أكد محمود فؤاد رئيس المركز المصري للحق في الدواء، أن أزمة نقص الأدوية تتفاقم بشكل كبير حتي وصلت إلي أدوية الطوارئ ومذيبات الجلطات، ما أدي إلي عجز 80٪ من المستشفيات العامة عن توفيرها. كاشفًا في حوار مع »آخرساعة» أن المركز تلقي 12 بلاغًا بحالات وفاة حدثت في بعض معاهد الأورام، نتيجة عدم وجود الأدوية اللازمة للعلاج، مشيرًا إلي أن المعهد القومي للأورام أوقف مؤخرًا برامج العلاج جزئياً، وأشار إلي أن وزارة الصحة فشلت في إدارة الأزمة مُطالبًا بإقالة الوزير. ويؤكد فؤاد أن الإضراب الذي تدعو إليه نقابة الصيادلة يستغل المريض، ويُعرّض حياة المواطنين للخطر، ما دفع المركز إلي تبنّي حملة واسعة لرفضه ومواجهته. • أين وصلت أزمة نقص الأدوية؟ _ للأسف مازال حق المواطن في الصحة والدواء يُنتهك بشكلٍ يومي، أزمة الأدوية تتفاقم يومًا بعد يوم حتي وصلت إلي حد كارثي. هناك أكثر من ألفي صنف من الأدوية اختفت بالفعل من السوق، 20٪ منها ليس لها أي بدائل أو مثائل أخري. فجميع المواد الخام التي تحتاجها شركات الأدوية يتم استيرادها من الخارج. تأثّر هذه الشركات بأسعار الصرف وقلة الاعتمادات المتوافرة من العملة الصعبة، أدي إلي توقفها عن الاستيراد لأكثر من ثلاثة أشهر، لينعكس ذلك بصورة كارثية علي كميّات الأدوية المُنتجة. وذلك بخلاف العديد من الأصناف التي تحتكرها شركات عالمية وتستوّرد من الخارج. كما أن الزيادة المُرتقبة لأسعار الدواء جعلت العديد من شركات التوزيع للأسف، تلجأ إلي تخزين الكميّات المتوافرة لديها لطرحها بالأسعار الجديدة، ما يجعلها المتهمة الرئيسية لاختفاء كميات كبيرة من الأدوية، كونها الوسيط بين الشركات المُنتجة والصيدليات. ما أهم الأصناف التي اختفت من سوق الدواء؟ _ من أهم الأدوية التي اختفت بصورة واضحة أصناف »الليبيدول» و»أرتامين» لمرضي الكبد، و »كيتوستريل» الذي يعد من أهم الأدوية المُستخدمة في علاج أمراض الكلي، هذا الدواء وصل سعره في السوق السوداء ذ قبل أن يختفي بشكل تام - إلي ألفي جنيه، رغم أن سعره الأصلي 220 جنيها. غير أن جميع أدوية فيروس B ختفت أيضًا من الأسواق. كما لدينا أزمة حادة في نقص الأنسولين في سوق الدواء. هناك 14 مليون مريض سُكّر في مصر، أكثر من سبعة ملايين منهم يحتاجون إلي جرعات يومية من الإنسولين. ورغم أن الشركة المصرية لتجارة وتوزيع الأدوية أعلنت منذ شهر أنها ضخّت ثلاثة ملايين عبوّة، إلا أن هذا الوضع خلق حالة من الهلع والذعر بين المواطنين، ودفع كثيرا منهم إلي شراء وتخزين كميات كبيرة من الأدوية التي يجدونها خوفًا من اختفائها، ما أدي إلي نقص واختفاء البدائل بصورة هائلة في مدة قصيرة جدًا. غير النقص الفادح في الأدوية الخاصة بعلاج الأورام السرطانية. هل رصدتم تأثيرات هذه الأزمة علي المرضي؟ - بالطبع. غرفة العمليات الخاصة بالمركز رصدت بلاغات لاثنتي عشرة حالة وفاة حدثت في معاهد أورام طنطا، والمنصورة، وأسيوط، وسوهاج لعدم وجود أصناف »هولوسكان» و »إندوكسان»، وهي أدوية أساسية تدخل في برامج العلاج الكيماوي لمرضي السرطان وفق البروتوكولات العالمية للعلاج. والكارثة أن المعهد القومي للأورام أيضًا أوقف مؤخرًا برامج العلاج بشكلٍ جزئي لعجزه عن توفيرها. كما رصدنا تعرَض 11 شابًا من مرضي »الهيموفيليا» لبتر أقدامهم، جرّاء المضاعفات التي تعرضوا لها، لعدم وجود أمبولات »فاكتور» اللازمة لعلاج مرض سيولة الدم، والتي اختفت تمامًا من الصيدليات والمستشفيات، ومن بينها مستشفي قصر العيني. غير الأزمة التي يُعانيها مرضي التصلّب المُتعدد لعدم توافر أمبولات »بيتافيرون» و »ريبيف»، التي يحتاجونها بصفة يومية للحد من الهجمات التي تلحق بالأطراف، وهناك ثلاثة حالات أصيبت بالفعل بالشلل الكامل نتيجة ذلك. كما