عزّ عليّ ياصديقي أني أرسلت إليك تورتة ميلادك وأنت في الأسر. كنت أود لو أن الظروف أفضل لأمازحك : كل سنة وأنت طيب أيها "العجوز" فتعاجلني بردك: فشر العجوز دا انت، وتبقي إيه فايدتها سفرياتي لفرنسا وألمانيا، وحقن تجديد الشباب والحيوية؟!.. ولأني أعلم أن أحاديث الغرام والمتعة تسعدك فأقول: طيب ما أنا كمان ما حرمتش نفسي من نفس الهرمونات، وسني بالضبط زي سنك، لكني مش عارف انت إيه سرك؟.. وبسخرية وزهو تقوللي: البزنس الكثير لدع كهربة مخك، والعداد عندك قلب بدري، لكن أنا مهمتي مع الشعب بتاعي سهلة، لأنه أطيب شعب ممكن تتعامل معاه ومش عايز أقول حاجة تانية فلمسة تواضع، مع كلمة حلوة تجعله أسيرك، ويصير طوع أمرك ونصيرك.. لكن طبعا دي المرة الوحيدة اللي أكيد حتقوللي إن عمرك ما كنت تتخيل أن الشعب ده ممكن يباغتك، وبالطريقة الجبارة دي ينقلب ضدك.. ومن ناحيتي، فأنا مثلك: كنت أشعر بالأمان لاستمرار الحال سنين طوالا، ولم ننتبه لجيل النت ودنيا الافتراض والخيال، لكننا بعد الصدمة، لازم نعترف إننا في كارثة وورطة ومسألة حياة أو موت: فإما أن تنجو ويعود الفساد لنرجع للنعيم وحياة الآلهة والأسياد ، وإما أن ينتصر الشباب الثائر والمستقبل الطاهر، ويكون لنا الموت والذبول أو علي الأقل فضائح الأفول.. لهذا أعدك: لن يهدأ لي بال ومعي شخوص ودول كثيرة عربية وغير عربية حتي نخلصك ونخلص أنفسنا من هذا الكابوس؟!.. (1) إنني أراهن علي تلك الدول بجانب رجالك والمنتفعين بممارسات ولديك من أجل إجهاض ما فعله الشعب ضدك.. فهي مثلنا، لا يهمها هذا الشعب في كثير أو قليل، وهي دول مستعدة لفعل أي شيء للحفاظ علي تفوقها علي بلادنا، أو علي الأقل قتل روح الثورة المتصاعدة ضد الاستبداد بالمنطقة.. والجميع يحاول فعل المستحيل من أجل استمرار منهجك وبقايا نظامك، وقد أصبح ذلك هو الاحتمال الوحيد المتبقي، بعد أن تأكدوا من أن عودتك الشخصية مستحيلة.. إنهم غاضبون تماما لسقوطك.. فأنت لا تعلم كم كانوا يقدرون الدور الخطير الذي لعبته أنت وأسرتك لصالحهم.. ولم تكن أقصي أحلامهم لتصل ولو لجزء علي المائة مما حققته لهم.. إنهم حتي لم يتصوروا أن هناك من يمكن أن يفعل ما فعلته ضد إرادة ومصلحة شعبك من أجلهم! هم يعلمون جيدا أن كل همنا هو ما يدخل جيوبنا الشخصية، وليس ما يعود بالمصلحة علي الشعب، وهم يسعدون بذلك أكثر من سعادتنا نحن.. فكانوا يشجعوننا علي المزيد من الإثراء الشخصي وزيادة إحكام القبضة علي السلطة مع احتكارنا للمزيد من الثروة لأنفسنا، علي أن نقدم لهم ما يحتاجه اقتصادهم وتقدم دولهم من الطاقة ومن ثرواتنا الأخري بتراب الفلوس، بينما هم في المقابل يبيعون لنا ما يدمر ويقزم بلادنا، ويسهم في حرمان شعبنا من الحياة الحرة الكريمة.. فهم يرتعدون مثلنا من مجرد احتمال يقظة هذا الشعب العملاق، والأهم من كل ذلك أنهم يؤججون ويفككون المنطقة كهدف استراتيجي دائم لهم.. ولو قام أحد غيرنا بغير مايريدون لأقاموا الدنيا ضده ولم يقعدوها حتي يغرقوه بسهام الفضائح وسيوف الإعلام والقتل المعنوي الأكيد. (2) لا أنسي صيف 6002 يوم أرسلتني في مهمة سرية إلي تل أبيب لمحاولة وقف إطلاق النار بينهم وبين حزب الله، وكان قد مر وقت ظننا أنه كاف لأن تسحق فيه إسرائيل الحزب، لكنه فاجأ الجميع وفضح وهم التفوق الذي يصدع به الإسرائيليون رؤوسنا، وأصارحك القول إنني حزنت عندما تذكرت قولك يوما ما: هل أضع رأسي في فم الأسد؟! لقد كان ذلك مبالغة وسقطة سياسية تحمل معني الضعف والإهانة لمصر كلها، وتبدو وكأننا نسينا انتصارنا الساحق السابق عليهم.. وقد أثبت حزب الله بدحره ذلك العدوان أن إسرائيل أسد من بلاستيك، منفوخ بهواء أمريكي فحسب،..