ياه علي الفن عندما يلقي بثقله في مضمار السياسة.. فيوضح ويفسر قضية ما .. يصل بنعومة إلي قلب الحقيقة.. فيستقبلها الناس بوعي من لم يلقوا في وجوههم آراءهم الجامدة الباردة.. التي برع السياسيون في صياغتها في صورة كذبة تلبس خداعا ثوب الحقيقة فيحترق بها العالم.. كانت البداية رسالة علي بريدي الإلكتروني من النائب السابق محمد أنور السادات ينبهني فيها إلي دور الفن في تصحيح صورة المسلمين والإسلام أمام الرأي العام العالمي التي شوهتها حادثة11 سبتمبر وانفجار البرجين الشهيرين لمركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك.. وما تلا ذلك من استخدام تلك الحادثة لوصم الإسلام ودمغه بالإرهاب والتخلف وكل شرور العالم. وبدأت أمريكا في جني ثمار تلك الحادثة.. التي لم تفك طلاسم أسرارها حتي اليوم في غزو أفغانستان ثم العراق من بعدها.. وما تلا ذلك من كشف حقائق المؤامرة التي حيكت ضد بلد عربي بسرقة بتروله وتاريخه والقضاء علي قوته العسكرية التي كانت ثاني قوة عسكرية يعمل لها الكيان الصهيوني ألف حساب لذلك (وجب تدميره). نعم هي مؤامرة دفع ثمنها المسلمون والعرب.. ثمنا قاسيا من أمانهم وحريتهم.. خطة شيطانية.. رسمت ببراعة سوف يكشف التاريخ مجرميها في يوم ما ولكننا نعيش اليوم.. ومعاناتنا معاصرة لم تدخل مقبرة التاريخ بعد. نعم وصم الإسلام بكل سيئة تخطر لك علي بال.. وارتبط في أذهان الأمريكان والأوربيين بالشر وسوء النية والقسوة وقبل كل ذلك.. القتل باسم الدين وحولوا كلمة »الجهاد« التي تعني عندنا الدفاع عن الدين وعن الأرض والعرض إلي كلمة »بذيئة« مجرمة تدعو إلي اغتيال الأبرياء . بقلب بارد باسم الدين الذي كان أول تعاليمه هي الرحمة وأن الله لايفرق بين أحد وآخر إلا بالتقوي، ولكن.. لضعفنا وعجزنا.. وسوء إعلامنا كانت هذه الفكرة هي المسيطرة علي أذهان العالم.. وجاءت حادثة 11 سبتمبر لتؤكد تلك الآراء ومن ثم انتهزتها السلطة الأمريكية لتروع المسلمين .. المواطنين الأمريكان الذين حصلوا علي جنسيتها بعد أن عملوا سنين طويلة وأثبتوا الولاء للدولة التي أعطتهم الفرصة والنجاح الذي عصي عليهم في بلدهم الأم. نسيت كل شيء في لحظة وألقت في أول (صفيحة زبالة) تاريخها ودستورها واستوردت كل ممارسات الحكومات الشمولية من قمع وتنكيل وتعذيب ومصادرة الحقوق الإنسانية والقانونية علي العرب والمسلمين.. وجاراها في ذلك رأي عام أمريكي وجد في جريمة 11 سبتمبر.. دليلا دامغا علي ما كان يلقيه علي مسامعه في وسائل إعلام (سيطر عليه يهود وصهاينة وأمريكان أكثر تعصبا من الصهاينة أنفسهم)، من أن العربي ماهو إلا إرهابي متخف في صورة شيخ ورع أو امرأة مقهورة تحت »حجاب« فرض عليها قسرا وحرمها من كل حقوقها الإنسانية!! هكذا كانت الصورة ولم نفعل شيئا لتصحيحها إلا بالصراخ أو الدموع أو الانكفاء علي الذات متقبلين حكم الغرب علينا. وعاني المقيمون في تلك البلاد كل أنواع الذل والهوان والرفض الاجتماعي لهم.. بل والتعدي عليهم قولا وفعلا وقطع الأرزاق ومهاجمة دينهم علنا بأسوأ الألفاظ ومهاجمة مساجدهم.. والاعتداء علي حجاب نسائهم.. و.. و.. ولم يفعلوا شيئا حتي جاء هذا الفيلم الرائع »أنا اسمي خان« هذا الفيلم الهندي الذي قال كل شيء وعّري وفضح كل شيء.. ومس القلوب وصحح المفاهيم وأدان المجتمع الأمريكي بجهله وسوء إدارته وعنصريته التي فضحتها حادثة 11 سبتمبر!
