28عاما علي تحرير سيناء كانت ثمرة رحلة طويلة من الكفاح المسلح.. الذي بدأ بالصمود بعد يونيو 67.. ثم حرب الاستنزاف.. التي أوصلتنا إلي نصر أكتوبر 73 وما أداه من مباحثات عسكرية ودبلوماسية.. انتهت إلي وصول قواتنا إلي خط الحدود الدولية في 25 أبريل 82.. ثم تحكيم طابا 15مارس 1989.. لتعود سيناء كاملة إلي حضن الوطن الأم.. مصر.. 28 عاما تستدعي بعضا من ذكريات الكفاح.. وما قام به الرجال
30يونيو 67.. 21يوما من وصول القوات الإسرائيلية إلي شرق القناة في 9يونيو و20يوما من رفض الشعب لتنحي عبدالناصر.. والبدء من 15يونيو في إعادة تنظيم القوات المسلحة، وتعيين قادة جدد لها.. رأس العش.. مساحة أرض قرب بورفؤاد.. لم تصل إليها القوات الإسرائيلية بعد.. فجاءت بكل غطرستها من دبابات وطائرات ومدفعية.. بحلم تحقيق الاستيلاء بسهولة.. فكل ما يقف أمام الغطرسة.. مجموعة من رجال الصاعقة.. قالوا ببساطة علي جثثنا في معركة أثبت فيها الفرد المقاتل المصري.. كفاءته في الدفاع عن الأرض والوقوف أمام أي قوات، مدعما بإيمانه بأرضه وقادته ونصره الذي هز العالم كله.. فها هي مصر ترفض الهزيمة في زمن لم يتصوره أحد.. فقد قال أحد الخبراء العسكريين الفرنسيين.. إن ما حدث للجيش المصري يحتاج إلي جيلين لتجاوزه.. وها قد بدأت بشائر النصر بعد 20يوما فقط.. فأغرب ما في موقع رأس العش.. أن مساحته هي 63 كم2.. بينما مساحة سيناء 63 ألف كم2.. فقد كانت رأس العش.. أول مشوار الألف ميل لتحقيق النصر.
قيل أن تنهي هزيمة 5 يونيو 67، شهرها الأول.. كان العدو قد شون كل أسلحتنا التي تركت في الانسحاب مهددا باستخدامها ضد أهلنا في مدن القناة.. وفي ليلة 8 يوليو يعبر إبراهيم الرفاعي ورفاقه ليدمر تشوينات الذخيرة التي استمرت تفجيراتها لمدة 8 ساعات كاملة.. في 14يوليو.. جاء الدور علي قواتنا الجوية لتعيد إثبات وجودها وتجاوزها أزمة الهزيمة لتهاجم تشوينات العدو علي مدي يومين في معركة لا تنسي. قبلها بثلاثة أيام في 11يوليو.. قرر العدو مواجهة السلاح الوحيد الذي خرج سليما من النكسة وهو سلاح البحرية.. فدبر كمينا بالفرقاطة (إيلات) وبعض اللنشات البحرية ونجح في ذلك بأن وضع لنشاتنا البحرية ما بين قطعه البحرية.. لكن رجالنا لم يقبلوا الهزيمة وتقدم أحد قادة اللنشات بعملية فدائية يصطدم فيها بقاربه في جسد الفرقاطة ويحدث بها عطبا قويا.. ليعود في 21 أكتوبر بعد 56 يوما من الهزيمة.. ليحاول فرض وجوده البحري في مياهنا الدولية بمحاولة الدخول إلي بورسعيد.. وواجهته زوارق الطوربيد المصرية وأغرقت (إيلات) أكبر قطع العدو البحرية.. في معركة غيرت استراتيجية المعارك البحرية في العالم..
في 8مارس 69.. بدأت قواتنا المسلحة.. حرب الاستنزاف التي لم يتحملها العدو لأكثر من عام ونصف، لجأ بعدها لطلب وقف إطلاق النار والذي تم في أغسطس 1970.. عامان فقط.. استطاعت قواتنا المسلحة أن تعيد إثبات وجودها في جبهة القتال.. لأنها في نظر رجالها.. كانت 27 شهرا، أي 810أيام.. أي 19 ألف ساعة أي أكثر من مليون دقيقة.. أي حوالي 70 مليون ثانية. فقد كان الرجال يسابقون الزمن للأخذ بالثأر.. وإعادة الأرض.. وتحرير سيناء وعودة مدن القناة لحياتها.. وعودة مصر لأمان قواتها المسلحة.. وآفاق السلام والتنمية.
