مرور 18عاما علي رحيل إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي فإن فتاواه وأحكامه في العبادات مازالت خالدة يتناقلها الناس علي اختلاف أعمارهم وثقافتهم، فلقد خاطب الإمام الراحل كل العقول ومختلف الأفهام بسحر بيانه الذي جذب إليه الجميع علي مائدته الشهية العامرة بعلوم الدين وعظمة التشريع. ومع حلول عيد الأضحي المبارك الذي سيحتفل به العالم الإسلامي بعد عدة أيام، نسترجع بعضا من تراث هذا العالم الجليل حول أحكام وفتاوي ورموز الحج. عندما سئل (رحمه الله): • هل كان الحج موجودا قبل الإسلام؟.. أجاب: - بدا واضحا أن قصة إبراهيم مع البيت في قوله تعالي: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا)، فالأمر لإبراهيم واضح من أن الحج أذن فيه فعلا، وإبراهيم بدأ فعلا، وهذا كلام صادق، إلا أن قول الله إذا أردنا أن نفهمه بعمق، فقد أمره الله أن يرفع القواعد.. ومعني رفع القواعد أن البيت كان موجودا، وقد طلب منه الله رفع هذه القواعد، والرفع يتعلق بالبعد الثالث الذي يعطي حجما لا مساحة، وما دام الله قد قال في البيت كلاما عاما في غير إبراهيم في قوله تعالي: (إن أول بيت وضع للناس ببكة مباركا وهدي للعالمين)، (تاريخ البيت العتيق) وما دام وضع للناس من بداية وجود الناس، وما دام كان له بيت كان له حج، والذي يقول الحج من أول إبراهيم، ووجود البيت كذلك من أول إبراهيم، فكلام غير دقيق، يكون المفهوم الصحيح وجود البيت من زمن قديم، وحجه كذلك من زمن قديم، ولكن جاء إبراهيم ليجدد بناءه هو وابنه إسماعيل ويقيم دعائمه من جديد: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل)، كما قيل إن الملائكة هي التي بنت بيت الله الحرام. • ما هي كيفيات تأدية الركن الخامس في الإسلام(الحج)؟ - للحج ثلاث كيفيات: أولا "الإفراد"، وهو أن ينوي الحج منفردا، فإذا ما انتهي من أعمال الحج وتحلل التحلل الثاني أحرم بالعمرة، ولا هدي عليه.. الثاني: "القران"، وهو أن يحرم بالحج والعمرة بنية واحدة، وإحرام واحد، وطواف واحد، وسعي واحد، وحلق أو قص واحد، ويجب عليه هدي عند التحلل من الإحرام. الثالث: "التمتع" وهو أن يحرم بالعمرة وحدها، فإذا انتهي منها تحلل، ثم ينوي الحج يوم الثامن من ذي الحجة، ويجب عليه هدي بعد التحلل من إحرام الحج.. (إلا حج الفرض) • هل يجوز للمرأة الحج بغير إذن زوجها؟ - لا يستحب للمرأة أن تستأذن زوجها في الخروج إلي الحج الفرض، فإن أذن لها خرجت، وإن لم يأذن لها خرجت بغير إذنه لأنه ليس للرجل منع امرأته من حج الفريضة لأنها عبادة وجبت عليها، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولها أن تعجل به لتبرئ ذمتها، كما لها أن تصلي أول الوقت وليس له منعها، ويلحق به الحج المنذور لأنه واجب عليها كحجة الإسلام، وأما حج التطوع فله منعها منه. • هل يجوز حج الولد عن أبيه؟ - سأل أبوذر الرسول صلي الله عليه وسلم فقال: أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن "السفر"؟.. فقال له: "حج عن أبيك واعتمر".. وسأله صلي الله عليه وسلم رجل قال: هلك أبي ولم يحج أفحج عنه؟.. قال (صلي الله عليه وسلم )" أرأيت لو كان علي أبيك دين فقضيته أيقبل منك؟.. فاحجج عنه"، وهو يدل علي أن السؤال والجواب إنما كان عن القبول والصحة لا عن الجواب. (القرض بفوائد حرام) • وهل يجوز أداء فريضة الحج عن طريق القرض بفائدة من البنك.. أم أن هذا يتنافي مع شرع الله؟ - إن الحج من حساب البنك والمشروط بفائدة حرام.. حرام.. حرام، ولابد أن يكون من مال حلال، فلا يتقرب إلي الله بالمعاصي.. وقديما قال الشاعر: إذا حججت بمال أصله دنس.. فما حججت ولكن حجت العير. • هل هناك صلة بين معني كلمة (الحرام) في قوله: (البيت الحرام) و(الشهر الحرام).. أم أن كلا منهما له مدلوله الخاص؟ - إن معني قوله: "البيت الحرام" أن الله جعل البيت حراما.. وجعل الأشهر الحرم لإرضاء الغرور البشري، فللنفس البشرية غرور يغذيه الشيطان دائما فيجعلها تأبي الرجوع إلي الحق، ويجعلها تريد أن تستبيح حرم غيرها وحقوقه، ومن هنا كان البيت الحرام أمنا للناس عسي أن ترتدع النفس عندما يلجأ الإنسان إلي بيت الله.. وجعل الأشهر الحرم لا قتال فيها عسي الإنسان أن يبتعد عن شرور الحرب، وينعم بالسلام، إذا أحس بنعمة السلام وكان الله سبحانه وتعالي برحمته حريصا علي أن يتم ذلك دون إهدار للغرور البشري. (في الأشهر الحرم) وبذلك يستطيع الإنسان الذي يريد أن يوقف القتال أو يوقف خصومه أن يقول إنه فعل ذلك إجلالا لله سبحانه وتعالي، وهكذا شاءت رحمة الله عندما يفتح باب التوبة، أن يحفظ للإنسان ماء وجهه وغروره، وأن يجعلها عملية سهلة علي النفس وليست صعبة. وكانت لذلك هذه المشيئة تسهيلا للتوبة وترغيبا فيها، من ثم كانت الأشهر الحرم راحة وتوفقا عن القتال يثبت خلالها الرغبة في السلام، ولكن الله سبحانه وتعالي لم يشأ أن يجعلها خضوعا لعدو يقاتلك، فهو لم يأمر "مثلا" خلال الأشهر الحرم بأن نلقي سلاحنا ويأتي أعداؤنا ليقتلونا، فنقول لهم لن نقاتل لأننا في الأشهر الحرم، لأن الله تعالي قال: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتي يقاتلوكم فيه.. فإن قاتلوكم فاقتلوهم)، وقال تعالي: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل) (مكانة الحجر الأسود) • ما هو المعني الإيماني لوجود الحجر الأسود، ولماذا توجد عليه آثار أقدام، وهل هي مجرد آثار أقدام إبراهيم علي الحجر، وما قيمة حجر عليه آثار أقدام؟ إن المعني الذي أراده الله سبحانه وتعالي بإبقاء هذا الحجر في مكان مقدس، هو معني إيماني كبير، فالله قد أمر إبراهيم (عليه السلام) بحجر ووقف عليه.. لماذا؟ ليرفع البناء أكثر قليلا مما كلف به من بناء البيت، وكان ينقل هذا الحجر من مكان لآخر ويقف عليه ليكمل البناء، وهنا يأتي المعني الإيماني، وهو أن الإنسان المؤمن لا يكتفي بالتكليفات، بل يزيد عليها، ومن هنا حاول إبراهيم أن يزيد من هذه التكاليف، وكذلك نجد أن الركن الوحيد في الإسلام الذي يكتفي كثير من المؤمنين بالفريضة فيه هو الحج، فالمفروض أن الحج مرة واحدة في العمر لمن استطاع إليه سبيلا، ولا يمنع من تكرار الحج أكثر من مرة إن استطاع المؤمن إلي ذلك سبيلا. (الحج ومحو الذنوب) • هل يستغفر الإنسان من كل ذنب بالتخصيص علي حدة.. أم يستغفر من ذنوبه جميعا علي العموم.. وما مدي صحة القول إن الحج يمحو الذنوب جميعا، إذ يرجع الحاج كيوم ولدته أمه؟ - لا بل يستغفر من كل ذنب علي حدة، ولكن ساعة تذكر الذنب بخصوصه، وساعة لا تذكر الذنب تستغفر من كل ذنب، وكلما بكيت علي ذنب أصبح حسنة، فكل من يؤلمه ذنبه فيذكره بألم وندم يكون حسنة، وهذا هو معني يبدل الله سيئاتهم حسنات، ولكن يجب الفهم أن الله يغفر بالحج الذنوب المتعلقة به، أما الذنوب المتعلقة بالعباد فلابد من استبراء العباد، أما ما لا يذكره مما فعل في حق العباد فقد علمنا أن نقول: "استغفر الله العظيم لي ولوالدي ولأصحاب الحقوق علي". • حكم من يعمل في السعودية، ويأتي عليه زمن الحج فيؤدي الفريضة لكنه لم يذهب للأراضي المقدسة بقصد الحج أساسا؟ - حجه صحيح، ولكونه ذهب للعمل لا يتعارض مع صحة حجه، لأن الحج لا يقوم إلا بمنافع، لقوله تعالي:(ليشهدوا منافع لهم) (أفضل الأضاحي أغلاها) • هل يجوز الاشتراك في الأضحية؟ - أمر رسول الله (صلي الله عليه وسلم ) بسبعة من أصحابه كانوا معه فأخرج كل واحد منهم درهما فاشتروا أضحية، فقالوا: يارسول الله لقد أغلينا بها، فقال النبي (صلي الله عليه وسلم ): "إن أفضل الأضاحي أغلاها وأثمنها"، فأمر رسول الله (صلي الله عليه وسلم ) فأخذ رجل برجل ورجل برجل ورجل بيد ورجل بقرن ورجل بقرن وذبحها السابع وكبروا عليها جميعا. نزل هؤلاء النفر منزلة أهل البيت الواحد في إجزاء الشاة عنهم، لأنهم كانوا رفقة واحدة. • حكم من عزم علي الحج، وتقدم فعلا للقرعة، لكن لم تصبه.. هل له ثواب؟ - لا شك أن له ثوابا علي نيته، ولكنه لا يعدل ثواب من أدي الفريضة، وعليه مادام مستطيعا أن يتقدم للقرعة كل عام، لعل الله أن يجعل له نصيبا في أداء الفريضة.. • هل يجوز للمرأة الحاجة إنابة الزوج في رمي الجمار تفاديا للزحام؟ - يجوز أن تنوب عن زوجتك في رمي الجمار، ولو لم يكن الطريق مزدحما. • ما هو لبس المرأة في الإحرام؟ - الملبس العادي للمرأة هو لبس الإحرام. • هل تكرار الحج وفيه مزاحمة لمن لم يحج مكروه، وبأن التصدق بتكاليف الحج المكرر أكثر ثوابا عند الله؟ - أكبر دليل علي خطأ هذه الفكرة أن أكثر الحجاج هم العوادون.