قيل الذي سمع ليس كمن رأي.. نعم سمعت عن الفيلم كثيرا وقرأت ما كتب عنه .. واشتريته بالفعل اسطوانة DVD ربما أو غالبا مسروقة ولكن بدافع من الفضول.. حصلت عليه. ووضعته علي الطاولة أمامي أسبوعا. ثم جاءت الرسالة الإلكترونية لتنبهني له. شاهدته ولم أصدق عيني!! قال الفيلم كل شيء.. ببساطة ونعومة وواقعية!! الإسلام ليس إرهابا. قالها من خلال حكاية بسيطة لمهاجر هندي مسلم.. مصاب بمرض »التوحد« وهو ليس مرضا عقلياً يصيب الإنسان بالتخلف كما يتصور العامة، إنما بالعكس فهو ينم عن ذكاء مفرط إلا أن الذي يعاني منه يخاف من الزحمة والأصوات العالية ويكره أن يلمسه إنسان.. ولو لمسا خفيفا.. ولكن الأم الهندية الفقيرة تخيرت أهم عرض فيه وهو أنها علمته الحب والعناق وأن يعبر عن مشاعره باللمس. هذا الشاب ترك موطنه وهاجر إلي أمريكا ليلحق بأخيه الذي هاجر عندما أتم الثامنة عشرة من عمره فارا من الفقر وغيرة من حب أمه لأخيه المعاق. وتستمر الأحداث ويتعرف رضوان خان علي مطلقة هندية تعمل في محل لتصفيف الشعر. ويقع في حبها ولكن الأخ يعارض هذا الزواج لأنها هندوسية وليست مسلمة. وهنا تبدأ أول مواجهة وأول دروس الفيلم. فلقد أجاب بطل الفيلم علي اعتراض أخية قائلا لسنا مختلفين وكلنا أبناء الله.. يوجد فقط إنسان سيئ وإنسان طيب. هذا هو الاختلاف الوحيد الذي علمته لي أمي لافرق بين البشر!! الله علي البساطة والمباشرة ويتزوج خان.. »مانديرا« ويتبني طفلها البالغ من العمر 7 سنوات ويعطي له اسمه.. وكانت هذه هي غلطته الأولي في مجتمع ربط كل شيء سيئ بالمسلمين. فبدأ زملاؤه في المدرسة بالتحرش به والتعدي عليه لأنه مسلم أي ابن مجرمين.. وتخلي عنه صديقه الأمريكي الذي تربي معه لأن أباه الضابط قتل في أفغانستان.. وعندما حاول أن يعيد هذه الصداقة رفض زميله ومسك به محاولا إقناعه فظن الزملاء أنه يضربه، فجاءوا لينقذوه.. ورغم توسلات صديقه الأمريكي إلا أنهم ظلوا يضربونه وظل يدافع عن نفسه حتي مات!! فهددوا صديقه بأنهم سوف يقتلونه إذا أبلغ عنهم. وبدأت المأساة.. انهارت الأم واتهمت زوجها بأن دينه هو الذي تسبب في موت ابنها الهندوسي.. وعندما حاول أن يدافع عن هذا الدين الذي لايفرق بين إنسان وآخر ويحترم كل الأديان إلا بالتقوي. قالت له جملتها التي كانت محور الفيلم.. كل الناس هنا تكرهك .. وتنظر لك كإرهابي اذهب لرئيس الجمهورية وقل له إنك اسمك خان وإنك مسلم ولست إرهابيا!! من ثم بدأ الفيلم بجد.. ظل يدور حول الرئيس محاولا لقاءه حتي يستطيع أن يفي بوعده لزوجته التي تركته وكان توصيله هذه الرسالة (لبوش) هي تذكرة العودة للتي أحبها.
