» عفواً.. هل من الممكن أن تتهجي اسمك يا سيدي؟».. عبارة قالتها موظفة استقبال في أحد الفنادق الباريسية لأحد المواطنين، دون أن تعلم أنها تتحدث إلي يانيك جادو المرشح لانتخابات الرئاسة الفرنسية 2017 الذي دخل بهو الاستقبال لمقابلة أحد الصحفيين. وفاز جادو، البرلماني الأوروبي، ببطاقة الترشح عن حزب البيئة »الخضر» الفرنسي، بعدما تفوق علي منافسته ميشل ريفازي في انتخابات تمهيدية داخل الحزب بواقع 54.25% من الأصوات مقابل 40.75% لمنافسته. وإذا كان فرانسوا فيون قد فاز بالانتخابات التمهيدية ليمين الوسط بأصوات الأغنياء ورجال الأعمال والنُخب طبقاً لدراسة نشرتها صحيفة لوموند، فإنه يتبقي لفيون وحزبه الجمهوري معركة أخري علي الصعيد الشعبي لكسب أصوات الطبقات المتوسطة التي تشير استطلاعات الرأي إلي ميلها للتصويت لليمين المتشدد ممثلاً في حزب الجبهة الوطنية بزعامة ماري لوبان، التي تتبني خطاباَ اقتصادياً شعبوياً مشابهاً للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وترفع شعار »فرنسا للفرنسيين» في إشارة إلي إغلاق الباب في وجه المهاجرين واللاجئين، فضلاً عن رغبتها في تنظيم استفتاء »فرانس إيكزيت» علي غرار »البريكزيت»، للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وهو ما يجذب إليها فئة كبيرة من العمال والموظفين، حيث إن الخروج من المنظومة الأوروبية الموحدة يعني طرد يد عاملة رخيصة قادمة من دول مثل بولندا ورومانيا والتشيك، وبالتالي خلق فرص عمل للفرنسيين بمرتبات أعلي. ويعتبر حزب الجبهة الوطنية القومي نفسه جزءا من ثورة عالمية ضد الهجرة والأحزاب السياسية الحاكمة، وينتقد قادته بانتظام الاستخدام المزمن لموازنة نظام الضمان الاجتماعي في فرنسا من أجل مساعدة الأجانب، مشددا علي ضرورة إعطاء الأولوية للمواطنين الفرنسيين الأكثر حاجة. نهج معروف من جانبه فإن فرانسوا فيون يؤكد أن »نهجه معروف»، معتبرا أن فرنسا »لا يمكن أن تتحمل المزيد من التراجع»، وأنها »تريد الحقيقة والعمل»، وأضاف »سأضطلع بتحدٍ غير تقليدي لفرنسا: قول الحقيقة وتغيير برمجتها تماما»، ووجه فيون انتقادات للرئيس الحالي فرانسوا أولاند، لا سيما فيما يخص الملفات الخارجية والتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث أعلن رئيس الوزراء السابق أنه سيغلق المساجد التي يعتلي منابرها متطرفون، والجمعيات الخيرية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، وقال فيون: » كيف لبلد مثل مصر تحظر جماعة الإخوان بينما نستقبلهم نحن في فرنسا بحفاوة؟!»، كما أبدي رغبة واضحة في تقارب أكبر تجاه روسيا لا سيما في ملف مكافحة الجماعات المتطرفة علي غرار داعش والقاعدة. أما زعيمة اليمين المتطرف فتقترح منع أولاد المهاجرين غير الشرعيين من الالتحاق بالمدارس العامة، في إطار سياسات مشددة للحد من الإنفاق العام، وتؤكد رئيسة حزب الجبهة الوطنية أنها تنوي أيضا جعل الأبوين الأجنبيين، اللذين يتمتعان بوضع قانوني لكنهما عاطلان عن العمل، »يساهمان بالرسوم الدراسية لأطفالهما»، وقالت في لقاء مع وسائل الإعلام، »ليس لديّ شيء ضد الأجانب، لكن أقول لهم إذا أتيتم إلي بلدنا، لا تتوقعوا أن نتكفل بكم وأن نوفر لكم الطبابة وأن يتعلم أطفالكم مجانا، لقد انتهي ذلك الآن.. العطلة انتهت !!» وأوضحت لوبان في لقاء خاص مع فرانس برس »لن يكون هناك بعد الآن تسجيل في المدارس لأطفال المخالفين للقانون. وستكون هناك مساهمة للأجانب في النظام التعليمي»، لافتة إلي أنه »في كثير من دول العالم يتم طلب مساهمة الأجانب في تعليم أبنائهم». وسارعت وزيرة التعليم الفرنسية نجاة فالو بلقاسم إلي مهاجمة اقتراح لوبان معتبرة إياه »خزيا وعارا وغير قابل للتطبيق»، وقالت في بيان رسمي وزعته علي وسائل الإعلام »من خلال هذه الكلمات التي أدينها بقوة، تثبت السيدة لوبان لامبالاتها التامة بالظروف الإنسانية الرهيبة التي يواجهها الأطفال الصغار»، وشددت بلقاسم علي أن فرنسا ضمنت التعليم المجاني لجميع الأطفال من كل الأعمار علي أراضيها بموجب القوانين الوطنية والاتفاقات الدولية التي وقعتها، وأضافت بلقاسم »أذكر بأن ضمان حق التعليم للأطفال.. لجميع الأطفال.. بكلمات أخري الحق في عيش المستقبل، هو مسألة شرف بالنسبة إلي الدولة الفرنسية». وفي فرنسا يحق لجميع الأطفال الحصول علي تعليم مجاني، بغض النظر عن الوضع القانوني لذويهم، كما يمكن للأجانب الذين لا يحملون وثائق إقامة قانونية أيضا الاستفادة