كان تصريح السفيرة الأمريكيةالجديدة في مصر حول منح الولاياتالمتحدة 40 مليون دولار تمويلا لنشطاء وأحزاب مصرية نذيرا بشن حرب سياسية من قوي كثيرة ضد الولاياتالمتحدة، علي اعتبار أن التمويلات أو المعونات التي تقدمها الولاياتالمتحدة لمؤسسات دعم الديمقراطية تدخل في الشئون الداخلية لمصر . وبحسب ما نشرته الوول ستريت جورنال فإن "آن باترسون" السفيرة الأمريكيةالجديدة في مصر قد تحدثت عن تخصيص 65مليون دولار للمساعدات المتعلقة بدعم الديمقراطية في مصر، وهناك 150مليون دولار لتشجيع النمو الاقتصادي، مضيفة أن 600 منظمة مصرية تقدمت بطلبات للحصول علي المنح المقدمة لمنظمات المجتمع المدني. المنظمات الأمريكية، مثل المعهد القومي الديمقراطي، والمعهد الجمهوري الدولي، تعمل في مصر علي تشجيع الديمقراطية ودعم وتنمية قدرات منظمات المجتمع المدني المصري في المرحلة المقبلة، كاشفة عن أن واشنطن أنفقت 40 مليون دولار لدعم أنشطة المنظمات الثلاث خلال الأسابيع الماضية. ونفت وجود شروط علي المساعدات، ولكنها اعترفت بربط المساعدات الموجهة للصحة والتعليم في مصر بجوانب وأهداف محددة مشيرة إلي أن الرقابة علي إنفاق المساعدات الاقتصادية في مصر تتم عبر برنامج المراجعة والمحاسبة التابع لمبادرة الشراكة الشرق أوسطية، ومكتب المراجع العام بالقاهرة، والاثنان لهما قواعد وإجراءات صارمة في المراجعة والرقابة. وطمأنت باترسون أعضاء لجنة العلاقات الخارجية علي قوة معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، مشددة علي أن استمرار هذه المعاهدة علي رأس أولويات الحكومة الأمريكية في المنطقة. فيما أكد رئيس لجنة العلاقات الخارجية السيناتور جون كيري أن أغلبية المصريين متفائلون بالمستقبل، فالغد أفضل من اليوم، وهناك حالة تفاؤل إيجابي كبير، رغم أن 40٪ من المصريين تحت خط الفقر، وزادت الهوة بين الفقراء والأغنياء خاصة بعد الخسائر التي لحقت بالاقتصاد إثر ثورة يناير، كانخفاض عدد السائحين وزيادة التضخم ونفاد الاحتياطي النقدي. ولأن الحذر هو سمة من سمات المراحل الانتقالية في أي دولة تمر بحالة مصر من نظام ديكتاتوري إلي نظام ديمقراطي وقد كان للولايات المتحدة سمعة سيئة في العديد من مناطق العالم التي تدخلت فيها علي هذا النحو مثل دول أوروبا الشرقية مرورا بأفغانستان والعراق . كل هذا معروف وهناك دراسات كثيرة رصدته ووثقته لكن هذا الاتهام بتلقي معونات وتمويلات تعدي الحدود وبدأت تستغله تيارات وأحزاب تصفي مشاكلها الداخلية بتوجيه اتهامات الخيانة والعمالة لخصومهم السياسيين . نجد ذلك في توجيه اتهامات بعينها لمؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والحركات الشبابية مثل 6 أبريل وأخيرا مرشحي الرئاسة مثل الدكتور محمد البرادعي وأيمن نور وأخيرا هشام البسطويسي . واستخدمت في هذه الحرب ما تم ترجمته من وثائق ويكيليكس التي تتحدث عن لقاءات جمعت معارضين ونشطاء مصريين بمسئولين أمريكيين وحديثهم قبل الثورة عن الإصلاح الديمقراطي وطرق المواجهة مع نظام مبارك ..