«تحيا مصر» هتاف تسمعه كثيرا الآن، كلما استخدمت الدولة عصاها الغليظة لإعادة الهيبة للشارع، فالجميع فاض به الكيل من الفوضى التى حدثت على مدى الثلاث سنوات ونصف التى تلت ثورة يناير، بناء مخالف، تعديات على حرمة الشوارع وأراضى الدولة، بلطجة، تحرش، انتهاكات فى كل المجالات، العشوائية تحولت إلى أسلوب حياة فى غياب الأمن وتنفيذ القانون. الشعب يريد رئيس قوى يعيد للدولة هيبتها ويفرض النظام واحترام القانون ويرجع الأمن للشارع ومعه عجلة التنمية، ولقد وجد الشعب فى السيسى بطله الذى يستطيع أن يحول الحلم إلى واقع، فهو الرجل العسكرى المنضبط، ولكنه أيضا الأب الحنون الذى يحب شعبه وتفيض عينه بالدمع رحمة به. خطاب السيسى للشعب غير دقيق، فهو يتحدث للشعب المصرى وكأنه على قلب رجل واحد، ولكن الحقيقة، أنه طوائف متعددة لكل منها فكره ورؤيته، ويعود ذلك فى الأساس لخلل المنظومة التعليمية ونسب الأمية المرتفعة وكذلك تجوار الثقافات، فهناك من يجعل ثقافة وفكر السلف الصالح قدوته فى حياته، وهناك من ينظر للثقافة الغربية باعتبارها صاحبة القيم الصالحة للعصر، وهناك من يشعر بالغربة بين الاثنين، فى مصر الثقافات تتجاور ولا تتحاور، كله موجود وكله غائب رغم الحضور. الوقت مبكر للحكم على سياسة السيسى الداخلية ومدى حكمته فى إدارة شؤون البلاد، ولكن هناك بعض الشواهد التى ربما تجعلنى اعتقد أنه يعتمد على القوة فى حل المشاكل لأن نتيجتها أسرع، وهو ما ظهر فى التعامل مع الباعة الجائلين، ورفع الإشغالات عن الطريق، والتى ضج منها الناس طويلا، ولكن هؤلاء الباعة هم أيضا ضحايا ظروف اقتصادية طاحنة، وكان يجب على البلد قبل أن يستخدم القوة أن يقدم البدائل حتى يقضى على المرض وليس العرض، ويعمل على تأهيل هذه الفئات ليكونوا منتجين. السيسى استلم الحكم بعد فترة طويلة من الاستقطاب والخلاف فى المجتمع، وهو بهذا يذكرنى بالسنوات الأولى من حكم معاوية بن أبى سفيان الذى حكم بعد فتنة كبرى فرقت المسلمين الأوائل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وافترق الناس إلى فريقين، فريق يرى الحق فى صف على رضى الله عنه، وآخر بايع معاوية وخوارج لم يرضوا عن هذا ولاذاك، ولكن معاوية كان شديد الحكمة والحلم وتروى عنه هذه القصة، كان لعبد الله بن الزبير مزرعة في المدينة مجاورة لمزرعة يملكها معاوية بن أبي سفيان خليفة المسلمين في دمشق، وفي ذات يوم دخل عمّال مزرعة معاوية إلى مزرعة ابن الزبير، وقد تكرر منهم ذلك في أيام سابقة، فغضب ابن الزبير وكتب لمعاوية في دمشق، وقد كان بينهما عداوة قائلاً في كتابه: من عبدالله ابن الزبير إلى معاوية ابن هند آكلة الأكباد أمّا بعد .. فإنّ عمالك دخلوا إلى مزرعتي فمرهم بالخروج منها أو فوالذي لا إله إلا هو ليكوننّ لي معك شأن. فوصلت الرسالة لمعاوية وكان ابنه يزيد بصحبته فسأله: ما رأيك في ابن الزبير أرسل لي يهددني؟ فقال له ابنه يزيد أرسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتيك برأسه فقال معاوية بل خيرٌ من ذلك زكاةً وأقربَ رُحماً. فكتب رسالة إلى عبدالله بن الزبير يقول فيها: من معاوية بن أبي سفيان إلى عبدالله بن الزبير ابن أسماء ذات النطاقين أما بعد.. فوالله لو كانت الدنيا بيني وبينك لسلّمتها إليك ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لدفعتها إليك، فإذا وصلك كتابي هذا فخذ مزرعتي إلى مزرعتك وعمّالي إلى عمّالك فإن جنّة الله عرضها السموات والأرض. فلمّا قرأ ابن الزبير الرسالة بكى حتى بلّ لحيته بالدموع وسافر إلى معاوية في دمشق، وقبّل رأسه وقال له لا أعدمك الله حُلماً أحلّك في قريش هذا المحل. معاوية كان يملك قوة الردع ولكنه فضل أن لا تنقطع أبدا الشعرة التى بينه وبين رعيته، وأن يوصل ويرمم ما أنهكته الخلافات لا أن يزيد حدتها، ولم يتأثر برأى أحد كان يجد فيما يفعله ضعفا. الرئيس السيسى ابن بار للمؤسسسة العسكرية، وتلك المؤسسة تدربت على القتال، ولغة القوة هى اللغة التى يعرفها أبناؤها وهى ميزة كبرى فى ميدان القتال، ولكن شوارع مصر ليست ميادين قتال، ولن ينجح من يحاول السيطرة عليها بالقوة وحدها، ولكن يجب أن تسبق القوة حكمة وتدبر وعدم تسرع، حتى لا تأخذنا العزة بالإثم، وتحضرنى هنا قصة تروى عن هارون الرشيد الخليفة المنعم المرفه، وهى أن يهوديا كانت له حاجة عنده، فظل يتردد على بابه سنة، فلم يقض حاجته، فوقف يوما على الباب، فلما خرج هارون سعى إليه حتى وقف بين يديه وقال: اتق الله يا أمير المؤمنين! فنزل هارون عن دابته وخر ساجدا، فلما رفع رأسه أمر بحاجته فقضيت، فلما رجع قيل له: يا أمير المؤمنين، نزلت عن دابتك لقول يهودي! قال: لا، ولكن تذكرت قول الله تعالى: «وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد». ما تفعله الشرطة من إزالة إشغالات ومخالفات تشكر عليه، فهى تنفذ التعليمات وهى ذراع السلطة القوية، ولا يمكن لأحد أن يلومها على أنها تطبق الأوامر حرفيا فهذا مادربت عليه، ولكن أعيب على حكومة التى أمرت بذلك فى ظل ظروف اقتصادية صعبة يعانى منها غالبية المصريين، دون إيجاد بديل، وأطلب من الرئيس أن لا يستهل حكمه باستخدام القوة كحل يفرض به القانون، وأن يبدأ الإصلاح من فوق، وليس من أسفل السلم الاجتماعى، وليبدأ تطبيق القانون على سارق الملايين وليس سارق الملاليم. أملنا كبير فيك ياريس، أملنا أن تعيد ميزان العدل الذى اختل فى مصر على مدى عقود .... أعدل يا ريس. شعبك طيب وبيحبك ... فاتق الله فيه تفوز بالمجد فى الدنيا، وبثواب عظيم عند الله فى الآخرة . [email protected]