»الدواء» .. كلمة تمنح المريض الأمل في الشفاء من مرض ينهش جسده دون رحمة، فبمجرد ان يكتب الطبيب روشتة يشعر المريض ان لعلته علاجا سيخفف من آلامه وينهي عذابه، يحمل روشتة علاجه قاصداً الصيدلية إلا ان المفاجأة تكون في انتظاره »الدواء غير متوافر». رحلة ألم جديدة يعاني منها عدد من المرضي بعد اختفاء 1500 صنف دوائي ب »الاسم التجاري» منها 200 صنف تتعلق بأدوية السكر والضغط والقلب والأورام والجهاز الهضمي ومضادات الحساسية بينما هناك أكثر من 30 صنفا تعالج أمراضا خطيرة ومزمنة ليس لها بدائل في السوق.. ترصد »الأخبار» ابعاد الازمة علي أرض الواقع مع أصحاب الصيدليات.. أكدوا اختفاء العديد من الأدوية المهمة بسبب الاعتماد بشكل أساسي علي الاستيراد لمعظم هذه الادوية.. واثرت أزمة الدولار سلبا علي استيرادها بالاضافة إلي التأثيرات الناجمة عن قرار وزارة الصحة برفع اسعار الدواء بشكل »عشوائي!!». »الأخبار» التقت أيضا بالمواطنين الباحثين عن »الدواء».. لرصد معاناتهم.. ومناقشة كافة اطراف الازمة.. للتوصل الي تصور شامل لانهاء معاناة المرضي. »مش لاقية علاج الورم والمرض بينهش في جسمي» كلمات مصحوبة بدمعة مكتومة بعيون فايزة أحمد، مريضة السرطان أثناء حديثها ل»الأخبار» عن معاناتها في البحث عن علبة الدواء» رحلة انطلقت من قريتها مرور بأحياء الجيزة نهاية بصيدليات وسط البلد.. والإجابة واحدة »مفيش». ولم تجد سوي المزيد من الآلام..ولامفر من المعاناة والالام المبرحة ومناجاة الله كي يخفف أوجاعها. علاج الكلي المواطن إبرهيم عبد الحميد يعاني في البحث عن دواء لعلاج الكلي وواقع منذ فترة بين غياب الدواء واستغلال السوق السوداء ومتاجرتهم بالمريض قبل الدواء.. يقول »بأغسل كلي 3 مرات في الأسبوع وكل مرة الجلسة لوحدها ب 140جنيها».. كلمات رثا بها إبراهيم حاله خلال حديثه عن معاناته في رحلة البحث عن الدواء المفقود. حلم الابوة خرج خالد ناصر من إحدي الصيدليات بباب اللوق.. هائمًا علي وجه.. تنخر الأفكار في رأسه نخر السوس في الخشب بحثًا عن بديل لعقار »المريونال» لعلاج العقم، فحقنة الدواء تحمل أحلامه في الأبوة. »كل الصيدليات بتقولي مفيش طب أعمل أيه» هكذا صرخ خالد منفعلاً وهو يشير إلي روشتة الطبيب الممتلئة ويقول »كل الدواء ده ملوش لازمة من غير ده» مشيرًا إلي عقار »Merional»، واختتم حديثه بجملة مأساوية »حلم الابن شكله هيضيع بسبب الدولار». قطرة العين غادر محمود كمال الصيدلية عابسً الملامح جفونه تنكمش وتتمدد في محاولة لتوضيح الرؤية معبرًا عن غضبه لاختفاء قطرة العين الخاصة به منذ أكثر من شهر لأنها مستوردة وبدائلها غير مناسبة له بسبب ثمنها الباهظ »كنت بجيبها ب 22 جنيه، والبديل العبوة الصغيرة ب 62 جنيها» .. مضيفاً انه يبحث عن حبوب »جينيرا» لمنع الحمل والتي اختفت من الصيدليات وقال »يعني الدولة تطالبنا بتنظيم الأسرة والدواء مش موجود». تسمم درقي لم يكونوا وحدهم المتضررين من تلك الأزمة، فأحمد مصطفي الذي طاف ساعات يوميا في شوارع العاصمة باحثًا عن »النيوماركزول» وزيت كبد الحوت لشقيقه الذي يعاني من مشاكل في افراز الغدة الدرقية.. وقال» أكثر من 15 يوما بدور علي الدواء ولوما خدهمش هيجيله تسمم درقي». كما لم يسلم مريض النقرس من الأزمة.. فكان ضحية غلاء أدويته كما يقول »كريم علي» الذي تعاني أمه من المرض أما