وصلتنا عدّة استغاثات لاختفاء عقار »ميستينون» الذي يستخدمه مرضي وهن العضلات. بخلاف ستة أصناف لمرضي حُمي البحر المتوسط »التيلاسيميا». والأخطر من ذلك أن الأزمة امتدت لتشمل عددا من الأصناف الحيوية التي تُعد ضمن قائمة أدوية الطوارئ أو »المُنقذة للحياة». حدثنا عن الأدوية »المُنقذة للحياة». - هذه الأدوية يُحددها »دستور الأدوية الأساسية» بمنظمة الصحة العالمية، حيثُ تُلزم المُنظّمة جميع الدول الأعضاء بتوفير كميات احتياطية كافية منها، تحسّبًا لحدوث أي ظرف طارئ كالأزمات الاقتصادية أو اضطراب العلاقات الدولية أو الحروب. وقد حذًرنا منذ فترة من خطورة اختفاء الأدوية الحيوية، إلا أن الوضع ازداد سوءًا حتي وصل إلي عجز 80٪ من المستشفيات العامة - التي يبلغ إجمالي عددها 668 مستشفي- عن توفير أدوية الطوارئ، ورصدنا بالفعل اختفاء عدد من مذيبات الجلطات أشهرها أمبولات »ستربتوكاينيز»، و»الأتروبين» للأزمات القلبية، وأدوية الجهاز التنفسي وموسعات الشعب الهوائية. ورغم أن المستشفيات الجامعية تُعد أفضل حالاً إلا أن مستشفي جامعة سوهاج وجامعة أسيوط، أوقفت استقبال المرضي في العيادات الخارجية بمنشورات رسمية، كما اعتذرت مستشفي القلب بجامعة عين شمس عن إجراء العمليات لعدم وجود أدوية ومستلزمات طبية كافية. كيف تعاملت وزارة الصّحة مع هذا الوضع؟ - إدارة وزارة الصحة للأزمة فاشلة بكل المقاييس، وللأسف تقف متفرّجة أمام الأزمات التي تعصف به. هذا الفشل بدأ بعدم التنبؤ بنقص الأدوية والذي يُفترض أن يتم بشكل دوري ودائم، من خلال نظريات عملية لتفادي حدوث الأزمة. إلا أن إدارة النواقص التابعة للإدارة العامة للشئون الصيدلية لم تقم بأي دور في ذلك، ويجب محاسبة جميع المسئولين عن الأزمة لتهديدهم لحياة المواطنين. غير الآثار الفادحة التي لحقت بسمُعة سوق الدواء المصري عالميًا وجعلته مهددًا وغير آمن. ورغم أنه السوق الأكبر في الشرق الأوسط حيث حقق العام الماضي فقط 41 مليار جنيه من المبيعات إلا أنه أصبح مُنفّرًا للاستثمار، ما جعل كُبري الشركات العالمية تبحث مؤخرًا استمرارية نشاطها في السوق المصري، بسبب خسارتها لأكثر من 50٪ من رأس مالها. ماذا عن تحريك سعر الدواء؟ - لا مفر من زيادة أسعار الدواء لإنقاذ السوق من الانهيار، فتوافر الأدوية مرهون بتحريك أسعارها لمواجهة أسعار الصرف. لكن ذلك لا يجب أن يتم بغير تحمّل الحكومة مسئوليتها في توفير الدواء للمواطن البسيط بسعر مدعّم، والحل العاجل للأزمة يكمن في ضخ كميات كبيرة من الأدوية المُدعمة، في الصيدليات الحكومية بالمستشفيات وصيدليات التأمين الصحي، وذلك للحد من تأثير زيادة الأسعار علي المواطنين خاصة من محدودي الدّخل. كما أن الدولة تمتلك 12 شركة قطاع عام لإنتاج الدواء يجب تفعيل دورها بشكل أكبر في مواجهة هذا الوضع. واللافت أن غياب دور وزارة الصحة أدي إلي تكاتف المجتمع المدني والمبادرات الشعبية، لتوفير الأدوية للمرضي الأكثر احتياجًا، من خلال عدد من الصفحات علي وسائل التواصل الاجتماعي، التي تحوّلت إلي صيدليات إلكترونية مجانية. كيف تري الإضراب الذي تدعو إليه نقابة الصيادلة؟ - نرفض تمامًا هذا الإضراب لأنه ينتهك حق المريض في الحصول علي العلاج. إغلاق الصيدليات يُعرض حياة المواطنين للخطر. فالنقابة تستخدم المريض المصري في معركتها مع شركات الأدوية، للضغط علي الحكومة بهدف رفع هامش الربح إلي 35٪ في زيادة الأسعار المُرتقبة. وهذا يتم للأسف مع استغلال بعض الصيادلة للأزمة برفع أسعار الدواء بشكل عشوائي، مستغلين نقص الأدوية وحاجة المواطنين إليها وعدم درايتهم بالأسعار. كل ذلك في ظل انعدام الرقابة من قبل وزارة الصحة علي الصيدليات، فنحن لدينا 65 ألف صيدلية مُقابل ألفي مُفتش فقط بوزارة الصحة.