في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار الأثاث المنزلي، نتيجة غلاء الأخشاب، لم تجد المهندسة الشابة نهال جمال أحمد، سوي ابتكار خامة جديدة من مخلفات الأشجار، باسم »الخشب البلاستيكي» وهي خامة مستخدمة في بعض دول العالم، لكن نهال قامت بتطويرها وإخضاعها لمعالجة بتقنية معينة، تجلعها شديدة القوة والمتانة، تصلح لصنع الأثاث المنزلي وديكورات السينما التي تكلف المنتجين أموالاً طائلة تذهب سدي بعد انتهاء تصوير العمل الفني. لا يواجه الشباب المقبل علي الزواج أزمة الحصول علي شقة فقط، بل إن تأثيث الشقة يحتاج الآن إلي رصد ميزانية كبيرة، في وقت تعاني فيه البلاد أزمة اقتصادية طاحنة انعكست علي معيشة المصريين، ومعدلات إنفاقهم وفق أولويات محددة، إلا أن مهندسة الديكور نهال جمال وجدت حلاً جذرياً لهذه المشكلة التي تواجه ملايين الشباب الحالم بتكوين بيت وأسرة، كما أنها تؤكد أن فكرتها الجديدة يمكن الاعتماد عليها أيضاً في بناء بيوت صغيرة للشباب بخامة أكثر قوة ومتانة وأقل سعراً. نهال حصلت علي درجة الماجستير في كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان عن موضوع يحمل عنوان »الخامات المستحدثة داخل الديكور السينمائي»، وبدأت رحلتها مع ابتكار خامات جديدة تصلح للديكور السينمائي والأثاث المنزلي والمكتبي وحققت نتائج مبهرة في هذا الصدد. تقول نهال ل»آخرساعة»: اعتمدت علي إعادة تدوير مخلفات الأشجار البلدية مثل شجر النبق وبعض الأشجار الموجودة علي ضفاف الترع وفي المناطق الريفية، ففي ريف مصر قديماً كان هناك إنتاج للأثاث من هذه الأشجار، لكن للأسف لم يعد ذلك موجوداً الآن، مع انتشار استيراد أخشاب مثل الأرو والزان. وبحسب المهندسة الشابة فإنها تستخدم مخلفات هذه الأشجار البلدية وتضيف إليها مواد أخري مثل البلاستيك، وتقوم بصبها في قالب من الفايبر جلاس أو الحديد لإنتاج لوح خشبي بمواصفات خاصة مقاوم للمياه والنيران، كما أن وزنه أخف من الخشب العادي، وعازل للصوت، ومن السهل تثبيت مسامير فيه، والأهم أنه يمكن استخدامه كبديل للطوب، في حالة إضافة نسبة من الرمال والحصي ليصبح قالب الطوب المبتكر أكثر صلابة، كما أنه مقاوم للعوامل الجوية، علي خلاف الخشب الطبيعي، خاصة في المناطق الساحلية أو المطلة مباشرة علي البحر التي تتأثر فيها المباني بسبب عنصر اليود الذي يؤدي إلي تآكل الأبنية. تتابع: قمنا بتطبيق الفكرة في وحدات العرض التي يتم استخدامها في المعارض، بدلاً من الأدوات المصنوعة من خامة الخشب التقليدي أو الألومنيوم، وستكون الوحدة مكونة بالكامل من هذه الخامة، بطريقة الفك والتركيب »نظام التعشيق» وبعد انتهاء الفعالية يمكن إعادة المواد إلي المصنع لإعادة تدويرها واستخدامها في أغراض أخري. وتؤكد نهال أن دخول هذا المنتج الجديد في أعمال الديكور السينمائي مهم للغاية، لأن هذا المجال في مصر لا يشهد تطوراً، كون خامات التشطيب الداخلي مكلفة للغاية، لكننا في حالة الخامة الجديدة »الخشب البلاستيكي» نعمل علي تحويل الصورة غير الواقعية إلي واقعية، وهذه الخامة ستكون أقل كلفة من الخشب التقليدي، ويمكن أيضاً إعادة تدويرها بعد انتهاء تصوير العمل الفني سواء كان فيلماً أو مسلسلاً، والمنتج في هذه الحالة سيكون بإمكانه استرداد جزء من المبلغ الذي تكبده في البداية. ينطبق الوضع ذاته أيضاً علي المسرح، حيث تقول نهال: عرضتُ الفكرة علي مدير مسرح العرائس، لاستبدال خشب المسرح »الركز» بألواح من الخشب البلاستيكي، وتم قبول الفكرة، حيث إن تجديد خشبة المسرح بالكامل يتطلب إغلاق المسرح لمدة لا تقل عن شهرين، لكن في حالة استخدام ألواح الخشب البلاستيكي المبتكر لن يتطلب الأمر أكثر من 15 يوماً فقط، حيث يتم تركيبه بنظام التعشيق. لا تقتصر مزايا الخشب البلاستيكي علي ذلك، بل يمتد الأمر ليشمل أعمال البناء والتشييد عموماً، حيث