تبدأ الرسالة الفنية في إيصال الحقائق بنعومة وبساطة وبدون انفعال.. تظهر الوجه القبيح للمجتمع الذي يدعي أنه حامي حمي حرية الإنسان والحامل لشعلة الديمقراطية في العالم.. والتي تخلي عنها ببساطة في أول امتحان لإيمانه بها. ولكثرة ترديد وسائل الإعلام أن وراء كل عمل إرهابي عربيا أو مسلما.. فإن الشك يتسرب إلي مسافري الطائرة ويبلغوا عنه أمن المطار.. فيلقي الإهانة من التفتيش وعندما يسألونه عن سبب سفره يقول لهم بكل صدق.. أنا ذاهب لمقابلة الرئيس فيقول ضابط الأمن باستهزاء (حسنا قل له تحياتي عندما تقابله)! وبعد طول سفر محاولا لقاء الرئيس في أي مكان يذهب إليه.. يجده في أحد المدن وأثناء سير الموكب ينادي عليه قائلا (سيادة الرئيس انا اسمي خان ولست إرهابيا) وهنا لايسمع رجال الأمن إلا كلمة (إرهابي) ويقبضون عليه وبدون أي تحريات عنه يحمل إلي معتقل في الصحراء ويعذب لكي يعترف بأي تفاصيل عن القاعدة المتهم الرسمي في حادثة 11 سبتمبر!! هكذا تتخلي أمريكا ببساطة عن حق الإنسان في الدفاع عن نفسه وتتبع نفس نهج الدول البوليسية القمعية!! ولكن لحسن الحظ يصوره أحد شباب الصحفيين ويتولي قضيته علي أنها مشروع إعلامي يبدأ به حياته المهنية وتدور الأحداث ويوافق أخيرا أحد مذيعي الإعلام الشهير وهو أمريكي من أصل أفريقي تولي قضية (خان) ويفضح المجتمع الأمريكي حيث يتخلي البوليس عن أم الطفل الذي قتل ورفض زميله الإبلاغ عنهم ولكن الأم لم تيأس وظلت تطوف بصورة طفلها تبحث عن قاتله.. وفي نفس الوقت يفضح نفسه بسجن وتعذيب إنسان لمجرد أنه مسلم!! وتظهر الحقيقة ويفرج عنه ويصبح بطلا قوميا. وفي أجمل مشاهد الفيلم حينما يقابل خان في أحد المساجد بعض المتطرفين الذين يدعون إلي تفجير وقتل الأمريكان رفقاء اليهود الصهاينة الذين يعذبون إخوانهم في فلسطين ويدعون إن الله ورسوله يدعو إلي قتل المدنيين يقول لقائدهم وهو طبيب إنك كاذب ويرجمه قائلا إنك شيطان.. إن الله لا يدعو إلي هذا أبدا. وتأتي الرسالة الثانية ليس كل مسلم إرهابيا .. إنما البعض فقط.. كما يوجد في كل الديانات والمجتمعات. ويبلغ عنهم .. ويكون هذا البلاغ دليلا إضافيا علي براءته وبراءة دينه.
