كي تكون إنسانا يجب أن تكون حراً، ولكي يتحقق ذلك يجب ألا تقع أسيراً لشخص أو معتقد أو أموال أو أن تدع الوقت يتحكم فيك.. فالحرية هي روح الإنسان وأنفاسه، فعليك أن تعتق نفسك إذا أردت أن تتنفس وتحيا، فالحرية لا تمنح وإنما يتم انتزاعها.. ورغم الثورة الثقافية والحضارية التي نشهدها الآن، إلا أنه مازال هناك المقهورون في الأرض ليس فقط أفرادا بل دولا بأكملها.. فهؤلاء لا يمتلكون حرية الاختيار عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأسياسية رغم الثروات التي تمتلكها بلدانهم، فأصبحوا عرضة للاستغلال سواء بالاتجار بهم أو الاستعباد بالدين. لم تكن تجارة الرق ظاهرة جديدة علي القارة السمراء، فمنذ قرون عديدة يتم ممارسة هذه التجارة عبر الصحراء الكبري إلي أوروبا والشرق الأوسط، ولكنه في السابق كان نشاطاً عارضاً غير منظم. وكان يتم جلب الأسري من الداخل بواسطة الوكلاء الأفارقة ويباعون بالشروط المتفق عليها، الرقيق مقابل الأسلحة والسلع الأساسية، حتي تحولت إلي تجارة منظمة تحكمها قواعد. وفي عام 2013 أصدرت »مؤسسة الحقوق الأسترالية» الأهلية تقريراً تحت عنوان »المؤشر العالمي للعبودية 2013»، الذي كشف عن وجود مايقرب من 30 مليون »عبد» في العالم، غالبيتهم من قارتي أفريقيا وآسيا، حيث يعانون الحرمان من الحريات والاستغلال، علي غرار الظلم والتخلف الذي كان يمارس في الماضي ضد الفقراء، الذين يستخدمون كأيد عاملة رخيصة في الحروب والزراعة والبناء ومختلف الأعمال الشاقة. ومن جديد استعرضت »إيما جراهام هاريسون» في تحقيق لها بصحيفة »الجارديان» البريطانية، الأوضاع المأساوية التي يواجهها المهاجرون الأفارقة الهاربون من جحيم الفقر في بلدانهم. من خلال سرد قصص لبعض الأشخاص من الآلاف الذين سافروا إلي ليبيا بحثاً عن عمل وأملاً في الإبحار والوصول إلي أوروبا، ومنهم النيجري »محمد يوسف»، 24 عاماً، الذي ترك وطنه للعمل في ليبيا إلا أنه تورط في عدة جرائم. وبعد ستة أشهر من بيع محمد وتعذيبه وإرغامه علي مشاهدة صديقه يموت أمام عينيه، وجد نفسه مرة أخري في إحدي الحافلات التي أتي بها إلي الأراضي الليبية ليعود إلي نقطة البداية، ليواجه الشخص الذي جعل منه عبداً. كان المُهرِب ما يزال يعمل بلا تردد أو خجل علي تهريب المهاجرين القادمين إلي منطقة »أجاديز» الواحة التي تقع وسط النيجر، والتي ظلت لقرون مركزاً تجارياً وبوابة لتهريب البشر عبر الصحراء. قال له يوسف »مات صديقي في ليبيا بسببك»، وعندما طلب منه بعض الطعام، رفض الرجل وقال: »آسف، كان الله في عونك». ووفقاً لإحصائيات بعثات الإنقاذ، فهناك محاولات يائسة لعشرات الآلاف كل عام في العبور نحو أوروبا عبر سفن مكتظة وغير صالحة للإبحار، وقد جرت محاولات مستميتة لإنقاذ الآلاف منهم بعد غرق مراكبهم. وفي الأسبوع الماضي، لقي ما لا يقل عن 245 شخصاً مصرعهم بسبب تحطم السفن، ليصل عدد الضحايا لهذا العام إلي 1300 شخص. وخلال العام الماضي، وصل أكثر من 180 ألف لاجئ إلي إيطاليا، الغالبية العظمي منهم عن طريق ليبيا، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة. ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلي 200 ألف شخص هذا العام، وهؤلاء الأشخاص يشكلون مصدراً مربحاً لدخل الميليشيات والمافيا التي تسيطر علي طرق ليبيا وشبكات الاتجار بهم. وقد كشف المهاجرون الذين تمكنوا من الوصول إلي أوروبا عقب مغادرتهم السواحل الليبية بأنهم تعرضوا إلي الخطف والتعذيب من قبل المهربين لابتزازهم وأخذ أموالهم. ولكن في السنوات الأخيرة، تطورت هذه الجرائم حتي وصلت إلي تجارة الرقيق، التي اجتاحت عشرات الآلاف من الأرواح. ويعمل تجار الرقيق علي الإفلات من العقاب، وفقاً لتصريحات الناجين؛ حيث إن بعض الضحايا يباعون في الأسواق العامة وبمزاد علني. وهذا ما أكده الشاب الكاميروني »شمس الدين جبريل»، الذي قال إنهم كانوا يجمعون الناس في الشارع ويضعون لافتة كتب عليها للبيع. وأضاف أنه شهد هذا الموضوع أكثر من مرة في شوارع مدينة »سبها»، مسقط رأس الرئيس الراحل معمر القذافي. وتقول إيما نقلاً عن مهاجر آخر، إنه كان يقام مزاد لبيعهم في جراج مهجور للسيارات يقع علي أطراف المدينة، بعد وصولهم من »أجاديز»، التي تعد قبلة مواطني غرب أفريقيا، التي يمكنهم دخولها بدون وثائق؛ إذ إنها جزء من المجتمع الاقتصادي لدول غرب القارة، الذي يسمح بالسفر دون تأشيرة لمواطني تلك المنطقة. وقد أدي ذلك إلي وقوع الكثيرين بين أيدي المهربين، الذين ورطوا الضحايا في تجارة الرق. ووفقاً لجبريل، تبدأ المشكلة من هنا. إذ إنه يجري بيع الضحايا حتي لو سددوا ثمن رحلتهم. كما يجري إقناع آخرين، مثل يوسف، بإمكانية سداد ثمن العبور نحو أوروبا عبر العمل في ليبيا. وما إن يصلوا حتي يجري عرضهم للبيع. أما »أداما إيسامواه» فحذره أصدقاؤه من أهوال رحلة ليبيا، لكنه ظن أنه ذاهب إلي الجزائر. قال أداما إنه كان علي علم بأنهم سيمرون عبر صحراء، لكنه كان يجهل شكلها. وبعد أربعة أيام، قالوا لنا مرحباً بكم في ليبيا. وأصابته صدمة، حينما أدرك أن الوسيط باعه. فيما يروي أحد المهربين وتجار الرق، يتخذ لنفسه اسم »أباهي»، أن ما يفعله ليس تجارة في البشر. ويبدي أباهي قلقه علي من يقوم بنقلهم، إذ يقول إن ما يحدث أمر محزن، فمن ينقلهم سيتهمونه أنه السبب في معاناتهم.. ولكن ليس هناك أي شيء عليه فعله، فهذا حال ليبيا والمناطق التي تحكمها الميليشيات، بحسب تصريحاته لإيما. ويضيف أباهي أنه يحمل في سيارته مزيجاً من المسافرين والبضاعة. فالذي لا يدفع منهم مقابل نقله، يجري بيعه مقابل 400 يورو في سبها. ويوضح التحقيق أن ما يحدث هو تجارة غير مشروعة في بلد غير قانوني، لا يوجد نموذج واحد للرق الذي يمارس في ليبيا الحديثة، ولكن أشكال متغيرة لهذه التجارة والأعمال كلها تشير إلي بؤس واستغلال الضحايا والتي وصلت إلي الإتجار بالنساء مقابل 2000 يورو. ويقول جبريل إن بعض المهربين كانوا يعاملون المهاجرين بشكل وحشي، إذ كانوا يقومون بقطع أصابع بعضهم، أو كيهم بالحديد الساخن. أما سعداء الحظ، فكانوا يأتون بهم بوصفهم عمالاً. والغريب في الأمر هو أن بعض المشترين أفارقة، مثل »توكور النيجيري»، حيث يقول يوسف إنه اشتراه هو واثنين آخرين. وقال المهرب أباهي إنه تعامل مع توكور أكثر من مرة، لكنه أكد أن مصير من يجري بيعهم ليس من شأنه، فكل ما يهتم به هو المال. ويتخذ توكور سبها مقراً له ويرافقه حارسان قويان ينفذان أوامره بكل عنف. وتختلف مصائر الرجال وفقاً لمهارتهم ومن يشترونهم ويبيعونهم، بحسب أسري سابقين ينتظرون العودة إلي ديارهم في مركز تديره المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة. حيث يقدم المركز تذاكر مجانية والمساعدة الطبية الأساسية لأولئك الذين في طريقهم من وإلي ليبيا والذين يريدون العودة إلي ديارهم، ويحاول تحذير المهاجرين من مخاطر الرحلة. وقد جاءوا هؤلاء من بلدان عبر غرب أفريقيا، بما في ذلك السنغال وغينيا بيساو وغامبيا وليبيريا ونيجيريا. فيما صرح »جوزيب لوبريت»، مدير وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في ليبيا، لصحيفة »الأوبزرفر» البريطانية بأن الأوضاع تزداد سوءاً، والأمر يحتاج إلي اهتمام شديد. لا يمكن قبول هذا العنف ضد كل من يحلم بحياة أفضل.