في خطوة منطقية أكثر منها متوقعة، أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند عدم ترشحه لفترة رئاسية ثانية في الانتخابات المقرر لها 23 أبريل المقبل، ليصبح أولاند بذلك أول رئيس في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة، التي أسسها الجنرال شارل ديجول عام 1958، يقدم علي هذا الأمر. إعلان أولاند كان له وقع الصدمة المنتظرة، فالرجل فشل في خفض معدلات البطالة كما وعد، وفي عهده تكررت هجمات إرهابية زلزلت فرنسا بل أوروبا بأكملها، والأهم هو عدم قدرته علي معالجة الخلافات الداخلية في الحزب الاشتراكي، ومواجهة سهام النقد التي تطعنه سراً وعلناً، ليس فقط من اليمين المعارض، بل من وزرائه الأقربين وعلي رأسهم رئيس الوزراء مانويل فالس الذي دخل معه في حرب مفتوحة علي صفحات الجرائد، هذا فضلاً عن نجاة بلقاسم وزيرة التعليم، وإيمانويل ماكرون وزير الاقتصاد المستقيل الذي أعلن مبكراً طموحه الرئاسي، ولا يكاد يمر يوم إلا ويهاجم أولاند بتصريح هنا وآخر هناك. الصراع بين أولاند ووزرائه دفع المتحدث باسم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور إلي القول: »نحن قريبون من عملية انتحار جماعي»، ومع الخلافات الأيديولوجية العميقة حول الاقتصاد والموقف من أوروبا الموحدة والحفاظ علي قيم العلمانية، يبدو اليسار الفرنسي علي مشارف الانهيار، وبات التشرذم سمة سائدة في الحزب الاشتراكي منذ مطلع العام الجاري، مع طرح الرئيس أولاند تعديلات دستورية تشمل تمديد حالة الطوارئ ونزع الجنسية عن المتورطين في أعمال إرهابية، مما دفع وزيرة العدل كريستيان توبيرا للاستقالة في يناير 2016، ونظراً للتدني الحاد في شعبية أولاند، قرر الحزب الاشتراكي إجراء انتخابات تمهيدية داخل الحزب في الفترة من 22 إلي 29 يناير 2017، ويبدو أن أولاند أبي علي نفسه خوض هذه الانتخابات التمهيدية وهو في منصب رئيس الجمهورية. وكان مانويل فالس قد ضاعف من الضغوط علي أولاند بإعلانه في مقابلة مع صحيفة "لوجورنال دي ديمانش" الأسبوعية، عن احتمالية خوض الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي، علماً بأن أول رد فعل لفالس وإيمانويل ماكرون عقب إعلان أولاند كان الترحيب » بالقرار الشجاع من رجل دولة نكن له كل الاحترام والتقدير». وكانت الانتخابات التمهيدية ليمين الوسط، بمشاركة 4 ملايين و300 ألف ناخب، أفضت إلي فوز رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون ببطاقة الترشح للاستحقاق الرئاسي في الثالث والعشرين من أبريل 2017. وإذا كانت المشاركة في تلك الجولة اتسمت بإقبال شديد علي التصويت من جانب الأغنياء ورجال الأعمال والنُخب، فإنه يتبقي لفيون وحزبه الجمهوري معركة أخري علي الصعيد الشعبي لكسب أصوات الطبقات المتوسطة التي تشير استطلاعات الرأي إلي ميلها للتصويت لليمين المتشدد ممثلاً في حزب الجبهة الوطنية بزعامة ماري لوبان، التي تتبني خطاباَ اقتصادياً شعبوياً مشابهاً للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وترفع شعار »فرنسا للفرنسيين» في إشارة إلي إغلاق الباب في وجه المهاجرين واللاجئين، فضلاً عن رغبتها في تنظيم استفتاء »فرانس إيكزيت» علي غرار »البريكزيت»، للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وهو ما يجذب إليها فئة كبيرة من العمال والموظفين، حيث إن الخروج من المنظومة الأوروبية الموحدة يعني طرد يد عاملة رخيصة قادمة من دول مثل بولندا ورومانيا والتشيك، وبالتالي خلق فرص عمل للفرنسيين بمرتبات أعلي. وشكر فيون، في أول تصريح له بعد إعلان النتائج، الناخبين الذي صوتوا لصالحه، وأوضح أن »نهجه معروف»، معتبرا أن فرنسا »لا يمكن أن تتحمل المزيد من التراجع»، وأنها »تريد الحقيقة والعمل»، وأضاف »سأضطلع بتحد غير تقليدي لفرنسا: قول الحقيقة وتغيير برمجتها تماما»، ووجه فيون انتقادات للرئيس الحالي فرانسوا أولاند، لا سيما فيما يخص الملفات الخارجية والتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث أعلن رئيس الوزراء السابق أنه سيغلق المساجد التي يعتلي منابرها متطرفون، والجمعيات الخيرية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، وقال فيون: » كيف لبلد مثل مصر تحظر جماعة الإخوان بينما نستقبلهم نحن في فرنسا بحفاوة؟!»،