وبالرغم من انكسار الإسرائيليين أمام بسالة اللبنانيين فقد لمست تقديرهم لسياساتك ولدعمك لهم بالعداء لحزب الله.. وتأكدت أنهم يكنون تقديرا خاصا للمشروعات المشتركة لي ولك معهم ويعتبروننا رجلي التطبيع الأولين ، لكن المقابل لذلك يقتصر للأسف علي الدعم الشخصي لك ولنظامك ولترتيبات التوريث من أجل استمرار نفس النهج المؤدي بمصر للمزيد من التراجع والانحسار. ورغم مثل هذه المهام السرية الكثيرة التي تكلفني بها، فإن معظم المصريين لا يعلمون الكثير عني، ولا عن حجم العلاقة القوية للغاية بيننا، إنهم لا يعلمون أنك تأتمنني أكثر من أفراد أسرتك أو أي شخص آخر في حياتك، لم لا وقد كنت الستارة التي صدت عنك منذ مايقرب من أربعين سنة كل أنواع الهجوم والتحقيق والتشكيك في مصادر تعاملاتك وعمولاتك، فقد تحملت وحدي التحقيق في أمريكا في فضيحة عمولات السلاح التي شاركنا فيها صديقا لك وأحد أقربائك.. كما أنني أقوم بدور الواجهة في كل مشروعاتنا المشتركة في مجالات تصدير الغاز أو تحلية المياه أو القري والمنشآت السياحية سواء في مصر أو في إسرائيل أو في دول الخليج أو أوروبا وأمريكا.. ومؤخرا كنت مصدر الثقة الوحيد الذي أوكلت إليّ التعاون مع العديد من أجهزة الدول المتعاطفة معنا لنقل وإخفاء مئات المليارات التي نملكها سويا الي جهات أكثر سرية وأمانا.. (3) في علاقاتك الخاصة لا يعلم الناس عنك الكثير فأنت تعشق العمل السري، وكل الذين تقربهم منك بشكل حقيقي هم من رجال أجهزة العمل السري الحاليين والسابقين علي حد سواء، وأقرب السياسيين إليك في الحكم كان رجل المخابرات السري، الذي تقلب في مختلف المناصب السياسية والقيادية الكبري، والقليلون هم من كانوا يعلمون أن سر استمراره بجوارك أكثر من أي شخص آخر أنه المختص بشئون التعامل الذكي في شئون المرأة، وقد أصبح خبيرا متمرسا في فهم النساء.. وعلمتني صداقتنا الطويلة أنك محب جدا للدنيا وللطبيعة وللمرأة.. أعرف أن للرجال في عشق النساء مذاهب! وأعرف أكثر أنك حتي في الحب تفتنك السرية ولغة الغموض وسحر العيون.. لقد أدركت أنك معجب لحد العشق بدراما المخابرات والجاسوسية وما تضمه من نجمات بارعات في الجمع بين الجمال الصارخ والمهارة في أدوار التخفي والكتمان والتمويه.. وكنت قد تذكرت فجأة ما سبق أن قلته لي خلال سهرة قديمة بديعة _ لا أتذكر إن كانت حلما في منامك أم تنجيما لقارئة فنجان _ أن هاتفا قال لك إن نجمك الصاعد لن يستمر طويلا إذا بقيت بجوار مياه البحور البيضاء أو البساتين الخضر حول إحدي القنوات.. فحبيبة قلبك ياولدي تسكن في قصر مسحور، يقبع في حضن خليج هادئ توحي مياهه بدرجات الألوان الحمراء.. ومن صفات الحبيبة ياولدي تشابه يجمعها بزرقاء اليمامة.. ولم أنس هذه النبوءة أو الحلم إلي أن أوحي لي كرمك الزائد معي بمنحي ملايين الأمتار من أجمل الأراضي علي مياه الشرم بفكرة ربما تسعدك، ولم أجد هدية تحقق ذلك أكثر من القصر المسحور المترامي الأطراف في واحدة من أجمل بقاع الدنيا.. وستجد فيه ما يسر قلبك ويسري عنك في أي وقت تشعر فيه بضغوط الحياة أو بكلمات حسد أو نقد أو حقد من كارهيك.. أو الغيورين منك! (4) لم أفهم كم الدهشة والاستغراب وربما الحقد الذي