تقول نهال إنه يمكن بناء منزل صغير بهذه الخامة، فاللوح الواحد من الخشب البلاستيكي مقاس 1.5 متر x 1.5 متر، تكلفته حوالي 70 جنيهاً فقط ومكوناته نشارة الخشب والبلاستيك المعاد تدويره من زجاجات المياه الفارغة، وهذا السعر أقل بكثير من لوح »الكونتر» الذي يكلف حوالي 400 أو 500 جنيه حسب جودته. وإذا تم بناء وحدة سكنية باستخدام قالب الطوب المصنوع من الخشب البلاستيكي فلن نكون بحاجة إلي طبقة »المحارة»، نظراً لوجود شكل نهائي للخشب يتم اختياره حسب الرغبة في »الاسطمبة» التي يتم فيها صب المواد المكونة للألواح أو الطوب. وتؤكد نهال أن هذه الخامة الجديدة ستحدث ثورة في عالم الديكور والأثاث، وستوفر الكثير من المال، وتوفر الوقت والجهد المبذول في عملية التركيب، لافتة إلي أن التكلفة قد تتضاءل أكثر من ذلك حين يصبح لدينا مصنع متخصص في إنتاج هذه الخامة، لتغطية الاستهلاك المحلي وتصدير الفائض إلي الخارج، كما أن الخامات المستخدمة في تصنيع الخشب البلاستيكي متاحة في مصر، وتعتمد بالأساس علي إعادة التدوير، بما سيخلق فرص عمل لموردي هذه الخامات إلي المصنع الذي سيقوم بمعالجتها وتحويلها إلي خشب بلاستيكي يستخدم في أغراض مختلفة. وتشير إلي أن إنشاء مصنع لإنتاج الخشب البلاستيكي سيكون أمرا مهما للغاية، حيث يستهدف تحويل جميع المخلفات الخشبية والبلاستيكية الضارة بالبيئة إلي مواد خشبية جديدة ذات جودة عالية تساهم في الإعمار ومن دون الحاجة إلي تقطيع الغابات والإضرار بالغطاء النباتي لأرضنا، كون الفكرة بالأساس تعتمد علي تخليق مادة جديدة تقاوم العيوب الأساسية للخشب، وذلك بتحويل جميع المواد الخشبية إلي بودرة وتحويل جميع المواد البلاستيكية إلي بودرة ثم خلط هذه المواد مع مواد مساعدة داخل خلاطة عملاقة وقوية، وبعد ذلك نأخذ هذا المخلوط ونضعه داخل ماكينة قوية ومع التسخين والمواد المساعدة يصبح هذا المخلوط متجانسا يتم حقنه أو سحبه في قوالب حسب الحاجة. ومن ميزاته الصلابة الشديدة، فمع الاختبارات تبين أنه أقوي من الخشب بخمس مرات بالإضافة إلي خلوه من عيوب الخشب الطبيعي مثل العقدة والتقوس وغيرها، بالإضافة إلي أن ألياف النسيج الجديد شبكية تعطيه قوة ومتانة وليست أليافا طولية مثل الخشب العادي، كما أنه مقاوم للماء، لأنه مغطي بطبقة بلاستيكية وغير قابل للتمدد أو الانكماش، حسب الاختبارات المعملية، ولذلك فهو مثالي جدا بالنسبة للمنتجعات السياحية والمناطق القريبة من البحر والمسطحات المائية عموما وأبواب الحمامات وغيرها. وتقترح نهال أن يتم تبني هذه الفكرة علي نطاق واسع في مصر، من جانب الجهات الرسمية المعنية، لتوفير مليارات الجنيهات المهدرة في استيراد الخشب التقليدي بأنواعه المختلفة من الخارج، خاصة أنه يمكن بناء مدينة سكنية كاملة تضم بيوتاً صغيرة للشباب يكون الاعتماد الأساسي فيها علي خامة الخشب البلاستيكي، وأن يتم أيضاً تصنيع قطع الأثاث المختلفة من نفس الخامة القابلة للطلاء حسب الأذواق المختلفة، وبذلك نكون قد وفرنا الكثير علي الدولة، وساعدنا آلاف الشباب الذي يبدأ رحلة حياته لتكوين بيت وأسرة سعيدة. وتوضح أن الجانب الفني الديكوري متاح في هذه المادة التي يمكن تشكيلها حسب الرغبة من خلال قوالب متنوعة الأشكال والأحجام، بحيث يمكن من خلالها تصنيع الطاولات والكراسي والدواليب والأسرّة، بحيث تتواكب مع خطوط الموضة الحديثة في عالم الديكور، والأهم من ذلك أنه يمكن إنتاجها ملونة وفي نفس الوقت قابلة للطلاء في حالة ما إذا أردنا تغيير لون قطعة الأثاث أو قالب الطوب الذي يستخدم في بناء الواجهات الداخلية أو الخارجية لأي بيت أو مبني عموماً، وقالب الطوب المبتكر من خامة الخشب البلاستيكي يكون بنفس شكل »البلوك» العادي، ويتم تركيبه بنفس طريقة تركيب لعبة المكعبات، حيث توضع بداخل قوالب الطوب مجار وفتحات للإمدادات الكهربائية أو المائية.