»الحصة الأخيرة دين».. كانت تلك الجملة بداية إهمال بذرة الثقافة الدينية في نفوس الصغار داخل المدرسة، بعد أن ظلت قابعة في نهاية جدول الحصص المدرسية لليوم الدراسي، لا تجد من يحمل علي عاتقه مهمة تدريسها للطلاب في ظل عدم وجود تخصص في كليات التربية لتدريس المادة، بل إن الأمر وصل في كثير من الأحيان لصرف الطلاب من المدرسة قبل الحصة، كان ذلك الاختيار أحسن كثيراً من أن يتم إسناد تدريس تلك المادة لمعلمين يجهلون صحيح الدين فيبثون أفكارهم السامة في عقول التلاميذ. وغالباً ما تسند حصة الدين إلي معلمين مختارين بعناية للتعبير عن الواقع، فالكسل يغلب علي خطواتهم إلي الفصل المدرسي إما لعدم إلمامهم بالمادة أو لخوفهم من إحراج التلاميذ حال توجيه أسئلة إليهم لا يستطيعون الإجابة عليها، لم تكن هذه هي المشكلة فقط، فكانت مشكلته الأساسية تتمثل في التنميط الذي يحوِّل حصة الدين إلي دقائق بطيئة تمر كالدهر في زحام التثاؤب والنظر عبر النوافذ في انتظار جرس نهاية يوم دراسي ممل بالنسبة للعديد من الطلاب. الإهمال الذي أصاب حصة الدين لم يكن كافياً حتي يتم إصلاح أوضاعه، لكن علي النقيض انبري البعض في أن يطالب بهدم المعبد علي صاحبه من خلال إلغاء تدريس المادة بالأساس، وهو مطلب دائما ما يتكرر بعد أي حدث إرهابي أو طائفي منذ سبعينيات القرن الماضي وحتي الآن. حادث تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية كان دافعاً جديداً لعدد من نواب البرلمان للمطالبة بإلغاء تدريس المادة، وشهد اجتماع لجنة حقوق الإنسان، الأسبوع الماضي، جدلاً موسعاً في هذا الشأن ما بين مؤيد يري ضرورة الإلغاء الفوري للمادة وبين معارض يري أهمية تدريسها دون أن يضع أيٌ منهم حلولاً واقعية للتعامل مع مشكلات التعليم بشكل عام، وحصة الدين علي وجه الخصوص. »آخر ساعة» من جانبها تواصلت مع عدد من المعلمين للتعرف علي ما وصلت إليه أوضاع تدريس تلك المادة بالمدارس، وكذلك تواصلنا مع مصادر عدة داخل وزارة التربية والتعليم للتعرف علي أسباب إهمال المادة وكذلك التعرف علي كواليس اختفاء مادة الأخلاق التي كان مقرراً تدريسها في العام الدراسي قبل الماضي، بالإضافة إلي تواصلنا مع لجنة التعليم ببيت العائلة التي تحمل علي عاتقها مهمة تطوير المادة في الوقت الحالي. البداية كانت مع عبد الناصر إسماعيل، رئيس اتحاد المعلمين المصريين، الذي أكد أن إهمال المادة يرجع إلي أسباب عدة، أولها أن المادة لا تدخل ضمن المواد المضافة إلي المجموع، وبالتالي فإن الإهمال يكون مزدوجا من الطالب والمعلم أيضاً، إذ إن الأول لا يعطيها الاهتمام لعدم تحقيقه الاستفادة المادية منها من خلال الدروس الخصوصية، والطالب عادة لا يهتم بمواد النجاح والرسوب. وأضاف أن ثاني الأسباب عدم وجود معلمين متخصصين للمادة، إذ إن التربية الدينية الإسلامية دائما ما يتم إسنادها إلي معلم اللغة العربية، أما التربية الدينية المسيحية فالوضع يكون أكثر صعوبة إذ يتم إسنادها