ووقتها عمل جهاز أمن الدولة بكل طاقته لإلصاق تهمة الخيانة بكل مصري يتقابل مع مسئول أمريكي ويتحدثون عن مستقبل مصر وهو السلاح الذي أطلقه هذا الجهاز قبل سقوطه في يد الثوار لتشويه الثورة المصرية والمشاركين فيها ولعلنا مازلنا نتذكر مشهد الصحفية نجاة عبد الرحمن علي قناة المحور وهي تقول إن الموساد ومؤسسة فريدوم هاوس قد قاموا بتجنيد شباب التحرير وتدريبهم علي قلب نظام الحكم . إلا أن الأخطر في الموضوع هو لغة التخوين في مواجهة مؤسسات تدعم الإصلاح السياسي في مصر وهو ما حدث مع مؤسسات المجتمع المدني المصرية ونشطاء سياسيين ومرشحين للرئاسة رغم أن السفيرة الأمريكية تتحدث عن معونات قدمتها للمؤسسات المصرية في عهد النظام السابق ومن ضمنها بالمناسبة مؤسسات تتبع سوزان مبارك زوجة الرئيس السابق وجمال مبارك أمين السياسات بلغت في تقديرات عديدة أكثر من 30 مليون جنيه خلال العامين الماضيين وكانت تدخل عبر المجلس القومي للمرأة و جمعية شباب المستقبل. ويري الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل مرشح التيار السلفي في الانتخابات الرئاسية، أن الأمريكيين لا يريدون للثورة المصرية النجاح وحذر من محاولات الوقيعة التي ستستمر خلال المرحلة الراهنة والمقبلة وشدد علي أن واشنطن وحليفتها إسرائيل لن تقبلا بأي حال من الأحوال أن تتحول مصر لدولة قوية لأنها سوف تدخل مباشرة نحو القضايا التاريخية الفاصلة وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين المحتلة. فيما اعتبر المرشح الرئاسي حمدين صباحي تصريحات السفيرة الأمريكية بأنها تكشف النقاب عن رغبة جارفة لواشنطن لإفساد المناخ العام في مصر بعد الثورة مطالباً بالكشف عن أسماء الذين حصلوا علي معونة أمريكا وشدد علي أن المصريين الذين يقومون في الوقت الراهن ببناء دولتهم والانطلاق نحو المستقبل لن يقبلوا بأي حال بأن تتبع الإدارة الأمريكية سياستها القديمة في الوقيعة بين المصريين والبحث عن موالين لها عبر تلك المعونات. كما أرسل حزب الوسط، خطابا إلي السفيرة الأمريكيةبالقاهرة مارجريت سكوبي طالبها فيه بإصدار بيان عاجل بشأن التصريحات المنسوبة لآن باترسون السفيرة المرشحة لتولي المنصب خلال جلسة اعتمادها أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي مؤخرا، والتي أكدت فيها أن الولاياتالمتحدة أنفقت منذ ثورة يناير 40 مليون دولار لدعم الديمقراطية في مصر وأن 600 منظمة مصرية تقدمت للحصول علي منح مالية أمريكية لدعم المجتمع المدني . وشدد الوسط في خطابه علي ضرورة إعلان السفارة الأمريكية عن أسماء الجهات أو المؤسسات أو الأشخاص الذين حصلوا علي الأموال تفصيلا متضمنا قيمة ما حصل عليه كل منهم إعمالا لمبدأ الشفافية والتزاما بأحكام القانون المصري. وكشف المنسق العام للجنة الشعبية للدستور المصري محمود عبدالرحيم عن رفض أكثر من عرض من مؤسسة أجنبية لتمويل نشاط اللجنة كان آخرها قبل يومين في أعقاب إطلاق مسودة "دستور الثورة"، وبدء التحضير لحملة ترويج جماهيرية واسعة. وقال عبدالرحيم إننا رفضنا تمويلا أمريكيا في بداية عمل اللجنة بعد عرض تقدم به أمريكي من أصل مصري للمساعدة بتوفير دعم توفره المعونة الأمريكية، كما تم رفض عرض تقدمت به مؤسسة كندية لدعم الديمقراطية قبل أيام، انطلاقا من رغبة اللجنة في الحفاظ علي استقلاليتها والابتعاد عن دائرة الشبهات، أو محاولة التأثير علي نشاطها بأي صورة من الصورة. وأكد عبدالرحيم أن اللجنة اعتمدت من البداية علي الجهد التطوعي لأعضائها، ووجود تأييد واسع للمشروع في أوساط المثقفين والنشطاء، مكنها من توفير قاعات للاجتماعات التي امتدت لثلاثة أشهر بدون مقابل، سواء داخل نقابة الصحفيين أو بمقر حركة مصريون ضد التمييز الديني أو مؤسسة الهلالي للحريات أو المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني، وفيما عدا ذلك من نفقات كان يتكفل بها القائمون علي هذه اللجنة. وشدد علي أن التمويل الاجنبي خط أحمر للجنة، بل أن التمويل الداخلي كان مرفوضا أيضا، حتي لا تحسب مواقف اللجنة ومخرجاتها علي حساب أي تيار، خاصة أن لجنة الدستور سعت من البداية علي تأكيد مبدأ التوافق الواسع بين كل التيارات السياسية والفكرية، وعدم الانحياز لفصيل دون آخر، وضمان الاستقلالية الكاملة لعملها. ولفت إلي أن هذه المواقف من قبل اللجنة تدحض دعاوي القوي المعادية لمبادرة كتابة الدستور أولا، بشأن التمويل الاجنبي لمن يطالب بتحول ديمقراطي حقيقي يبدأ من التوافق علي عقد اجتماعي جديد تجسده الوثيقة الدستورية قبل الانتخابات التي تأتي في المرتبة الثانية حسب القواعد المتعارف عليها عالميا وحسب المنطق السليم لبناء مجتمع خارج للتو من ثورة، ويبحث عن دولة مؤسسات وتغيير ديمقراطي شامل، وليس عملية إصلاحية محدودة تبقي علي بنية النظام الفاسد المستبد أوتعيد إنتاجه بوجوه جديدة وبقوي رجعية تتحالف مع بقايا نظام ساقط. واعتبر عبد الرحيم الهجوم علي اللجنة ومسودة الدستور التي أطلقتها قبل أسبوع من قبل القوي الإسلامية فقط والتحريض ضدهما نوعا من الفاشية الدينية والانتهازية السياسية ومحاولة تضليل الرأي العام وإرباكه، وفي ذات الوقت فإن ترحيب المؤسسات الحقوقية بهذا الإنجاز والدعوات لاستقبال اللجنة في أكثر من محافظة دليل علي نجاح اللجنة في تحريك المياه الراكدة، وتدشين تيار يقوي كل يوم باتجاه الدستور أولا، والإيمان بأنه الخطوة الصحيحة لبناء مصر الجديدة، علي نحو يفشل مساعي التيارات الأصولية الواهمة في السيطرة علي البرلمان والانفراد بكتابة دستور رجعي يكرس للتخلف والديكتاتورية، وسعيها لتقرير مستقبل مصر وحدها واستبعاد كل القوي الأخري، بذات منطق النظام السابق وحزبه الفاسد المستبد، وعلي نحو يخالف منطق كتابة الدساتير أو بالأحري صياغة العقد الاجتماعي لأمة تتطلع للمستقبل وتقويض أركان الديكتاتورية. وبحسب تقارير (ويكيليكس) السرية خلال العهد السابق، واعترضت عليه وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا حينئذ، أما بعد الثورة فالوزيرة – التي ظلت في منصبها - كانت أكثر تحذيرا للأمريكان من الاستمرار في هذا الدعم المالي لمنظمات وجمعيات مصرية بصورة أشبه بالدعم الأجنبي الذي يخالف السيادة المصرية، وقد تحدثت صحيفة (الوول ستريت جورنال) الأمريكية الأسبوع الماضي عما قالت إنه مخاوف المسئولين في مصر مما وصفوه بالتدخل السياسي الأمريكي في الشأن الداخلي عبر تمويل الإدارة الأمريكية منظمات غير حكومية تعمل داخل البلاد، وقالت إن المسئولين المصريين شككوا في أهداف الولاياتالمتحدة من وراء تمويلها المنظمات غير الحكومية في مرحلة التحول الديمقراطي التي تشهدها مصر بعد سقوط الرئيس السابق حسني مبارك، معتبرين أن مثل هذا التمويل يضرُّ بأمن البلاد. أما الأكثر غرابة - والذي كشفته صحيفة وول استريت جورنال - فليس فقط وقوف أنصار هذه المنظمات المصرية المختلفة في طابور طويل أمام مكتب الوكالة الأمريكية USAID بالقاهرة للحصول علي أموال العم سام، وإنما تعمدت الوكالة الأمريكية تجاهل الحكومة المصرية الجديدة تماما فيما يخص اختيار من تعطيه المعونات المالية الأمريكية (وفق معاييرهم )، واستبعاد أي دور للحكومة المصرية ما أغضب مصر بشدة واحتجت