"كنت فين من زمان.. يا اردوجان".. هكذا هتف بعضهم تعليقا علي ما قام به رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوجان اعتراضا علي مدير الندوة التي حضرها مع بيريز الإسرائيلي. اعجب بعض الناس بشجاعة اردوجان ومواقفه الحاسمة الحازمة الصاعقة الماحقة التي وضعت إسرائيل في حجمها الحقيقي، واعادت الكرامة المهدرة للأمة العربية، بانسحابه من الندوة. وأعتقد ان اردوجان نفسه كان -بشكل ما- معجبا بنفسه ومتوقعا ان يلقي ما فعله تصفيق الجماهير القابعة بعيدا في دفء الشرق الأوسط، بينما هو ينسحب من دافوس المثلجة في سويسرا. تلك الجماهير التي أصبحت عاجزة عن الفعل، عاشقة للكلام.. أي كلام مادام يرضيهم. قال احدهم صارخا: هو المعبر.. أس البلاوي.. افتحوووه، وردد وراءه كثر بنفس الكلمة الممدودة الممطوطة.. افتحوووه". وحينما يقول له احدهم: يا اخواننا مفتوح.. ومن أول يوم مفتوح والله العظيم تلاتة مفتوح.. لا يسمع أحد. قديما قالوا: "كل اللي يعجبك.. والبس اللي يعجب الناس".. هكذا كانت الحكمة التي تحمل قدرا من النفاق.. فأنت لا تلبس ما هو مريح لك، أو ما تري انه يناسبك.. لا.. انت تلبس ما يعجب الآخرين وإلا.. وآه من وإلا هذه. العثماني الجديد -هكذا يسمون مجموعة السياسيين الاتراك الآن- العثمانيون الجدد.. ما علينا.. العثماني الجديد رجب طيب اردوجان والقابع في الاستانة، وسليل دولة الخلافة التي يحلم بها بعضهم، ويعمل لها بعضهم فهم تلك الحكمة. ولد.. خرسيس.. كما في الأفلام القديمة كان الاتراك العثمانيون يقولون لأولاد البلد، اعطهم ما يحبون.. هكذا قال لنفسه السياسي المحنك اردوجان.. رجب الطيب.. بكل الرمزية التي يحملها البعض الاسم والأصل.. والفصل.. إذا كانوا يحبون المواقف الحلوة والكلام الكبير.. والحركات الجامدة.. فليكن.. اعمل اللي يعجب الناس. وهكذا.. انسحب اردوجان من جلسة كان يحاور فيها مع آخرين الإسرائيلي شيمون بيريز، ليس اعتراضا عليه، ولا علي السياسات الإسرائيلية ولا.. علي ولا.. علي.. انما لان مدير الندوة لم يسمح له بحق الرد، وهو -أي رجب- محق في هذا. اعمل اللي يعجبك.. وقول اللي يعجب الناس.. وهكذا قال رجب تصريحات وعمل "شو حلو".. الحقيقة انه حلو.. لكنه دائما وأبدا سيعمل اللي يعجبه، وما في مصلحة تركيا، وتركيا فقط وأولا.. ستظل تركيا المتطلعة إلي دخول الاتحاد الأوروبي عضوا في حلف الاطلنطي وستظل تركيا علي علاقة خاصة مع "خلي بالك من كلمة خاصة" هذه مع إسرائيل وستظل في تركيا قاعدة "انجرليك" الامريكية وتخرج منها المقاتلات لتنفيذ مهام في العراق، أو أي مكان آخر في العالم العربي. لم يعب احدهم علي تركيا كل هذه العلاقات ولم يطالبها احد - من إياهم- بقطع العلاقات أو سحب السفير، أو حتي قطع التعاون العسكري التركي الإسرائيلي. رجب أو عبدالله جول، أو من قبلهما أو سيأتي بعدهما يضعون مصلحة تركيا أولا والسياسة مصالح، وعند اي من العثمانيين الجدد أو القدامي، أو القادمين مصلحة تركيا أولا. لاحظ ان نفس هذا النهج تقوم به دول عربية أخري لديها قواعد أمريكية يخرج منها السلاح، ليدعم الجيش الإسرائيلي في عملياته وعدوانه علي غزة ولديها تمثيل تجاري مع اسرائيل، رغم بعدها آلاف الأميال، ولكنها تعمل أيضا بنفس المثل القائل "اعمل اللي يعجبك.. وقول اللي يعجب الناس". والناس بتحب الكلام الكبير الذي يضيعها.. أما عن مواجهة الحقيقة أو العمل من أجل الفعل هم يريدون ان يقول لهم أحدهم كما في حقبة تاريخية سابقة، عملنا، وسوينا، وقدمنا وأخرنا، ضربنا وانتصرنا، أو فاجئونا بما لم نكن نتوقع لكنها جولة، والحرب سجال وتهتف الجماهير من أعماق حناجرها.. وتهدد بالتصفيق وتهلل فرحة.. نشوانة.. بكلمات تعجب الناس. انتصرنا.. كلمة جميلة وها نحن نهدي النصر، ونوزعه يمنة ويسرة، بلا حساب، أو حتي كشف مصاريف، فالمهم الكلام اللي يعجب الناس. لا يا أسيادنا.. اردوجان، وغيره يعملون لمصلحة بلادهم.. وبلادهم فقط أولا وثانيا وثالثا وهذا حقهم الكامل وعلينا أيضا أن نعمل كذلك أم هو حلال عليهم وحرام علينا. * * * وداعا.. صاحب الصوت.. طيب القلب قلت لزميلي وصديقي سعد هجرس.. الحق.. الظاهر فيه خناقة في الجريدة.. قمت متجها ناحية الباب، لأري ماذا يحدث، ولكني تراجعت لمفاجئتي بهدوء سعد هجرس. إيه يا سعد.. مش سامع الصوت العالي.. يلا نفض الخناقة دي.. بهدوء أشد رد علي: لا لا.. مش خناقة ولا حاجة.. ده شريف جلال بيتكلم.. هو كده.. طبقة صوته في الكلام العادي في السؤال أو الإجابة. كان وجوده قويا، وقلبه شديد الطيبة رغم الصوت العالي، وإخلاصه في عمله لا يحتاج إلي شهادة. ومنذ أيام فوجئت بتليفون ناجي: البقاء لله.. شريف جلال تعيش انت..!! ايه.. ازاي.. استغفر الله العظيم، ولا حول، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اسئلة يجب ألا نسألها، ولكنها الدنيا.. حادثة سيارة كيف.. ولماذا أسئلة غير مهمة.. النتيجة أن القدر غيب عنا شخصا جميلا سنتذكره جميعا". ونفتقد روحه الدافئة، وصوته العالي. رحم الله شريف جلال.. وأتقدم إلي أسرته وأهله بخالص العزاء قائلا لهم: سيبقي شريف في قلوبنا، وسنعمل جاهدين لأن يكون أولاده كما كان يحب ويرضي.. فالكلام يختفي بعد قليل وسيظل الفعل دوما.