرأة المتناهية والهدوء الوديع !! 2 المدفع الثائر المنقلب رأيته لأول مرة ذات يوم من شهر يونيو 1948 وكان لقاؤنا في بيت لحم أو علي الأصح في نقطة تقع علي الطريق بين القدس وبيت لحم وقدمه لي الشهيد قائد الفدائيين المصريين البطل أحمد عبد العزيز ، وقال لي أحمد عبد العزيز وهو يقدمه هذا أكفأ ضباطي. وقضيت في بيت لحم بضعة أيام أزدت فيها اقتناعا بما قاله أحمد عبد العزيز وهو يقدمه لي . نستيقظ في الفجر علي ضجة هائلة ويبتسم أحمد عبدالعزيز ويقول : هذا هو لقد بدأ عمله وأذهب مرة إلي نقطة متقدمة فأجده فيها وكنت قد تركته في الصباح في مركز القيادة . ويخوض غمار معركة ليلية مخيفة ومع ظهور الصباح يهدأ ضجيج القتال ، فأجده علي إحدي الربي يصلي الفجر تحت شجرة برتقال تبدو من ورائها القدس الطاهرة علي بعد عدة أميال . وكان فيه كل شيء يذكرني بالمدافع كان هو نفسه مدفعا! يسقط فجأة كالمدافع وينطلق فجأة كالمدفع ويقذف كل ما في صدره ولا يداجي ولا يواري وكان منطلقا حتي في حركاته العادية التي لا تحتمل الانطلاق لم يكن يدخل من الأبواب وإنما كان ينسل منها ولم يكن »يتكلم» وإنما كان »ينفجر» . وعدت من فلسطين وعاد هو أيضا وكنا نلتقي بين الحين والحين ثم جاءت ليلة أحسست فيها بالثورة تعج في نفسه وأحسست من بعيد أن الأمور لا يمكن أن تترك هكذا . ذهبت أزور معسكر فرقة المشاة الأولي في رفح منذ عام ولم أكن أعرف أنه هناك ، وكان قد مضت فترة طويلة لم أره وفي إحدي طرقات المعسكر بجوار ملاعب التنس التقيت به وكان يمشي وفي يده مضرب تنس وبجواره طفل صغير يحمل مضربا آخر . وقضينا ساعات طويلة معا في تلك الليلة في رفح وكنا نذرع الطريق الرئيسي للمعسكر وضوء القمر يفرشه وينعكس رهيبا علي أشباح الدبابات الكبيرة التي تحرص الطريق ومن بعد تلوح أنوار مستعمرة يهودية . وكان معظم كلامه عن الطفل الصغير الذي كان يمشي بجواره حاملا مضرب تنس .. لقد كان ابنه وقال لي لقد جئت به معي هنا لأني أريده أن يتعلم الخشونة .. إن الجو عندكم في القاهرة لم يعد يلائم الرجال إن الميوعة في كل مكان فيه .. والطراوة تسري في كل ناحية منه.. هذا جو تتخرج فيه راقصة كباريهات ولكن لا يخرج منه رجال وفي فجر يوم الثورة التقيت به كان يحمل مسدسا في يده اليمني ومسدسا في يده اليسري وكان يربط حول رقبته منديلا ينسدل علي ظهره وكان العرق يتصبب منه وبدا كما لو كان بطلا في إحدي حاويات القرصان ونظرت إليه في ذهول فقال .. أو انفعل إذا شئنا الدقة ماذا؟ نريد أن نصنع مستقبلا أكثر رخاء لأبنائنا وقلت له حظ موفق وانطلق فقد كانت لديه مهمة ينبغي عليه أن يؤديها لإنجاح الحركة. 