إلي أي معلم مسيحي داخل المدرسة دون أن يكون مؤهلاً لتدريسها، كما أن وزارة التربية والتعليم تدرك جيداً عدم استطاعتها توفير معلمين متخصصين في المادة إذ إن ذلك يتطلب إنشاء أقسام جديدة في كليات التربية بالإضافة إلي عدم وجود ميزانيات كافية لتعيين أكثر من 10 آلاف معلم علي مستوي الجمهورية لتدريس المادة فقط. وأشار إلي أن السبب الثالث يكمن في تراجع أدوار المدرسة بشكل عام وتزايد مساحات الاختلاف بين الطلاب وعدم قيامها بأدوارها التعليمية والتربوية بالشكل السليم، كما أن المناهج نفسها أصابها ما أصاب العملية التعليمية، فغاب التأكيد علي مفاهيم التسامح في أغلب المواد وتحديداً اللغة العربية والدراسات الاجتماعية. عبد الناصر إسماعيل أشار إلي سبب يعدُّ أخطر الأسباب التي أدت إلي تخريج أجيال قابلة للانخراط في الأعمال الإرهابية وهو ما يتعلق بثقافة المعلمين أنفسهم تحديداً الذين يدرسون مواد التربية الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية، إذ إنهم تعرضوا للآراء المتشددة التي تم بثها في كثير من القنوات الدينية ومن ثم فإنها تنقل تلك الثقافة إلي الطلاب وذلك من خلال تفسير النصوص الدينية. أما عن ثاني محطات بحثنا عن أسباب إهمال حصة الدين فكان من خلال أحمد علي، أحد معلمي التربية الدينية محافظة الشرقية الذي أكد أنه يواجه صعوبات جمة في أثناء التحضير للدروس، إذ إن المادة لا يوجد توجيه خاص بها كما أنه لم يتلق أي تدريبات قبل عمله مدرساً للمادة ولكن مدرسته اكتفت فقط كونه معلماً للغة العربية داخلها. ويري علي أن أوضاع تدريس مادة التربية الدينية المسيحية الأكثر سوءاً داخل المدارس إذ إن هناك بعض المدارس لا يتم فيها تدريس المادة بالأساس لعدم تواجد معلمين أقباط داخل المدرسة، كما أن العديد من المعلمين الأقباط يتم إرغامهم علي عدم ترك مدارسهم حال تعرضهم لظروف قهرية تستدعي نقلهم، بالإضافة إلي عدم وجود أماكن مخصصة لتدريس المادة في كثير من الأحيان ويبقي فناء المدرسة مكاناً لتدريس المادة. ولاحظ علي الذي رفض الإفصاح عن ذكر اسم مدرسته خوفاً من بطش إدارتها به تغيُّر سلوكيات الأطفال في التعامل فيما بينهم نظرا لاختلاف ديانتهم، وذلك بفعل تأثرهم بالخطابات الموجهة إليهم سواء من الإعلام أو من المؤسسات الدينية التي يذهبون إليها، ويشدد علي أن حصة الدين وحدها لن تستطيع التحكم في سلوكيات الصغار، لكن عليها دور هام في أن تكون عاملاً مشتركاً بين الجميع تجمع الشمل دون النظر إلي أي مساحة اختلاف. »آخر ساعة» توجهت إلي وزارة التربية والتعليم للتعرف علي مصير كتاب الأخلاق الذي كان من المقرر تطبيقه علي الطلاب في العام الدراسي 2015 ليكون مكملاً لمادة التربية الدينية، إلا أنه اختفي في ظروف غامضة، فلا حس ولا خبر عنه، بعد الجهد والوقت اللذين بُذلا ليري النور. وقالت مصادر بالوزارة إن التراجع عن تدريس المادة كان بسبب تخوف وزير التربية والتعليم وقتها من ارتفاع أصوات المتشددين