ويستمر في رحلته محاولا لقاء الرئيس. ويقابل في مشواره امرأة أمريكية من أصل أفريقي ينقذ ابنها من حادثة كادت تودي بحياته، فتستضيفه ويعلم أن ابنها (قتل في العراق) ويذهب معها لكنيستها في ذكري تأبين (قتلي العراق) ويحكي عن ابن زوجته الذي قال عنه إنه كان مثل ابنه وصديقه الوحيد. ويحكي أن العنصرية قد قتلته كما أن احتلال دولة هو الذي قتل ابنها. وتتجمع دموعهما معا فكلاهما ضحية السياسة الأمريكية القائمة علي التوسع واحتلال وسرقة ثروات البلاد العربية. ويتوالي الدرس تلو الآخر.. يعلم العالم مبادئ الإسلام الجميلة والتسامح وحب الخير.. فعندما يذهب محاولا لقاء الرئيس في مأدبة تقام لمعاونة الأفارقة المسيحيين في أفريقيا.. تقول له السيدة إن تذكرة العشاء مع الرئيس تكلف 500دولار وإنها تذهب للمسيحيين يقول لها خذيها فهم ناس مثلي يحتاجون للمساعدة وإخواتي في حب الله!! ولافرق عندي كوني مسلما. هكذا ببساطة يأتي الدرس الثالث والرابع.. الإسلام يعترف بكل الأديان ويأمرنا ببرهم.
ثم تتوالي الأحداث.. يفشل مرة ومرات في لقاء الرئيس ولكنه يثابر فهذا وعده لزوجته أن يثبت للعالم من خلال الرئيس وكان عندئذ (بوش) أنه ليس إرهابيا.. ثم يسمع عن إعصار كاترينا الذي داهم مدنا في أمريكا .. ويتذكر صديقته التي أنقذ ابنها .. فيذهب ليساعدها لأنها بلا زوج وأنها سمينة جدا فقد لاتستطيع الفرار من الإعصار. ويعود ويساعد الأهالي هناك ويذهب وراء كل وسائل الإعلام.. خاصة المذيع الأفريقي ليعطوا رسالة هامة عن أهمية أن يساعد الإنسان زملاءه في الإنسانية عند المحن خاصة عندما يتقاعس المسئولون!! وتتوالي الرسائل الإيجابية عن الإسلام والمسلمين وتدفع تحركات (خان) أن يعي المسلمون أن عليهم ألا يتقبلوا حكم العنصرية ضدهم ولابد أن يدافعوا عن أنفسهم ولا يتقبلوا الإهانة تحت الإحساس بالذنب من حادثة 11 سبتمبر! فتعيد زوجة أخيه ارتداء الحجاب بعد أن كانت خلعته خوفا من الاعتداء الذي حدث لها .. أن يتكرر وتقول لطلابها وهي أستاذة في الجامعة: إن حجابي لايمثل مجرد هويتي الدينية.. إنما يمثل هويتي الإنسانية ومبادئي التي أؤمن بها. أما صاحب البقالة الذليل الذي كان يتقبل الإهانة من السكان الأمريكيين ينتفض ويتشاجر معهم فينصرفوا خائفين. درس آخر أن المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف.. ولا قبول للمذلة تحت أي ظرف وإن الضعف يغري الناس بالاعتداء عليك.. أما الذي يدافع بقوة عن حقوقه فإنه ينال احترام الناس حتي لو لم يحبوه.
وينتهي الفيلم بأن ينجح خان في لقاء الرئيس (أوباما) الذي كان انتخابه أملا لكل الأمريكان الأفارقة وانتصاراً لمبدأ العدالة.. وأن من حق أي إنسان كفء أن ينال فرصته بصرف النظر عن أصله أو دينه أو جنسه أولونه. واخيرا يصل للرئيس في حشد أمام كل الناس ويقول له .. إن اسمي خان وأنا مسلم ولست إرهابيا.. ويتذكر رجل الأمن الذي استهزأ به أول الفيلم وقال له .. إنه يقول له hello.
هكذا هي رسالة الفن وهكذا يجب أن يكون وكنت أتمني كما قالها لي النائب السابق أنور السادات، كان يجب أن يكون صانع هذا الفيلم هم العرب المسلمون ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يتحقق!