3 العملاق الأسمر والعينين الحمراوين عملاق طويل عريض لفحته الشمس في معسكرات الجيش فجعلته أشبه ما يكون بتمثال من البرونز لفارس محارب مدرع من القرون الوسطي دبت فيه الحياة بمعجزة فخرج إلي عالم المغامرات . هناك لازمتان تميزانه دائما شعر مهوش مكنوش ، وعينان حمراوان من قلة النوم وكثرة ما يبذل من جهد قدمه لي لأول مرة اللواء محمد نجيب وكان ذلك قبل حركة القوات المسلحة ببضعة أيام. كنت جالسا مع اللواء نجيب وكان شاهدا علي كل ما يحدث وقال بين ما قاله لقد فكرت أن أستقيل من الجيش. وفجأة ظهر العملاق طويل القامة شبيه التماثيل البرونز السمراء ظهر علي باب الشرفة واشترك في المناقشة »لا.. لا يجب أن تستقيل كلنا نري أن تبقي معنا». وكان شكله فجر يوم حركة القوات المسلحة رائعا كان هو قاد جزءا هاما في عملية القبض علي قواد الأسلحة من لواءات الجيش القدامي لقد قام بهذه العملية الخطيرة بمنتهي الثبات والجرأة والسرعة وكانت عيناه الحمراوان في لون الدم فقد ظل يومين كاملين قبل الحركة يرقب وينظم ثم شهد الليل كله، ليلة الحركة. وكانت عيناه الحمراوان وسط وجهه الأسمر المحترق من الشمس قطعتين غريبتين من المخاطرة والمغامرة وبعد الحركة بثلاثة أيام وعلي وجه التحديد يوم السبت 26 يوليو اليوم الذي خلع فيه الملك عن العرش، لقيته في إحدي الشرفات في مركز رئاسة قوات الجيش، وكان قد حلق ذقنه وخلع عنه البذلة التي ظلت علي جسده خمسة أيام متواصلة ليل نهار وكان يحتسي فنجانا من القهوة وفي عينيه صفاء غريب أشبه ما يكون بأحلام الشعراء وكان في ليلة الحركة إعصارا هائجا لايبكي ولا يذر . 4 الشعلة التي هربت من النار كنت أسمعه يتكلم كثيرا وكان دائما يذكرني بشعلة من النار فيها حرارة وفيها لهب وفيها حريق وفيها نور أيضا! وسمعته مرة يروي كيف أفلت من الموت بإعجوبة وكيف نجا من الحريق، ويخيل إليّ أن النار التي كادت تحرقه في ذلك الحادث لم تغادر جسمه أبدا، وإنما ظلت تتلظي فيه وتشتعل. كان يطير بطائرته فوق مطار ألماظة وتلمع علي شفتيه ابتسامة كوهج النار، ويقول: كان ذلك يوم 5 أكتوبر سنة 1942 فقد اشتعلت الطائرة فجأة وتحولت كلها إلي كتلة ملتهبة وأحس بالسعير الذي اندلع حوله وأحس أن الموت يفتح له ذراعيه ، وتذكر حياته الماضية كلها وهو يستقبل الموت ثم أحس بنفسه يهوي وسط الكتل المشتعلة ثم يرتطم بالأرض، وكانت ذكريات حياته الماضية مازلت تجوس في حواسه وحين استيقظ علي فراش المستشفي كان في أعماقه شعور جديد ، يجب أن يعمل شيئا ، ماذا فعل في حياته حتي الآن؟ وأي أثر كان سيتركه وراءه لو أن النار التي أحرقت طائرته أحرقته هو أيضا!! وعاشت في جسده النار التي اشتعلت في طائرته تدفعه إلي أن يفعل شيئا..وطاف بأوروبا وأمريكا للعلاج ، وكنه لم يعالج جسده بقدر ما عالج فكره وعقله فقد راح يقرأ ويدرس ويسمع . ووضع خاتما في أصبعه ، وكان الخاتم يمثل جمجمة ترمز إلي الموت، وكان يقول: في أوقات الخطر والأزمات كنت أنظر إلي هذه الجمجمة وأقول: فيم الخوف؟ أليست تلك هي النهاية المحتومة التي لا مفر منها علي أي حال.. 5 الفصل الثاني في قصة أمير الجزيرة قامة مشدودة في كبرياء مهذبة.. وتقاسيم متناسقة لوحتها شمس رفح ومسحتها برجولة صارمة! وفي رفح التقيت به لأول مرة، وتلاقينا كأن كلا منا يعرف صاحبه من زمان طويل. قلت له في لهفة : كيف الحال هنا؟ وقال هو حزم: قل لي أنت كيف الحال في القاهرة؟ وركبنا سيارة جيب وأنطلقنا نطوف شوارع رفح ونمضي إلي قرب خط الحدود القديم بين مصر وفلسطين ، وبين الحين والآخر كان يبرز من ظلام اليل حارس يصرخ : قف من أنت ؟ وكان هو يرد في كبرياء آمرة: آمين .. آمين وطال الحديث وكان موضوعه واحدا.. هو مصر والظروف التي تجتازها.. واحتمالات المستقبل . وقال هو: اسمع أريدك أن تري شيئا كتبته . واستدار بالسيارة وأسرعنا إلي بيته. ودخل فغاب دقيقتين أو ثلاثا وأنا جالس في سيارة الجيب أنتظره تحت نجوم رفح اللامعة ، ثم عاد وفي يده دفتر صغير وقال وهو يعطيني الدفتر : اقرأ هذا. وكان الدفتر يحوي قصة كتبها هو وأسماها » أمير الجزيرة» وكانت القصة رمزية تروي حياة جزيرة عاش فيها شعب طيب مؤمن ثم تولي ملكها أمير شاب توسمت فيه الجزيرة كل الخير ورجت أن يعم علي يديه الرخاء. وكان أسلوب القصة أخاذا مليئا بالمعاني والآراء وفرغت من السطر الأخير فيها وقال: لقد كتبتها منذا ثماني سنوات وتنهد وهو يطلق أنوار السيارة القوية علي قرية رفح ثم يدور إلي اتجاه المعسكر :لقد كان الأمل يملأ صدورنا في أمير الجزيرة منذ ثماني سنوات ،ولكنه في إصرار وعناد خيب آمال كل الذين توسموا فيه الخير لن يجيء من ورائه خيرا ولن يعم رخاء وقلت وأنا أتنهد أيضا: هذا صحيح ... إن قصتك ينقصها فصل ثان فصل الفجيعة في أمير الجزيرة ودلفت السيارة داخل معسكر رفح ، وكان هو يقول في حزم وقوة: نعم القصة يلزمها فصل ثان وقلت له: يجب أن تكتبه وكانت السيارة قد وصلت إلي مبني القيادة الرئيسي وقفز هو من سيارة الجيب وهو يقول: من سوء الحظ أنه ليس عندي وقت لأكتب! وأقول اليوم: بل من حسن الحظ، لقد كانوا في تلك الأيام مشغولين بإعداد عملهم الكبير، ولقد شارك في صنع الفصل الثاني من قصة أمير الجزيرة، ووضع مع زملائه خاتمة للأميرالذي تعلقت به الآمال فإذا هو يتحول إلي طاغية شريرظالم جشع فخلصوا الجزيرة من طغيانه وشروره، لقد وضعوا الحالية العملية ولم يكتفوا بمجرد كتابتها . 6 الشهاب المندفع وسط الظلمات فيه الكتير من شهب الليل التي تعبر الظلمات قطعا مضيئة تمضي هادرة في الفضاء! إنه يتفق مع الشهب في الكثير ويفترق عنها في الكثير أيضا فيه من الشهب لمعانها ، وسرعتها ، واندفاعها ، وظهورها في الظلام والفرق بينه وبين الشهب أنها في سرعتها واندفاعها ، تفقد وجودها وتتلاشي ، أما هو فيزداد في سرعته واندفاعه قوة ! وفيه من الشهب شاعريتها وجمالها للذين يرونها في السماء المظلمة وفيه من الشهب نارها وسعيرها للأجسام التي تصطدم بها وحينما يسمعه الناس يتكلم يظنونه شابا