اختفاؤه مثل »اليوريكول بلاس» الحيوي في علاج النقرس. أدوية حيوية اكد د. فادي البباوي - صيدلي - ان هناك الكثير من الادوية اختفت تماماً من الصيدليات العديد منها يعالج أمراضا خطيرة ومهمة مما يهدد صحة المواطنين، مشيراً الي ان قرار الحكومة الأخير بشأن رفع أسعار الدواء كان عشوائياً ولم يراع المعايير الصحيحة في تحريك سعر الدواء مما اضر بالمواطن والصيدلي، وكان ينبغي علي وزارة الصحة ان تجتمع مع اطرف القضية من مستوردين وصيادلة والغرفة التجارية حتي يصدر القرار بشكل يتوافق مع مصلحة الجميع ولا يضر بالسوق . واضاف العديد من المرضي يعانون بسبب أزمة نقص الدواء خاصة مرضي الأورام والكلي والكبد، موضحاً ان ابرز الادوية التي يعاني من اختفائها، حقن واقراص »اندوكسام» والتي تعالج مرضي الاورام والروماتويد والكلي، حقن »ننكرستين» لعلاج أمراض الدم، »البومين» بشري لمرضي الكبد والاورام، دواء »سليروليسين» لعلاج مشاكل الدورة الدموية والجلطة، »ميستي نوفا» لمرضي وهن العضلات، »دانول» لعلاج الاورام واضطرابات الهرمون عند السيدات، »كوليستران» لمرضي الكبد، »ديفارول» لعلاج عظام الأطفال، بالاضافة إلي ادوية الهيموفيليا وحقن »کH» الخاصة بالسيدات بعد الولادة، وجميع تلك الادوية لا يوجد لها بديل محلي اومستورد. المحلول الملحي وتعجب د. البباوي من اختفاء ادوية تقليدية وبسيطة مثل عبوات المحلول الملحي التي اصبح لها سوق سوداء تباع العبوة ب 40 جنيها رغم ان سعرها لا يتعدي 7 جنيهات، مطالباً الدولة بحل الأزمة من خلال عقد اجتماع مع الصيادلة والغرفة التجارية والمستوردين لبحث المشكلة والوقوف علي اسبابها ووضع حلول حقيقة قابلة للتطبيق وتراعي مصلحة الجميع علي رأسهم المواطن. روشتة بالبديل قالت د. ندي شكري - صيدلانيه - انها تعاني بسبب نقص العديد من الادوية المهمة ابرزها »كيتوسترل» لعلاج الكلي وحقن البومين، بالاضافة الي العديد من القطرات التي تعالج حساسية العين وقطرات بعد العمليات مثل » فريش بلاس»، وأشارت الي ان بعض الادوية لا يوجد لها بدائل. وأشار د. أحمد علام إستشاري أمراض الكلي والباطنة جامعة الازهر ان 70 % من الأدوية التي يكتبها الاطباء اصبحت غير موجودة ويجب ان يحضر الطبيب روشته بالبدائل، واوضح ان من خلال عملة كطبيب باطنة وكلي ان أدوية الدهون والضغط،المناعة والروماتيد والكلي والذئبة الحمراء، تعاني من النقص الحاد، لذلك يلجأ الي الادوية البديلة وفي كثير من الاحيان لا يتوافر الدواء البديل. 1500 دواء أكد د. علي عوف، رئيس الشعبة العامة للأدوية في الغرف التجارية أن سوء تخطيط مصانع الأدوية التي قد تنتج كميات تعتقد أنها تغطي احتياج السوق لعام وتكفيه لستة أشهر فقط يخلق عجزا في سوق الدواء بمصر، وأن الشركات قد تتعمد ذلك لتقليل خسارتها نظرا للفرق بين سعر الإستيراد بالدولار وسعر الطرح بالتسعيرة الجبرية فضلا عن عدم توفير الدولار للشركات لاستيراد المادة الفعالة مما يزيد من حدة الأزمة، لافتا أن ما يقرب من 1500 نوع دواء بالاسم التجاري مختف من السوق. وأًضاف عوف أن البنك المركزي يوفر الدولار بسعره الرسمي لشعبة الدواء لاعتباره سلعة أساسية، ولكن الشركات تحصل علي الدولار بعد شهرين أوثلاثة من طلبه.. مما يخلق عجزا في بعض الأصناف في السوق، لافتا إلي أن الشركات تستورد 95 % من المواد الخام للأدوية. موضحا