محمود وعبد الرحمن، شابان كغيرهما، الحياة تدب في عروقهما، خرج الأول مع خطيبته لمشاهدة مباراة مصر، بأحد الكافيهات، فعاد لأهله جثة هامدة، بسبب خطأ وارد في فاتورة الحساب، أما الثاني فقد مات بعد أن تشاجر مع عمال مطعم بسبب ركن سيارته. الشابان نماذج مُكررة لحالات أخري كثيرة تحدث يوميًا، لا يسمع عنها أحد شيئًا، تكون نتيجتها إزهاق أرواح شابة لأسباب تافهة. لو حكَّم أي من الشابين عقله، ومنح نفسه وقتًا لكظم غيظه، ما قُتل في لحظة، ولو أن العمال أدركوا أن نهايتهما ستكون الإعدام لمجرد تسرعهما في الشجار لما حدثت المأساة. عبد الله بن الزبير، كانت له مزرعة مجاورة لمزرعة يملكها معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنهما، وكانا علي خلاف شديد، وذات يوم دخل عمّال مزرعة معاوية إلي مزرعة ابن الزبير، فغضب بشدة، وكتب لمعاوية قائلًا: "إلي ابن هند آكلة الأكباد، عمالك دخلوا مزرعتي فأمرهم بالخروج، وإلا سيكون لي معك شأن آخر"، وصلت الرسالة لمعاوية، فسأل ابنه: "ما رأيك؟"، فقال له: "أرسل له جيشًا أوله عنده وآخره عندك يأتيك برأسه"، فقال له معاوية: "بل خيرٌ من ذلك"، وكتب رسالة إلي ابن الزبير، قال فيها: "إلي ابن أسماء ذات النطاقين، والله لو كانت الدنيا بيني وبينك لسلّمتها إليك، ولو كانت مزرعتي من المدينة إلي دمشق لدفعتها إليك، فإذا وصلك كتابي هذا فخُذ مزرعتي إلي مزرعتك وعمّالي إلي عمّالك، فإن جنّة الله عرضها السموات والأرض". قرأ ابن الزبير الرسالة، فبكي حتي بلّ لحيته بالدموع، وسافر إلي معاوية في دمشق وقبّل رأسه، وقال له: "لم أجد علي الأرض أحلم منك، فسامحني". أنت تستطيع امتلاك القلوب بحسن تعاملك، مهما أساء إليك البعض، لا تظن أنك ضعيف، فستظل طيبتك هي ما يُجملك، ويكفي أنك تعطي ولا تنتظر رد الجميل، ليرتاح قلبك بجميل عطائك وطيبتك.