داخل الوزارة، الذين اعتبروا أن تدريس منهج للأخلاق سيكون مقدمة لإلغاء تدريس منهج التربية الدينية، مشيراً إلي أن وزارته طبعت أعدادًا قليلة من الكتاب، وضع بعضها داخل مكتبات مدارس محدودة ولم تصل إلي أيدي المعلمين، ولم يتدربوا عليها، ، ووضع البعض الآخر داخل مخازنها، وهو كتاب استرشادي للمعلمين وليس للطلاب، وأن المفترض أن يطلع عليه المعلمون في مكتبات المدارس ليطبقوا ما جاء فيه. يذكر أن منهج الأخلاق كان ضمن المناهج التي درِّست لطلبة المدارس المصرية، ووضعه للمرحلة الثانوية الأديب الدكتور أحمد أمين عام 1932م، وكان في الحقبة الملكية التي اتسمت بمنطقية ارتباط التعليم بالأخلاق. وقدم المنهج مفهوم الأخلاق بالمعني الإنساني الفلسفي الذي لا يرتبط بالدين ولا بالثقافة، وكان هدف المنهج هو التأكيد علي ما يجمع المجتمع رغم اختلافه، فمثلا كان يبحث في قيم مثل: الحرية، العدل، احترام المرأة وغير ذلك. أما آخر المحطات التي أعطت بصيصا من الأمل في الارتقاء بتدريس مادة التربية الدينية فكانت من خلال الدكتور رسمي عبد الملك مقرر لجنة التعليم ببيت العائلة المصرية، الذي أكد أن لجنته تسعي لخلق مناخ تربوي سليم داخل المدرسة بداية من مرحلة رياض الأطفال وحتي الثانوية العامة، وذلك من خلال عدة خطوات أهمها تأسيس اتحاد بيت العائلة ليكون تابعاً لمجالس الفصول واتحادات الطلاب، وكذلك تأسيسه داخل مجالس الآباء. وأضاف أن اللجنة بدأت العام الماضي تطبيق أولي خطوات الارتقاء بقيم التسامح والمواطنة داخل المدارس وهو ما ستنعكس آثاره علي الاهتمام بمادة التربية الدينية، وأن تلك الخطوة تمثلت في إقامة أنشطة مشتركة بين الطلاب لإعلاء قيم التسامح وقبول الآخر من خلال مسرحيات وفنون مختلفة، والتأكيد علي عدد من الثوابت والمشتركات بين الأديان ومنها الأمانة واحترام ممتلكات الغير والاهتمام بالنظافة وحب الوطن، موضحاً أن الفكرة تم تنفيذها في 10 مدارس بالقاهرة العام الماضي. وخلص عبد الملك من التجربة بعدة نتائج هامة قد تكون اللبنة الأولي لإعادة الاهتمام بالثقافة الدينية داخل المدرسة، علي رأسها رد فعل البيوت المصرية علي تلك الأنشطة التي أظهرت أنها بحاجة إلي التعرف علي المزيد من قيم التسامح والمواطنة وهو ما ستعمل عليه اللجنة عقب انتخابات مجالس الأمناء، بالإضافة إلي حاجة المعلمين للحصول علي دورات تدريبية للتعامل مع المناهج وتعرفهم علي الأهداف الرئيسية من تدريس المادة. عبد الملك أفصح عن الخطوات التي تم اتخاذها للتعامل مع مناهج التربية الدينية، مشيراً إلي أنه تم مراجعة جميع المناهج من المرحلة الابتدائية وحتي الثانوية العامة بالإضافة إلي مراجعة مناهج اللغة العربية والدراسات الاجتماعية لتنقيتها من بعض العبارات الجارحة لأي طرف، وبالفعل تم تنقية أغلبها بحسب تأكيدات وزارة التربية والتعليم، بالإضافة إلي التواصل مع أكاديمية المعلمين لتدريب معلمي التربية الدينية علي قيم محددة يتم تدريسها للطلاب.