لايزال طلعت زكريا يكابر ويدعي أن الجمهور المصري والعربي يقبل علي فيلمه الأخير الفيل في المنديل بشغف رغم كل حملات الكراهية التي قام بها نشطاء الفيس بوك مطالبين بمقاطعة فيلمه، بينما يؤكد محمد السبكي منتج الفيلم... أن تلك الدعاية المضادة لم تؤثر في إيرادات الفيلم إلا بنسبة عشرة بالمائة، ولكن كلا من الممثل والمنتج يضحك علي نفسه قبل أن يضحك ويكذب علي الجماهير، لأن "القطنة" ما بتكدبش ، والقطنة هي الإيرادات التي تؤكد ضعف الإقبال علي مشاهدة الفيلم، ليس فقط بسبب دعوة الشباب بمقاطعته ولكن لسخافته وضحالته الشديدة، ولثقل ظل بطله الذي خدعه غروره فاعتقد أنه يمكن أن يكون كاتبا للسيناريو ومؤلفا للقصة أيضا! ولكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن! حكمة يجهلها البعض فتؤدي بهم إلي الهلاك ، بينما هم يبحثون عن النجاة! لو كانت الظروف قد سارت كما يتوقع طلعت زكريا، لكان فيلمه سعيد حركات"الفيل في المنديل"، هديته الجديدة إلي الرئيس المخلوع! فقد وضع فيه كل الإفيهات السخيفة والمبتذلة واللامنطقية، التي كان يمكن أن تساهم في زغزغة المخلوع، لو إنه كان قد بقي في مكانه، بل إن طلعت زكريا كان يعد لسيده السابق مفاجأة، حيث يقوم في نهاية الفيلم بتقديم التحيه العسكرية له، ولكن وأسفاه، فقد قامت الثورة وانقلب حال الدنيا، وطار مبارك من قصره في مصر الجديدة، إلي شرم الشيخ، انتظاراً لمحاكمته علي "كبشة" من الجرائم والخطايا التي اقترفها في حق شعبه!وبعد أن أيقن طلعت زكريا أن المخلوع مش راجع، وأن الثورة نجحت واستقرت رغم ماكان يأمله من فشلها، ورغم جهده الواضح في الإساءة لشبابها، لم يجد أمامه بداً، من نفاق شهداء الثورة، فأنهي فيلمه بتعظيم سلام لصورة الشهداء، علي طريقة اللواء محسن الفنجري! ولكن هل يكفي ذلك للتصالح مع الثوره، وهل يمكن أن ينسي أهالي الشهداء والجرحي ماقاله الممثل الهزلي في حق أبنائهم، ولاميت سلام يمكن أن ينسينا مافعله، وخاصة أن فيلمه جاء مشوهاً"الإناء ينضح بمافيه" ويدل علي نفس مرتبكة وعقل غير سليم! الأفلام السخيفة كثيرة، وقد تعودنا في الآونة الأخيرة، علي كم الهراء الذي يقدمه لنا مايطلقون علي أنفسهم نجوم الكوميديا، تعودنا ولكننا لم نستسلم، فمازال الجمهور المصري يحمل بعض الوعي، ولكن بدء موسم السياحة العربيه، كان أحد أسباب الإقبال النسبي علي فيلم "سامي أكسيد الكربون"رغم بواخته، فقد جاء في المرتبة الأولي في إيرادات شباك التذاكر، ولكن هذا ليس انتصارا، فقد حقق 563 ألف جنيه في أسبوع عرضه الأول، وهو رقم هزيل جدا ولكنه ثلاثة أضعاف ماحققه الفيل في المنديل! وهذا لايدل علي أن أحد الفيلمين أفضل من الآخر، ولكنه يدل علي أن الجمهور لم يعد يطيق مشاهدة طلعت زكريا بالمرة،ويفضل أن يرمي نفسه في براثن هاني رمزي! ماهوالناس لازم تشوف أفلام، والسينما لاتزال من أهم وسائل الترفيه! ورغم كل نداءات التحذير التي يوجهها الأصدقاء علي صفحه الفيس بوك، بضرورة مقاطعة فيلم الفيل في المنديل، إلا أنني بحكم المهنة أصررت أن أضحي بنفسي وأشاهده، وفوجئت أن حفلة السادسة في سينما نايل سيتي، ليس بها إلا أربعة أنفار وكنت أنا الخامسة، وانسحب اثنان بعد الاستراحه يبقي الباقي كام؟ حاولت أن أجنب مشاعري الخاصة، أثناء مشاهدة الفيلم، وبصعوبة شديدة فعلت ذلك وقلت لنفسي لعلي أجد فيه يبدد حالة الملل والضيق التي أشعر بها، ولكن في الحقيقة الفيلم لايترك لك فرصة أن تكون محايدا فهو يضعك في خانة الرفض منذ المشاهد الأولي، ويجب أن ألفت نظرك أن الفيل في المنديل من تأليف وسيناريو وحوار طلعت زكريا نفسه! وكأن الرجل أراد أن ينتحر مع سبق الإصرار، ويبدو أنه من إخراجه أيضا، لأن بصمات أحمد البدري غابت تماما عن الفيلم، حاتقولي ماهو البدري له أفلام سيئة لكن لم تكن بهذا السوء ولاهذا السفه! الحكاية تبدأ بعيل تخين وثقيل الظل اسمه سعيد حركات، غاوي مشاهدة مسلسلات الجاسوسية، ويحفظ تفاصيل وأحداث مسلسلي رأفت الهجان وجمعة الشوان، وعندما يكبر سعيد بركات يلازمه حبه للمسلسلات الجاسوسية، رغم أنه يعمل في مجال بيع الفاكهة والخضراوات، وفي محاولة مقيتة لاستغلال الأطفال يقدم السيناريو شخصية طفلة في العاشرة من عمرها "منة عرفة" لتلعب دور معلمة بلدي وتاجرة فاكهة، تهبط للحارة مع والدها وشقيقتها الكبري"ريم البارودي" وبعد عدة فواصل من الردح والغناء الشعبي المجاني يقدمه "بعرور" مع طلعت زكريا، تحدث قصة حب سريعة تنتهي بزواج طلعت من ريم البارودي التي يكتشف في الفرح أنها خرساء، وعملا بنظرية أن أفلام الكوميديا يمكن أن تقبل بالعبط ويخاصمها المنطق، يذهب سعيد حركات إلي مقر المخابرات المصرية، ليعرض خدامته، وفي نفس الوقت"شوف إزاي" تكون المخابرات دايخة علي عميل غير محروق لترسله في مهمة إلي إسرائيل، علي طريقة نادية الجندي في فيلم مهمة في تل أبيب! ويقوم مدير المخابرات يوسف شعبان باختيار سعيد حركات، وإرساله لإسرائيل! لن أشغل بالك بتفاصيل الحكاية فهي أسخف من أن تروي، ويكفي أني تعذبت لوحدي بمتابعتها، المهم في الموضوع أو السؤال الذي كان يتردد علي ذهني طوال مشاهدة الفيلم، هل كان يتصور طلعت زكريا والمنتج محمد السبكي أن مثل هذا الفيلم يمكن أن ينجح تحت أي ظروف! يعني لو لم تكن الثورة قد قامت واستمر الحال علي ماهو عليه، هل كان يمكن أن ينجح فيلم الفيل في المنديل؟ طيب هل لو كان طلعت زكريا قد قام بتأييد الثورة، وبات في الميدان ثلاثة أشهر مش 81يوما هل كان يمكن أن يقبل الناس علي هذا الفيلم؟؟ حا تقولي مافيه أفلام سخيفة كتير ورديئة ونجحت،حا أقولك بس مش للدرجة دي؟ هناك دائما الحد الأدني، الذي تصل الأشياء بعده للعبث! والذي زاد الطين بلة، هو هذا القبح المخيف الذي يقدمه الفيلم طوال الوقت، فقد بالغ مدير التصوير محسن نصر في استخدام اللقطات الكبيرة لوجه طلعت زكريا، ونظرا لزيادة البثور ورداءة الماكياج يتحول وجه البطل الذي يتصدر معظم المشاهد، إلي حالة مرعبة من القبح! مضافا إليها تسريحة الشعر التي ظهر بها طلعت زكريا، ولا أعتقد أن هذا النموذج من البشر يمكن أن تجده في أحيائنا الشعبية؟ وإن وجد أعتقد أن تصرفات الصبية معه قد تصل إلي الوقاحة! واضح أن طلعت زكريا أراد أن يقلد فيلم لاتراجع ولا استسلام"القبضة الدامية" الذي قدم فيه أحمد مكي، رؤية ساخرة"بارودي" علي أفلام الجاسوسية، وجاء نجاح فيلم مكي، مدعما بعدة عناصر، منها طرافة الفكرة، وخفة ظل ماجد الكدواني البطل الثاني في الفيلم، بالإضافة طبعا لقدرات ومهارات أحمد مكي المتعددة، التي تتيح له فرصة التنوع، في الأداء، أما التقليد الأعمي، الذي ينقصه الثقافة السينمائية، والحياتية فهو يؤدي حتماً إلي سعيد حركات!