أن الشركات المستوردة للمواد الخام تقع في شباك روتين وزارة الصحة التي تطلب علي سبيل المثال 10 شروط فحين توفرها الشركات تفاجأ بظهور شرطين آخرين، لتصل المدة الإجمالية شهرين أو أكثر لإستيراد مادة خام بعد أن كانت مدتها لا تتجاوز 10 أيام، وأنه أحيانا تبقي المواد الخام في الجمارك لإستكمال الإجراءات رغم نواقص الأدوية في السوق. وكشف »عوف» نقص أكثر من 30 دواء حيويا لعلاج الامراض الخطيرة والمزمنة ولا يوجد لها بديل في الأسواق، مطالباً المرضي بالتوجه الي مكتب شكاوي النواقص لمحاولة إستيراد الدواء للمريض بشكل خاص في حالة أن يكون دواء حساسا يتوقف عليه حياة المريض. الفكر الدوائي ومن جانبه حمل د. جورج عطا الله، عضو مجلس نقابة الصيادلة مسئولية الأزمة لوزارة الصحة؛ لعدم تقديم أي وزير حلول جذرية دائمة، والإكتفاء بحلول مؤقتة، مستشهدًا بتكرار أزمة ألبان الأطفال وعدم تفكير أي وزير في إنشاء مصنع لتعبئة وتصنيع الألبان وانهاء التعامل مع وكلاء الألبان لتجنب دفع 450 مليون جنيه فرق دعم.. وأرجع عطاالله سبب الأزمة لإدارة الفكر الدوائي في مصر عن طريق طبيب وحتي عند اختيار مستشارين صيادلة، يتم اختيار رجال أعمال وأصحاب الشركات، مضيفًا أن تحريك أسعار الدواء بعد 30 عاما من التسعيرة الجبرية تسبب في مشاكل في سوق الأدوية خاصة مع ارتفاع أسعار الدولار نظرًا لحجم الإستيراد الضخم للمواد الخام بتكلفة تبلغ 35 مليار دولار من أصل 40 مليار دولار هوحجم تداول الدواء في السوق المصرية. مصنع للمواد الخام وشدد علي ضرورة انشاء مصنع للمواد الخام، لتفادي صرف تلك المبالغ الضخمة، وسد حاجة السوق المصري من المواد الخام وتصديرها لأفريقيا والشرق الأوسط، فضلا عن أهمية انفصال هيئة الدواء المصرية عن وزارة الصحة، واتخاذ قرارات سريعة لتلافي فتح الباب الخلفي لتهريب الدواء، خاصة مع نقص أدوية ليس لها بدائل كأدوية السرطانات ومشتقات منتجات الدم، وأدوية الهيموفيليا والتي يتوقف عليها حياة المريض،موضحًا أن أعداد تلك الأدوية تصل إلي 70 نوعا دوائيا.. وعن مكتب شكاوي النواقص، أكد انه ليس لديه فائدة فهو يوفر الدواء للمريض بعد 4 شهور من طلبه بسبب الروتين والإجراءات . السوق السوداء وقال د. محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، إن أنواع الأدوية الحيوية التي يتوقف عليها حياة المرضي والمختفية من الأسواق أكثر من 200 نوع دوائي بينهم ادوية لا يوجد لها بدائل، مشيراً إلي أن مرضي الهيموفليا والأورام وضمور العضلات والفشل الكلوي هم الأكثر تضررا من أزمة نقص الدواء بمصر. وأوضح فؤاد أن هناك نقصا كبيرا في عبوات المحاليل المطلوبة للغسيل الكلوي والأورام، مستشهداً بإستغاثة معهد أورام أسيوط لعدم وجود محاليل، وبيع المحاليل المطلوبة للغسيل الكلوي في السوق السوداء ب 25 جنيهاً بعد أن كانت لا تتعدي 4 جنيهات الأمر الذي يكبد المريض عبئًا جديدًا خاصة مع احتياجه لثلاث جلسات غسيل كلوي أسبوعياً. وأكد فؤاد أن مصر بها 850 الف مريض ضمور عضلات، و30 ألف مريض تصلب متعدد »'MS»، و18 ألف مريض هيموفيليا يعانون من نقص الدواء، وأضعاف هذه الأعداد من مرضي الأورام والفشل الكلوي، مضيفًا أن مرضي الاستسقاء الكبدي يتضررون من نقص حقن الألبومين، رغم احتجازها بمطار القاهرة منذ 20 يوما لحين تسلم الشركة المصدرة لها قيمتها بالدولار.