من رعاية مجانية بعد ثلاثة أشهر من إقامتهم. كما انتقدت زعيمة اليمين المتطرف التي رجحت كل استطلاعات الرأي وصولها إلي الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، المساعدة الاجتماعية المقدمة إلي المسنين التي يمكن لبعض المهاجرين الاستفادة منها بشروط. وقالت لوبان أيضاً: »ننوي تقييد إمكانية الاستفادة من مجانية بعض الخدمات العامة وبعض التقديمات الاجتماعية للأجانب الذين يصلون إلي البلاد ولم يساهموا في دفع الضرائب.. كل هذا سيتم توضيحه» في البرنامج الانتخابي للوبان، وتابعت »سنركز جهودنا الآن وتضامننا الوطني علي الأكثر فقرا بيننا»، وقالت لوبان إن أي شخص فوق سن الخامسة والستين يصل إلي فرنسا يبدأ المطالبة بمساعدة يخصصها الضمان الاجتماعي لكبار السن. ويرجح عدد قليل من المحللين أن تتولي لوبان السلطة، غير أن فرنسا شهدت سنة لم يكن ممكنا التنبؤ بتطوراتها السياسية والاقتصادية، في وقت يعتبر فيه الاقتصاد والهجرة من أهم القضايا بالنسبة إلي الناخبين. تشرذم اليسار في مواجهة يمين الوسط واليمين المتشدد، يظل اليسار مشتتا في حرب علنية بين الرئيس فرانسوا أولاند ورئيس وزرائه مانويل فالس، وهو ما دفع المتحدث باسم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور إلي القول: »نحن قريبون من عملية انتحار جماعي»، ومع الخلافات الأيديولوجية العميقة حول الاقتصاد والموقف من أوروبا الموحدة والحفاظ علي قيم العلمانية، يبدو اليسار الفرنسي علي مشارف الانهيار، وبات التشرذم سمة سائدة في الحزب الاشتراكي منذ مطلع العام الجاري، مع طرح الرئيس أولاند تعديلات دستورية تشمل تمديد حالة الطوارئ ونزع الجنسية عن المتورطين في أعمال إرهابية، مما دفع وزيرة العدل كريستيان توبيرا للاستقالة في يناير 2016، ونظراً للتدني المريع في جماهيرية أولاند شعبياً وحزبياً، فإن الحزب الاشتراكي قرر إجراء انتخابات تمهيدية داخل الحزب في الفترة من 22 إلي 29 يناير 2017، ليعلن أولاند أنه لن يترشح لفترة ثانية في سابقة لم تحدث مع أي رئيس في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة التي أسسها الجنرال شارل ديجول عام 1958، وكان فالس من أسباب مضاعفة الضغوط علي أولاند بتلميحات تصل لحد التصريحات عن احتمالية خوض الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي. وفي عهد فالس، المرشح اليساري الأقوي، ضرب الإرهاب باريس مرتين في عام 2015.. المرة الأولي في يناير حيث هوجم مقر صحيفة شارلي إيبدو الساخرة وسقط فيه 12 صحفيا قتيلا، كما هوجم محل أطعمة يهودي في الوقت ذاته. وفي 13 نوفمبر شنت سلسلة هجمات في باريس وسان دوني أدت إلي سقوط 130 قتيلا. كما أن فالس أحد القلائل في المعسكر الاشتراكي الذين صوّتوا لحظر البرقع في الشارع. وهو ينتقد الحجاب علي الدوام لدي المسلمات ويصفه بأنه »أمر ديني طائفي شمولي». وعُرف فالس أيضاً بموقفه المتشدد تجاه المعارضة المنظمة للتغييرات التي أدخلتها وزيرة العمل مريم الخمري علي قانون العمل، وهو ما أثار موجة ضخمة من الإضرابات والمظاهرات في الشارع الفرنسي، وذهب تشدد فالس إلي حد الضرب عرض الحائط بديمقراطية الحوار وتمرير القانون بالقوة في الجمعية الوطنية ودون نقاش ثلاث مرات عبر استخدام المادة الاستثنائية 49-3? وهو ما كلفه عداوات قوية داخل حزبه الاشتراكي. وبعد أن كان مدعوما من وزير اقتصاده إيمانويل ماكرون، الذي يتبني أيضا الخط الإصلاحي الليبرالي في مجال الاقتصاد، ولكنه استقال من الحكومة ليبدأ منفردا مغامرة الانتخابات الرئاسية، وحاول أكثر من مرة تسخيف مواقف فالس في القضايا الاجتماعية، آخذا عليه نزعته »العلمانية الانتقامية». وأعلن جان لوك ميلنشون اليساري المتطرف ترشحه لاستحقاق 2017 علماً بأنه ترشح في 2012 أيضاَ، بينما أعلن وزير الاقتصاد إيمانويل ماكرون (38عاماً) المستقيل من حكومة فالس، عزمه خوض المهرجان الرئاسي بعدما انشق علي الرئيس الفرنسي والحزب الاشتراكي بأكمله، وتزعم حركة جديدة يقدمها في وسائل الإعلام باعتبارها »لا يمين ولا يسار»، وتشير استطلاعات الرأي إلي حصول كل من ميلنشون وماكرون علي ما يقارب من 10% من الأصوات. كما يبدو التحدي الأكبر أمام اليسار هو توحيد الصفوف لمخالفة توقعات استطلاعات الرأي التي أعلنت أن الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية ستكون بين مرشحي اليمين واليمين المتطرف الذي أنعشه صعود التيارات الشعبوية في أوروبا والولايات المتحدة.