شهدت البلاد خلال الأسبوعين الماضيين حوارات ونقاشات مكثفة حول مليونية الجمعة الماضية 8 يوليو والتي تعد أهم جمعة في تاريخ ثورة 52 يناير .. أهدافها ومسمياتها. كما جرت اتصالات عديدة بين مختلف الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية للاتفاق أو التوافق الذي يجب أن تقام تحت مظلته هذه المليونية التي حازت اهتمام كافة المواطنين نظرا لما تمثله من أهمية تجاه المرحلة القادمة أي بعد مرور حوالي ستة أشهر منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير هذه الثورة التي علق عليها كل أبناء الشعب آمالا كبيرة للنهوض بمصر والارتقاء بها وبأدائها المتطور في مخلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية وتحقيق النهضة المطلوبة حتي يمكن لهذا الوطن أن يأخذ مكانه اللائق به في المجتمع الدولي والإقليمي سواء عالمه العربي أو الأفريقي أو الإسلامي وأن تحقق لشعب مصر حياة أفضل ينعم فيها المواطنون بالرخاء والاستقرار والأمن والأمان. في البداية كانت هناك مواقف رافضة للتظاهر في هذه الجمعة من قبل بعض الأحزاب والتيارات الفكرية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين التي أكدت عدم مشاركتها في هذه التظاهرة لعدم تطابقها مع المصلحة العامة للبلد وخاصة إذا ما دعا البعض إلي شعار »الدستور أولا« ذلك أن الجماعة ترفض رفضا قاطعا التوجه الداعي إلي إقامة الدستور أولا، وتؤكد من وجهة نظرها ضرورة الإسراع في إجراء الانتخابات أولا »مجلسي الشعب والشوري والرئاسية« ثم يقوم مجلس الشعب من جانبه بتشكيل لجنة لإعداد الدستور وهو ما يلقي معارضة من كثير من الأحزاب السياسية والتيارات الأخري التي تري أن جمعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والتنمية هي الأكثر تنظيما علي الساحة السياسية وبالتالي فإنها ستكون القادرة علي الاستحواذ علي الأغلبية في مجلس الشعب وهو ما سوف يمكنها من تشكيل »لجنة إعداد الدستور« وبالتالي إعداد دستور جديد يتفق مع توجهاتها السياسية والفكرية والعقائدية، وفي النهاية وحتي يمكن تنظيم مليونية 8 يوليو الشهيرة فقد تم الاتفاق بعد جهود مكثفة من قيادات الإخوان وغيرها علي تسميتها »بمليونية الثورة«. وسواء سميت مليونية الثورة أو الإصرار والتحدي أو العدالة الاجتماعية أو غيرها فإن الهدف الأساسي من وراء هذه الثورة وطبقا للمبادئ الأساسية التي أعلنت مع بدايتها وهي »الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية« هو إقامة دولة مدنية حديثة ينعم فيها كل مواطن مصري بحياة كريمة ومستوي معيشة لائق وبالأمن والاستقرار دون أي تفرقة للون أو جنس أو عقيدة فالكل يجب أن يكون سواء أمام القانون.. ودولة ديمقراطية عصرية تكفل تكافؤ الفرص لجميع المواطنين حتي تنهض مصر وتنطلق بخطي ثابتة نحو مستقبل أكثر إشراقا وتقدما. والآن وبعد أن مر يوم الجمعة الماضي بسلام وأمان واحتشدت الجماهير في ميدان التحرير والميادين الأخري في السويس والإسكندرية والمنصورة وغيرها من عواصم المحافظات الأخري أصبح لزاما علينا جميعا أحزابا وتيارات سياسية وفكرية وأيضا الأغلبية الصامتة أن تتدبر أحوالنا ومستقبلنا ومستقبل بلدنا بمزيد من الوطنية والعمق والجدية ونسأل أنفسنا ماذا نحن فاعلون؟ لتحقيق أهداف الثورة الحقيقية وهي »الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية« والتي تستهدف بالدرجة الأولي صالح هذا الشعب بجميع طوائفه. لقد أسقطت الثورة نظام القهر والظلم والاستبداد وأصبح علينا الآن أن نثبت ونؤكد وعينا وصدقنا وحرصنا الشديد علي مجتمع جديد ترفرف عليه مفاهيم الحرية يصون كرامة الإنسان المصري ويقوم علي العدل والشفافية ويحول دون عودة »الاحتكار« مرة أخري بكل أنواعه وأشكاله السياسية والاقتصادية والعقائدية ذلك أن الاحتكار هو آفة المجتمع.. كما أنه من غير المعقول ولا المقبول أن نهدم نظاما فاسدا قام علي القهر والظلم والتسلط لنقيم نظاما آخر تسيطر عليه بعض أو أي من التيارات السياسية تسيطر وتستبد كما فعل النظام السابق ونظم أخري في كثير من دول العالم.. ثم كيف يمكن لجماعة أو حزب أن يتهم منافسيه من الأحزاب الأخري بالخيانة والعمالة لإسرائيل وأمريكا لمجرد أنهم تبنوا مبدأ الدستور أولا ويرون فيه الطريق الأفضل والأمثل لبناء حياة ديمقراطية سليمة. وإنني علي يقين أنه بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير ومادعت إليه من قيم نبيلة وأهداف سامية وما أكدته من سقوط حاجز الخوف لدي المواطن المصري وإحساسه بالمسئولية الوطنية أن مثل هذا النظام الشمولي الذي عاشته مصر علي مدي الستين عاما الماضية لن يكون له قائمة مرة أخري في مصر في المستقبل خاصة بعد ارتفاع الوعي السياسي والحس الوطني لدي كافة المواطنين وهو ماسوف يحميهم من مغبة أي نداءات أو شعارات غير صادقة وغير أمينة علي مستقبل هذا الوطن. إن شعار »الدستور أولا« أو »الثورة أولا« لايمثل أي تناقض بينهما ذلك أن كليهما الدستور والثورة هدفهما هو مصلحة هذا الوطن وبناء دولة حرة ديمقراطية وشعب يتمتع بكافة حقوقه السياسية والمدنية وفي مقدمتها العيش في رخاء وأمن.. ويؤكد أساتذة القانون وفقهاء الدستور أن الدستور هو أساس بناء أي مجتمع ديمقراطي ومصر ذات باع طويل في هذا الشأن منذ دستور عام 8291 ودستور 4591 وكذلك دستور 1791 والذي أجريت مؤخرا تعديلات علي بعض مواده.. ويجمع فقهاء القانون الدستوري أنه كان من الأفضل إعداد دستور جديد بدلا من التعديلات التي أجريت علي دستور 1791 والذي من المفروض أنه سقط بسقوط النظام السابق وكافة مؤسساته خاصة وأن إعداد دستور جديد لم يكن ليستغرق وقتا طويلا فلدينا كل هذه التجارب السياسية والخبرات الدستورية التي يشهد لها العالم كله. وبالرغم من الاتفاق علي شعار مليونية الثورة إلا أن هناك البعض الذين رفعوا لافتات أخري في الميادين لمطالب فئوية منها سرعة محاكمة الرئيس السابق وعائلته ورجال نظامه وضرورة وضع حد أدني للأجور تحقيقا لمبدأ العدالة الاجتماعية وكلها بالطبع مطالب عادلة ربما تحتاج لبعض الوقت لتحقيقها لكنها بالتأكيد لايجب أن تكون سببا في شق صفوف الثوار وتهديد مسيرة الثورة بل ينبغي علينا جميعا بذل كافة الجهود لتحقيق كل هذه المطالب في أسرع وقت ممكن مع الحفاظ علي قيم هذا المجتمع وثراثه وفي مقدمتها سمعة القضاء المصري الشامخ والذي يجب أن يظل حصنا وسندا لأمن واستقرار أبناء هذا البلد ولاشك أن قرار رئيس الوزراء الأخير بشأن تخصيص دوائر قضائية للتحقيق في القضايا المتورط فيها رجال الحكم السابق سيكون له دور ملموس في تحقيق هذا المطلب كما أنه ينبغي حتي نتمكن من تحقيق العدالة الاجتماعية ووضع حد أدني للأجور والمرتبات وهو مطلب عادل بكل المقاييس أن نضع أمام أعيننا ضرورة تحسين وتطوير الأداء الاقتصادي في مختلف المجالات والعمل من أجل زيادة الإنتاج ورفع معدلات الإنتاجية وخلق فرص عمل جديدة للمواطنين وهي الأسس التي قامت عليها نهضة دولة ماليزيا الاقتصادية في السنوات الأخيرة، وحمدا لله علي أن مظاهرات يوم الجمعة الماضي 8 يوليو قد مرت بسلام وأمان.