يعيش المصريون علي العديد من الأوهام والأساطير التي ما هي إلا خرافات يتناقلونها من جيل لآخر ويتوارثونها حتي أنهم يحفظونها عن ظهر قلب لتصبح جزءا من ممارساتهم اليومية ولا فرق في ذلك بين متعلم وجاهل، ويعد الريف في محافظات الوجهين القبلي هو مركز هذه القناعات الوهمية إضافة إلي توطن الكثير من الدجالين والمشعوذين هناك. التحقيق التالي يرصد أشهر الخرافات التي تسيطر علي عقول المصريين. وبحسب دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية، فإن هناك أكثر من 300 خرافة تسيطر علي عقول المصريين كما ينفقون حوالي 10 مليارات جنيه سنويا لفك الأعمال وقراءة الغيب ولم تقتصر الدراسة علي البسطاء فقط بل أكدت أن 38% من المشاهير والمثقفين زبائن لكبار السحرة والدجالين بل ويقتنعون بتنبؤاتهم ويسيرون وراءها . ولاشك أن القنوات الفضائية ساهمت في نشر تلك الخرافات فظهرت قنوات لاهمَّ لها سوي استضافة دجالين ومشعوذين أطلقوا علي أنفسهم لقب عالم روحاني وادعوا قدرتهم علي جلب الحبيب وفك الأعمال السفلية من خلال أعمال الزار ولاتتوقف قدرتهم عند هذا الحد فقط بل يقومون بقراءة الغيب والكف والفنجان لتحديد نظرة عامة علي المستقبل الذي هو بيد الله وحده ويتميز هؤلاء الدجالون بلباقة عالية وثقافة منقطعة النظير ليستطيعوا جذب زبائنهم الذين أغلبهم من صفوة المجتمعات العربية. أما دجالو الصعيد والمناطق العشوائية فأغلبهم يعالجون حالات العقم والربط الجنسي» بين الأزواج ولايختلف علي خطورته أهل القري والمدن وغالبا مايصف لهم الدجال مجموعة من الأحجبة باهظة الثمن ورقية خاصة كذلك استمالة قلب الحبيب والتأثير عليه ومن أهم الخرافات الشعبية الباقية علي مر الزمان: الخرافات التي تدور حول النفاس والولادة فيؤمن المصريون كثيرًا بأن رؤية المرأة النفساء للحوم النيئة، ورؤية الزوج بعد حلق ذقنه، يسبب منع الحمل مرة أخري، كما يُعرض الأطفال للحسد والمرض كذلك »المشاهرة» وهي دخول المرأة الحائض علي النفساء فان ذلك يمنع حملها مرة أخري، أما من تقص شعرها فتعمل علي منع نزول اللبن للرضيع وأن تغتسل النفساء هي ومولودها في اليوم السابع للولادة بعدما تضع خرزات زرقاء في الماء ثم تغتسل به، وتعرف بخرزات »الكبسة»، بحجة أن ذلك سيساعد في حملها مرة ثانية بسرعة وحتي لا يتعرض مولودها للحسد فيمرض أو يقل وزنه عن الطبيعي. كذلك هناك خرافات تتعلق بالحسد و»رفة العين» ما هي إلا إنذار بحدوث شيء ما، فالعين اليمني تدل علي بشارة سعيدة، بينما العين اليسري تشير إلي احتمالية حدوث مصيبة أو شيء سيئ، إلا أن العلم حديثًا أثبت أن »رفة العين» لا علاقة لها بما يعتقده المصريون، وما هي إلا اهتزازات لا إرادية تسببها التهابات العين أو قلة النوم والإرهاق. يخشي بعض الأشخاص من الكنس ليلًا، حيث يعتقدون أن الكنس ليلًا يزعج الملائكة، وبالتالي فإن الملائكة تنزعج وترحل، الأمر الذي يترتب عليه قلة الرزق وضيق المعيشة وظهور المشاكل في حياة أصحاب المنزل، كما يري بعض الناس أن »الشبشب المقلوب» يمنع دخول الملائكة إلي البيت، نظرًا لأن الجزء المتسخ يكون مقابل للسماء وفتح وغلق المقص كثيرا يعمل علي جلب الحظ السيئ ولم تقتصر الحرافات عند هذا الحد، فالحيوانات لها نصيب كبير منها فرؤية طائر »البوم» و»نعيق الغراب» يمثلان تنبؤا بكارثة في طريقها لأهل البيت كذلك القطط السوداء ما هي إلا تجسيد للأرواح الشريرة، بينما يري البعض الآخر أن القطط السوداء تجسيد لشخصية الشيطان في الأرض. أما أشهر الدجالين الذين ظهروا بالفترة الأخيرة واستوطنوا عقول الكثيرين فأغلبهم تم القبض عليه بتهمة ممارسة الجنس مع الضحايا أو النصب عليهم فأهمهم الشيخة خديجة المغربية والمعروفة بالشيخة »أم داوود» والتي انتشرت بقوة علي صفحات الفيس بوك لقدرتها علي جلب الحبيب ورد المطلقة خلال أربع وعشرين ساعة فقط وعلاج العين والحسد باستخدام القرآن والشيخ محمد حسن الكتاتني المغربي وله نفس قدرة الشيخة خديجة بل ويعملان جنبا إلي جنب، وهناك »سمحة»أشهر دجالة بالشرقية وقد ذاع صيتها منذ عدة سنوات بعد أن روج مريدوها قدرتها علي فك الأعمال السفلية وتزويج العانس وحل النزاعات الثأرية عن طريق السحر بمقابل مادي زهيد وقد ورثت تلك المهنة