عليه لأنه يمثل انتهاكا لسيادة مصر . ونقل للأمريكان عبر القنوات الدبلوماسية أنه إذا كان مقبولا هذا قبل الثورة لأسباب تتعلق بالعلاقة المريبة مع الرئيس السابق، فلن يقبله المصريون بعد الثورة وتحررهم من كل الإملاءات، واحتجت الوزيرة "أبو النجا" رسميا بالفعل لدي السفارة الأمريكية في القاهرة، مؤكدة أن تجاهل الأمريكان للحكومة المصرية يتناقض مع اتفاق 1978بين مصر والولاياتالمتحدة، الذي ينص علي أن جميع المساعدات الأمريكية يجب أن توجه من خلال الحكومة . ولكن الصحيفة الأمريكية زعمت أن (جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الإسلامية، فضلاً عن الشيخ حافظ سلامة زعيم المقاومة الشعبية بالسويس خلال الحرب مع إسرائيل يرفضون أنشطة الوكالة الأمريكية في مصر ودعمها ما يُسمَّي بالتحول الديمقراطي) وزعمت أن (أكثر المستفيدين من إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في سبتمبر هم الإخوان المسلمون وغيرهم من الإسلاميين) ولهذا تعارضها المنظمات التي تدعمها أمريكا. ولأن الهدف الأمريكي بات يركز أكثر علي التأثير علي الثورة ومحاولة تطويعها وإلا إفشالها، فقد بدأت التركيز أكثر علي الجمعيات التي تعمل في مجالات سياسية، وخلال جلسة تعيين السفيرة الأمريكيةالجديدة في الكونجرس، قالت باترسون إن المنظمات الأمريكية، مثل المعهد القومي الديمقراطي، والمعهد الجمهوري الدولي، التي تعمل في مصر علي تشجيع الديمقراطية ودعم وتنمية قدرات منظمات المجتمع المدني المصري في المرحلة المقبلة تم دعمها ب 40 مليون دولار خلال الأسابيع الماضية. وهذا بخلاف تخصيص 65 مليون دولار للمساعدات المتعلقة بدعم الديمقراطية في مصر، و 150 مليون دولار لتشجيع النمو الاقتصادي، فضلا عن تكثيف زيارة المسئولين في هذه اللجان الأمريكية لمصر لدعم هذه البرامج والخطط مع المنظمات المصرية المتعاونة إلا أن هناك بعض المنظمات الحقوقية اعتذرت عن عدم قبول المساعدات الأمريكية، معتبرة أنها تؤدي إلي "تخريب المجتمع المدني "وقال جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إن بعض المنظمات التي تلقت مساعدات أمريكية بعد ثورة 25 يناير، كانت تتلقي دعما أمريكيا مماثلا أثناء حكم الرئيس السابق، وكان لها دورها في مساندة نظامه وتسويغ ممارسات أجهزته طول الوقت. إلا أن سعيد عبدالحافظ مدير ملتقي الحوار للتنمية وحقوق الإنسان يري أن الحديث عن المنح التي تقدم لمنظمات المجتمع المدني استغلت لتصفية حسابات بين قيادات حزبية وقيادات في حركات الشباب مؤكدا أن الأموال التي تحدثت عنها السفيرة الأمريكية كانت في الماضي وخلال النظام السابق أما بعد الثورة فلم يقدم كل هذا المبلغ بالتأكيد للمنظمات المصرية موضحا أن التمويل الأمريكي أو الأوروبي لهم قواعد صارمة في عدم منح الأحزاب السياسية أي تمويلات مشيرا إلي أن هيئة المعونة من أقصي جهات المراقبة والمتابعة في العالم ويجب أن يتأكد مراقبو حساباتها من كل دولار تم إنفاقه في الجهة الصحيحة حتي لا يتوقف المشروع أو تتخذ المعونه قرارا بعدم التعامل معه مرة أخري . وأشار عبد الحافظ إلي أن السيد البدوي رئيس حزب الوفد استغل هذه الهجمة الشرسة علي المنظمات من أجل تصفية حسابات مع خصومه السياسيين داخل الحزب وهو ما استغله في التصعيد عبر جريدة الحزب ضد التمويل الأمريكي للمنظمات رغم علم الجميع أن هذه الاموال تم ضخها قبل الثورة وليس بعدها .