انتاب الكثيرين عندما جاء ذكر اسمي في عملية نقل أثاث وتحف لبعض الأفراد من أمراء دولة خليجية.. وقالوا إنني وأسرتي ممنوعون من التصرف في أموالنا السائلة والمنقولة والعقارات وغيرها.. وتداول الناس والإعلام القصص والحكايات والتقديرات الخرافية لقيمة هذه المنقولات.. مرة تتراوح بين مئات الألوف من الجنيهات ومرات تتزايد حتي تصل لعشرات الملايين من الجنيهات.. ولم يفهم أحد سبب طول مدة التحقيقات ولا أي قانون يطبقون.. وعندما قرروا أخيرا أنها تخص الأمراء وسمحوا لهم بنقلها.. احتفظوا بأشياء خاصة جدا كالصور والأوراق الشخصية والعائلية.. فكيف يعترفون بملكية الأمراء للمنقولات ثم يتحفظون علي جزء منها.. هل يطبق القانون أم يراعون الخواطر أم أنهم لايسيرون علي شيء واضح للجميع.. فما الذي تغير إذن؟! إن كل شيء مازال ممكنا في مصر.. لقد هربت أنا وهرب غيري مبكرا، وكان هناك عذر للسلطات لعدم التنبه وقتها.. لكن للآن مازال يهرب الكثيرون وهم مشاهير ومعروفون للجميع، فكيف يهربون إلا إذا كانت هناك جهات قوية تملك القدرة علي التحدي ومخالفة القانون، بما يوحي للناس مرة أخري أن القضاء علي الفساد صعب، وهو بالفعل صعب، لكنه ليس مستحيلا.. فحتي المنحرفون قابلون للاصلاح والاخلاص صدقوني.. واسمحوا لي أن أعطيكم خبرة رجل مجرب قد لايلتقي أحد به في مصر ثانية.. إن سياسة البين بين.. أو عدم وضع سياسة محددة يحترمها الجميع من الأساس تؤكد أنه لن يحدث تغيير حقيقي في مصر.. فسياسة ردود الأفعال طبقا للظروف التي يجرنا إليها الآخرون لن تحقق تقدما لمصر.. والأمثلة كثيرة سواء مما مرت به دول فاشلة أو ما مررنا به نحن وتأكد لنا أنه لا يؤدي لتقدم للأمام أبدا.. فنحن نعيش في أزمات منذ ثورة 2591 بسبب عدم تحديد السياسات والتشريعات والقوانين والأخلاق والقيم التي يتفق عليها المجتمع.. ثم نطبقها علي الجميع الرئيس والوزير قبل الخفير.. أي باختصار نكون دولة قانون، عدالة، حرية، تكافؤ فرص، وأخلاق يسير عليها ويحترمها الجميع.. وإنني أضمن لكم إذا وصلت مصر لهذا سيتراجع الانحراف والفساد فيها لأقل المعدلات، وستنهض بلادنا من عثراتها التي طالت واستفحلت وجعلت الأجداد والآباء وحتي الأبناء يشعرون باليأس وغياب الأمل في التقدم وتحسن حياة الناس، لذلك نجحت الثورة والتف حولها الجميع. (5) أعود إليك ياصديقي وأعترف لك أنني لا أنام، ولا أعرف إن كانت هذه حالة تأنيب ضمير أم خوف من المجهول.. وإلي أن تستقر نفسي وضميري علي شعور واضح أتمكن بعده من اتخاذ قرار أقول لك: إنني لا أعرف إن كنا سنلتقي ثانية.. وهل سأعود لمصر أم أظل بقية حياتي مطاردا في الغربة.. ولا أعرف أيضا إن كنت أنت ستنجو من التحقيقات التي يبدو أنها قد تقود إلي الإعدام أو إلي السجن لسنوات طويلة.. فإنني أخشي علي مصير المبالغ الهائلة التي قمت بتهريبها لحسابي وحسابك.. وقد بلغنا أنت وأنا من العمر عتيا، ولم يقصر القدر نحونا، فهل هناك تحذير وتنبيه أقوي من هذه المأساة التي نمر بها؟ هل هناك من تذكير أوضح من ذلك باقتراب الخاتمة.. هل نترك مئات المليارات تضيع علي مصر وشعبها.. إنني أفضل أن نعترف بجريرتنا ونعيد هذه الأموال لتستخدم في الخير بدلا من ضياعها لدي غير المستحقين.. وبالمناسبة فإن الحرج من الاعتراف لن يغير من الأمر شيئا فقد علم كل شعب مصر أننا أخطأنا وأننا سرقنا ونهبنا وظلمنا وكذبنا.. لكن باب الصفح أوله إعادة الحقوق لأصحابها.. فما رأيك؟!