من والدتها التي تم القبض عليها لنصبها علي السيدات وادعائها قدرتها علي علاج العقم ولكن بالرغم من ذلك فإن ابنتها ورثت المهنة وتفوقت علي والدتها ولم تتأثر مكانتها عند الناس بل أقبل علي العلاج عندها العشرات والعشرات من القري المجاورة والمحافظات أيضا وتستخدم عدة أحجبة مكتوب عليها عبارات مبهمة إضافة إلي »القطر» الذي هو عبارة عن الملابس الداخلية للرجال والسيدات بغرض تمكين الزوجة من زوجها حتي يصبح ك»الخاتم في إصبعها» والعكس وعن التسعيرة التي وضعتها تزويج العانس مقابل 500 جنيه، وفك المربوط ليلة الدخلة ب 1000، وتمكين الزوجة من زوجها ب700 جنيه، وترشد عن الكنوز الأثرية أسفل المنازل مقابل 5 آلاف جنيه، في حين ترتفع تكاليف البحث عن الوظيفة بحسب أهميتها، فقد يصل السعر إلي 10 آلاف جنيه،وقد استطاعت جني ثروة مالية ضخمة مكنتها من شراء عدة شقق بمدينتي الشروق والسادس من أكتوبر. أما بالقليوبية وتحديدا بقريتي كفر شكر والباسوس فقد استطاع »أحمد» السباك الذي ضاقت به الأحوال فلم يجد سوي السحر والشعوذة ليعمل بها وكوسيلة لجمع المال فاستغل حفظه للقرآن الكريم وروج لقدرته علي فك الأعمال السفلية والشعوذة ونجح في تجنيد شقيقته »سمية» لمساندته في استقطاب زبائنه وأغلبهم سيدات ومما زاد إيمان الناس به الطقوس الغريبة التي كان يتبعها في خدعه من خلال قراءة التعاويذ ورائحة البخور ودخانه، وما أن يقتنع الزبون به حتي يبدأ في الشعور بالتحسن فأغلبهم مرضي نفسيون لايحتاجون سوي جلسات فضفضة وقد وضع تسعيرة لاتختلف عن تسعيرة »الشيخة سمحة» الغريب أن له مريدين وزبائن من كافة أنحاء الوطن العربي وأغلبهم من السودان والأردن وتضخمت ثروته حتي أنه امتلك مكتبا للاستيراد والتصدير. وحول رأي علم الاجتماع في تلك الخرافات يقول الدكتور أحمد سمحان - أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق- :لا شك أن الأزمات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع تجعل الفرد ينساق وراء هؤلاء النصابين والدجالين الذين يوهمونه بقدرتهم علي علاجه من الأمراض النفسية التي يعاني منها وإرجاعها لعمل أو سحر سلط عليه وغالبا مايكون لديه شغف ورغبة في معرفة علم الغيبيات والاطمئنان أما الدجال فيكون شخصا يتميز بذكاء فائق وقدرة علي الاقناع ويصطاد فريسته بعد دراسة لأحوالها . ويضيف سمحان: وقد ساهم الإعلام في ترسيخ ظاهرة الدجل والشعوذة قد تخلت الوسائل الإعلامية عن دورها الحقيقي في التثقيف والتنوير ولجأت لإذاعة عدد من برامج »الدجل والشعوذة» التي تجذب قطاعا عريضًا من المشاهدين؛وبثّ الوهم في صدور المواطنين بالقدرة الفائقة علي طرد الأرواح الشريرة والجانّ من الجسد وتيسير حالات الزواج وعودة المطلقة . ويتفق معه في الرأي الدكتورة روحية حسني - أستاذة علم النفس- فتقول: من أهم أسباب رواج ظاهرتي الدجل والتنجيم والاستعانة بأصحابها لمعرفة المستقبل أو حل بعض المشكلات يعود إلي نقص الثقافة الدينية والعلمية الصحيحة والهرب من الواقع الأليم والتأثر برواسب المعتقدات القديمة، وتقليل شأن العقل والحس والتجربة، مشيرًة إلي الفراغ النفسي عند البعض والعادة في الإيمان والاعتقاد بأشياء ليست حقيقية سبب الهوس بالسحرة والمنجمين. وعن علاج تلك الخرافات، تقول حسني: »محاربة الخرافات تستهدف إزالة الرواسب الفكرية والانفعالية الزائفة، التي تكونت في مواقف تاريخية ماضية وتعمل علي تعطيل النمو العقلي للجماعة» . وعن رأي الدين يقول الدكتورعلي أبو الحسن رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر إن أسباب تفاقم ظاهرة الدجل والشعوذة تعود إلي البعد عن الدين وتراجع المؤسسات الثقافية والاجتماعية والتعليمية عن دورها الحقيقي في المجتمع وترسيخ مفهوم التوكل عند أفراد المجتمع ككل، بالإضافة إلي تسابق المجتمع بصورة غريبة إلي استيراد الأفكار الغريبة المتنافرة مع المعتقدات الدينية.. ويضيف: وقد أمرنا الرسول صلي الله عليه وسلم بعدم تصديق تلك الفئة فقال »من أتي كاهنا أو عرافا وصدقه فقد كفر»، وفي رواية أخري ف»كأنه زني في أمه سبعين مرة»، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، ولم يثبت أن أحدا من الصحابة لجأ لمشعوذ، فالضار والنافع هو الله.