من خلال متابعة مؤشرات أداء الاقتصاد المصري خلال الفترة الماضية يؤكد أحدث تقارير الجهات المهمة أن معظم القطاعات الرئيسية الدافعة للنمو قد تأثر ناتجها سلبا خلال الشهور الماضية وبصفة خاصة قطاعات السياحة والصناعة التحويلية والتشييد، وتراوحت معدلات تراجع النتائج لهذه القطاعات مابين 8٪ و 12٪.. وهذا تأثرا باستمرار الاحتجاجات والاعتصامات والمطالبات وغيرها من الممارسات التي تعرقل عودة دوران عجلة الإنتاج بكامل طاقتها. ويشير أحدث تقرير صادر عن البنك المركزي المصري إلي انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 4.2٪ في الربع الثالث من عام 2011/2010 مقارنة بحجم الناتج في الربع المماثل من العام الماضي، مسجلا أول معدل نمو سنوي سالب في النشاط الاقتصادي منذ إتاحة بيانات الناتج ربع السنوية عام 2002/2001. ورغم توقع تحقق انخفاض ملحوظ في النشاط الاقتصادي في بداية أحداث الثورة، إلا أن حجم الانخفاض الفعلي جاء أكبر مما كان متوقعا، وذلك علي خلفية الانخفاض الملحوظ في قطاعات السياحة والصناعة والتشييد، فقد شهدت الاستثمارات تراجعا بنحو 26٪ خلال الربع المنتهي في مارس 2011 مقارنة بحجم الاستثمارات خلال الربع المماثل من العام الماضي. ويؤكد التقرير أنه من الممكن أن تؤثر المتغيرات السياسية الحالية علي قرارات الاستهلاك والاستثمار، ومالذلك من انعكاس سلبي علي القطاعات الأساسية في الاقتصاد المحلي، وفضلا عن ذلك فإن حالة من الترقب بشأن مدي إمكانية التعافي الاقتصادي عالميا قد تزايدت في الأسابيع الماضية، علي خلفية التطورات في التحديات المالية التي تواجه بعض دول منطقة اليورو. ويشير تقرير آخر مهم لوزارة التخطيط، لمتابعة الأداء الاقتصادي والاجتماعي خلال الربع الثالث الفترة يوليو/ مارس من العام المالي 2011/2010 إلي تراجع غالبية الأنشطة الاقتصادية، حيث تراجع القطاع السياحي بنسبة 33٪ والصناعة التحويلية بنسبة 12٪ وقطاع النقل والتخزين بنسبة 10٪. كما يشير التقرير إلي أن التطورات غير المواتية أسفرت عن تحول الميزان الكلي من فائض بلغ نصف مليار دولار في الربع الثالث من العام الماضي إلي عجز كبير تجاوز 6 مليارات دولار في الربع الثالث من عام المتابعة، مما تمخض بدوره عن تناقص مطرد في صافي الاحتياطيات الدولية من النقد. مشكلة السيولة ويشخص الدكتور حازم الببلاوي نائب رئيس الوزراء ووزير المالية المرحلة الحالية أنها مرحلة دقيقة، فنحن أمام مشكلة صعبة وهي مشكلة السيولة، فالعديد من المشروعات تحتاج إلي سيولة، فالاقتصاد المصري يعاني من عجز مزمن في الميزانية، وهذا العجز ليس مسألة سهلة ومواجهته وعلاجه يحتاج إلي تكاتف بين المؤسسات المختلفة في الدولة، وبين الحكومة والناس.. فما يشغلني هو عجز الموازنة والذي يمكن توفير التمويل بالاقتراض، ولكن من يدفع الثمن المتمثل في التضخم الذي يضر الفقير قبل الغني؟. ويري الدكتور حازم الببلاوي أنه لابد من إدارة الموارد المتوافرة باستغلالها بشكل أمثل وليس هناك من سبيل إلا زيادة الإنتاج والإنتاجية، وهذا من خلال استغلال الطاقات البشرية، واستخدام التكنولوجيا. وقال الدكتور الببلاوي إن الحكومة ووزارة المالية يهدفان إلي تنشيط السوق، فقد قامت وزارة المالية بتحويل مليار و267 مليون جنيه للهيئة القومية والجهاز التنفيذي لمياه الشرب والصرف الصحي وذلك لدفع جزء كبير من مستحقات شركات المقاولات والموردين لدي الهيئة. أولوية للاستثمارات وحول تأثر الإنتاج نتيجة للأحداث المصاحبة للثورة وكيفية دوران عجلة الإنتاج مجددا يري إسماعيل حسن محافظ البنك المركزي السابق ورئيس بنك مصر/إيران أن الإنتاج تأثر بالطبع بخروج أو تريث بعض المستثمرين الأجانب ولا لوم عليهم فالبلد في حالة ثورة.. والهدف في المرحلة الحالية والقادمة أن يحل المستثمر المصري مكان المستثمرين الذين خرجوا أو تريثوا.. وهذا بأن تبادر الحكومة بتوجيه استثمارها نحو القطاع الزراعي وهذا يخفف العبء علي ميزان المدفوعات، وبدلا من أن أدعم الفلاح في الخارج، أدعم الفلاح المصري.. أيضا هناك دور مهم للبنوك في توجيه السيولة لديها لإقامة مشروعات.. هذه المشروعات الإنتاجية الجديدة تزيد النمو وتخلق فرص عمل جديدة وتحقق عائدا أكبر من عمليات التوظيف المالية في أذون الخزانة أو غيرها.. البنوك تقوم بتأدية الوظيفة التي يجب أن تؤديها الأموال في المجتمع وهي الاستثمار والتنمية. ويقول أسامة صالح رئيس هيئة الاستثمار، إن الاستثمار في مصر تأثر بالأحداث المصاحبة لثورة 25 يناير وخاصة خلال شهري فبراير ومارس، إلا أنه علي الرغم من بعض الخسائر الاقتصادية التي تعرض لها الاقتصاد المصري عقب ثورة 25 يناير في عدد من القطاعات إلا أن الاقتصاد المصري بما يملكه من إمكانات وقدرات وفرص استثمارية لديه القدرة علي تجاوز هذه الخسائر والتعافي منها سريعا. خاصة في ظل حرص الحكومة علي مواصلة الإصلاحات الاقتصادية الشاملة، وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار.. فالعالم ينظر إلي مصر بشكل إيجابي وينتظر استكمال الاستقرار الأمني في الشارع.. وأعتقد أن كثيرا من دول العالم والمستثمرين لديهم رغبة للاستثمار في مصر، وخاصة بعدما حدث من تغيير وأصبح هناك توقع لشفافية أكبر في التعاملات.