يحلم وحينما يرونه يتصرف يقولون مجنون لا يبالي بشيء! وقد وصفه لي رئيسه السابق بأنه كفائة عسكرية منقطعة النظير ، وأنه رشحه ليكون أستاذا في كلية أركان حرب ، وهو المنصب الذي يطمح إليه كل ضابط فإذا هو يفاجأ به ويدخل عليه مكتبه ويقول له: لا أريد أن أذهب إلي كلية أركان الحرب ونظر إليه رئيسه في ذهول واستطرد هو : _ أنا أريد أن أذهب إلي فلسطين واستبدل الذهول برئيسه وهو يسأله : إلي فلسطين؟ قال: نعم وقال رئيسه : ولكن الذين في فلسطين يريدون أن يعودوا منها وقال هو : ولكني أريد أن أذهب وقال رئيسه : وذهب إلي فلسطين ولم اعرف إلا متأخرا جدا أن جزءا من الخطة التي قامت بها القوات المسلحة كان ذهابه إليها ! ولن أنسي منظره يوم قامت القوات المسلحة بخلع فاروق عن العرش باسم الشعب دخل وهو الذي ساهم مع حفنة من زملائه في خلع أطغي ملوك الأرض وأكثرهم غني حتي لتقدر ثروته بأكثر من مئتي مليون جنيه دخل يقول في بساطة لأحد زملائه: هل معك جنيه سلف لقد تذكرت الآن أنه ليس في جيبي ولا مليم وقال زميله : معي في جيبي خمسة جنيهات نتقاسمها مناصفة وتقاسما الجنيهات الخمسة ثم خرج هو وعلي شفتيه ابتسامة سعيدة مرحة ولم يلبث أن عاد بعد بضعة دقائق يقول لزميله اسمع هات جنيها وقال زميله في دهشة : لقد تقاسمنا الخمسة جنيهات منذ دقائق فماذا فعلت بنصيبك ؟ فقال ونفس الابتسامة السعيدة المرحة تطل من عينيه إن صديقنا »....» كان في حاجة إلي بعض النقود فأعطيته كل ما أعطيتني إياه وأعطاه زميله جنيها ودس الجنيه في جيبه هو الذي ساهم في خلع أطغي ملك وأغني ملك وخرج سعيدا مرحا 7 وحده في مواجهة العواصف قابلته لأول مرة وكان ثائرا هائجا وكان ذلك في شهر فبراير سنة 1949 كان ضيق الصدر بخرافة كانت مصر تصفق لها كثيرا في ذلك الوقت وكان يقول: _ أعلم أن، كل ما أقوله سيذهب صيحة في واد ولكني مصمم علي أن أقوله ووقف وحده وقاله . ثم خاض معركة صليبية وحده ضد حسين سري عامر وضد الذين يحمونه في ذلك الوقت كانت هناك عملية اتجار بالجنسية المصرية وأرسل في لجنة تحقيق وكان المفروض أن يكون التحقيق صوريا ، ولكن الذين رسموا خطة التحقيق الصوري فوجئوا به يستدعي مائتي شاهد ويستمع إليهم ويتجه في التحقيق اتجاها يضع المشانق حول رؤوسهم؟ وأرسلوا يستدعونه بكل وسيلة وبكل طريقة وأبعد عن التحقيق ولكنه لم يسكت ومرة ثانية واجه وحده عاصفة كبيرة ثم حضرته بعد ذلك .. بعد حركة القوات المسلحة يواجه وحده عاصفة كبيرة وكان مبعث العاصفة وفاؤه العاطفي قام بدور ضخم في تأمين الحركة من خطر كان يمكن أن يهدد نجاحها ، وحين تكتب قصة حركة القوات المسلحة كاملة سيكون دوره قصة مثيرة مليئة بالمخاطر والمغامرات ، والذي يسمعه يتكلم يدهش من لغته الهادئة .. إنها أشبه بخرير جدول ماء صاف رقراق ، ولكن تصرفاته كلها تقول إنه شلال مكتسح يتدفق بقوة وعنف إلي هدفه المرسوم..