عامان.. تم فيهما الكثير في 16نوفمبر 69.. بعد شهرين من إغارة العدو علي رادار البحر الأحمر. قامت قوات الضفادع البشرية المصرية بتلغيم وتدمير سفينتين عسكريتين.. علي رصيف ميناء إيلات الميناء الجنوبي للعدو وفي عقر داره.. في 6 فبراير 1970.. قامت الضفادع البشرية المصرية للمرة الثانية بتلغيم سفينتين عسكريتين إسرائيليتين في ميناء إيلات وإغراق إحداهما..
وقراءة سريعة لحجم أعمال التهجير للقتال والنصر.. توضح حجم ما بذله الرجال ليل نهار في سلاح المهندسين.. الذي قام بحفر وردم 24مليون متر مكعب خرسانة و2مليون متر مكعب حجارة ومليون ونصف مليون متر أسفلت، و15 ألف طن صلب لتنفيذ دشم الطائرات المصرية وخنادق بطول ألف كم، وألفي كم للمناورة وتمهيد طرق بين مواقع قواتنا بلغت 4 آلاف كم.. فضلا عن الساتر الترابي.. في غرب القناة الموازي لخط بارليف الإسرائيلي.
ومعارك الدفاع الجوي وصولا إلي أسبوع سقوط طائرات الفانتوم للعدو والوثبة القوية للوصول بقواعد الصواريخ إلي الجبهة، تمهيدا للعبور العظيم وآلاف عمال التراحيل الذين استشهدوا في بناء قواعد الصواريخ، في تحد لكل شراسة الطيران الإسرائيلي.
الثانية من بعد ظهر 6 أكتوبر 73.. كانت المفاجأة لكل العالم.. فالمتعارف عليه عالميا في كل حروب التاريخ.. إن أي هجوم عسكري، يبدأ مع أول ضوء من الفجر أو آخر ضوء من النهار.. أما أن يبدأ في منتصف النهار فتلك كانت مفاجأة المصريين. ومفاجأة طلمبات المياه التي حطمت خط بارليف بفكرة بسيطة اكتسبناها من خبرة بناء السد العالي وأذهلت العالم.. ومواجهة الفرد المقاتل لمدرعات العدو.. مما سبب لها الهزيمة والفزع في معركة تحدث لأول مرة في تاريخ الحروب يحقق فيها الجندي المصري مفاجأة شجاعة وبسالة المواجهة التي أوقفت أحد أذرع قوات العدو هي قواته المدرعة. وتحقيق كل الأزمنة القياسية.. في فتح ثغرات خط بارليف.. وتركيب المعابر وعبور القوات المدرعة.. والمواجهات الحاسمة. ودور القوات الخاصة من صاعقة ومظلات في وقف تقدم العدو وتعطيله.. ومعارك المدرعات الضخمة ثم تمثيلية العدو في محاولة الاستيلاء علي مدينة السويس في ثغرة جعلت قواته بعد أيام في أسر قواتنا.. وأصبحت ورقة تفاوض لإخراجها من مأزقها في مواقعها التي جعلت خطوط إمدادها، بعيدة لأكثر من 400كم.. ومحاصرة من قواتنا التي كان من الممكن أن تقضي عليها في ساعات. ثم المباحثات العسكرية.. وبعدها الدبلوماسية التي وصلت بقواتنا إلي خط الحدود الدولية في 25 أبريل 82.. ثم تحكيم طابا في 15مارس 1989 لتعود سيناء كاملة لمصر.. في حضن الأم.. تعود للتنمية والبناء والسلام والتعمير لتبقي دائما بوابة مصر القوية دائما.. عامرة بأهلها ورجالها.. محمية برجال القوات المسلحة.. درع حماية الوطن وحدوده دائما.