انقلب السحر علي الساحر.. فبريطانيا التي اتهمت مرارا وتكرارا بأنها أس الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، وبأن أجهزة مخابراتها تقف وراء بعض التنظيمات الإرهابية بالمنطقة، سواء بالتمويل أو التدريب، وبأنها كانت وراء تأسيس جماعات إسلامية إرهابية ومتطرفة شهيرة بالمنطقة، أصبحت الآن تكتوى بنار الإرهاب الذى صنعته ورعته على مدى عقود بالعالم كله، وأصبحت العاصمة لندن أكبر المدن الأوروبية، ومدن بريطانية أخرى مثل مانشستر ثانية أكبر المدن بعد العاصمة، مرتعا وملاذا آمنا للإرهابيين سواء كانوا منتمين لتنظيمات إرهابية معروفة أو من الذئاب المنفردة التى يقوم أعضاؤها بعملياتهم الإرهابية بصورة فردية وبعيداً عن أعين أجهزة الأمن والاستخبارات البريطانية.. الأشهر فى العالم كله. بريطانيا كلها على أهبة رجل واحد هذه الأيام.. فقد أعلنت رئيسة وزرائها تريزا ماي، رفع مستوى التهديد الإرهابى فى البلاد من درجة "حاد" إلى "حرج" وهو ما يعنى أقصى درجات الاستعداد الأمنى فى حالة السلم، بالإضافة لدعم قوات الشرطة بنحو 5 آلاف فرد إضافي، ونزول الجيش لحماية المنشآت الحيوية، تحسبا لوجود مجموعات أكبر من الإرهابيين، أو حتى هؤلاء الذين لهم صلة ما بمن نفذوا هجوم مانشستر الأخير الذى راح ضحيته نحو 22 قتيلاً و60مصابا فى أكبر عملية إرهابية منذ أحداث قطارات لندن الشهيرة منذ 12عاما.. ورغم الكشف عن هوية منفذ الهجوم، وهو سلمان عبيدى "22عاماً" والمولود فى نفس المدينة، إلا أن السلطات الأمنية البريطانية، مازالت متوجسة من إرهابيين آخرين محتملين على صلة بسلمان الذى ينحدر من أبوين ليبيين، ومن تكرار مثل تلك الهجمات فى عدد من المدن الأخرى، تزامنا مع اقتراب الانتخابات البرلمانية فى 8 يونيو القادم.. كما تقول صحيفة الجارديان البريطانية.. فإن كافة الأحزاب السياسية فى البلاد، قد علقت حملاتها الانتخابية بسبب الحادث، الذى تنبأت به صفحات الدواعش على الإنترنت قبل وقوعه بنحو 4 ساعات فقط! وحسب صحيفة الديلى ميل البريطانية.. فقد كتب أنصار للتنظيم عدة تغريدات على تويتر، تؤكد وقوع هجوم ما فى مكان ما داخل بريطانيا، كما احتفلوا بعد وقوع الحادث مباشرة، ونشروا عدة رسوم لموقع الحادث وطبيعة وقوة الانفجار.. وشجع بعضهم آخرين على القيام بهجمات مماثلة فى المستقبل أو مع قرب موعد الانتخابات العامة، وتنوعت التغريدات والردود على تويتر والفيس بوك، وطالب بعضها بالثأر للهجمات الجوية التى شاركت فيها بريطانيا على مواقع فى الموصل العراقية والرقة السورية، وطالب آخرون بشن هجمات منفردة على طريقة الذئاب المنفردة على أهداف أوروبية كسلسلة متصلة لهجمات سابقة فى بلجيكا وباريس وألمانيا ولندن، وكلها أعلن تنظيم داعش مسئوليته عنها. وما حدث فى مانشستر ولندن، أعاد للأذهان حوادث سابقة كبرى عانت منها بريطانيا، بدأت فى يوليو 2005، ب4 اعتداءات متزامنة فى 3 محطات لمترو الأنفاق وداخل أوتوبيس، سقوط 56 قتيلاً وأكثر من 700 جريح وتبنى الهجوم تنظيم القاعدة.. وفى ذات الشهر جرت محاولة مماثلة داخل مترو لندن الشهير، ولم تنفجر القنابل بسبب خلل فني.. وفى العام 2007 جرت محاولة لتفجير مطار جلاسجو فى جنوب غرب استكلندا وفشلت.. وفى العامين 2013، 2015 شهدت لندن حادثتى طعن، وكان المنفذان للهجومين يعلنان بعد فشل عملياتهما بأنهما يثأران للمسلمين الذين قتلهم جنود بريطانيون فى سوريا والعراق وليبيا.. وطبقاً لأجهزة الأمن البريطانية.. كما تقول صحيفة الأوبزرفر البريطانية.. فإن الشرطة البريطانية أحبطت منذ يونيو 2013 نحو 13 هجوما إرهابيا، كان وراءها إما ذئاب منفردة بعيداً عن هيمنة أى تنظيم أو أعين أجهزة الأمن والاستخبارات، ولمجرد إيمانهم بفكرة الجهاد أو الثأر لما يحدث لإخوانهم المسلمين فى بلاد الإسلام.. أو هم بريطانيون مسلمون ذهبوا تحت شعار.. "حى على الجهاد" وبدعوات من تنظيمات على رأسها القاعدة وداعش، ثم عادوا منذ سنوات لبلدانهم الأوروبية.. ليكملوا مسيرتهم فى نصرة الإسلام والمسلمين على أهل الغرب الكفرة- على حد زعمهم- وحسب صحيفة التايمز البريطانية.. هم من عدة جنسيات منها بلجيكا وهولندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا على وجه الخصوص. والمعضلة.. أن السلطات البريطانية عاجزة عن منع الشباب والشابات من السفر للجهاد فى سوريا والعراق، رغم دعوتها للنساء سواء كن أمهات أو زوجات أو أخوات ممن لديهن أقارب يحتمل وجودهم فى هذين البلدين، إلى إبلاغ السلطات عنهم لمنعهم من السفر للقتال، ثم العودة ليكونوا وقودا للجهاد ضد السلطات والمؤسسات والمرافق العامة البريطانية. وهناك خطر بعض البريطانيين المسلمين من أصل شرق أوسطى، فى شن عدة هجمات ضد أهداف بريطانية، يمثلون جنسيات كثيرة منها العرب والأفغان والأفارقة والهنود ومن بعض بلدان جنوب شرق آسيا المسلمة.. ومعظمهم يشعرون بالتهميش فى مناطق تواجدهم ومنها لندن ومانشستر.