من في مصر لم يذق من صنوف المعاناة وأشكالها في عهد النظام السابق، كل نال نصيبه حسب موقعه في الحياة مكانا وزمانا. الشباب أصابه وباء البطالة بعد أن تخلت الدولة عن فتح أبواب العمل والرزق له، وتركته فريسة للضياع والجلوس في المقاهي وندب حظه والإدمان والانحراف والغرق في البحار باحثا عن لقمة عيشه خارج الحدود ونهاية بالانتحار . والفقراء ازدادوا بؤسا واختفت الطبقة الوسطي وتجاوزت العشوائيات الألف منطقة ممن يعيش سكانها في قاع المجتمع وتلتصق بهم أمراضه الاجتماعية والأخلاقية ولايجدون بصيصا من أمل للطفو إلي السطح وأن يحيوا مثل بقية البشر!! الفلاحون عانوا هم الآخرون من تدهور حالة أرضهم ومحاصيلهم والمبيدات المسرطنة التي جاءت علي الأخضر واليابس ومعها قائمة طويلة من الأمراض القاتلة ، القطن المصري هوي من عرشه إلي القاع وذبلت عيدانه والقمح لم يعد له عيد حصاد واختفت في الأدراج كل أفكار الباحثين عن تطوير زراعته ومضاعفة إنتاجه حتي نمد أيدينا لغيرنا كي يعطينا رغيف الخبز ويفرض هيمنته علينا وهوي مع القمح باقي المحاصيل وصرنا نتصدر قائمة أكثر الدول استيرادا لما نأكله !! والعلماء من صفوة المجتمع وعقوله صاروا في أدني درجات السلم الاجتماعي يجرون وراء الإعارات والمنح والعلاوات والترقيات أوالهجرة لبلاد الله الواسعة بينما لاعبو الكرة أكثر شهرة وثراء منهم ووضعت أبحاثهم في الأدراج وعلا التراب والصدأ معاملهم وفقدوا الرغبة في أن يكونوا رصيدا لبلدهم وليس خصما منه. أما الأمن في مصر فلم يكن في خدمة أهل الوطن وإنما لحساب من يملك ويحكم ولاعزاء للضحايا الذين تغول في حياتهم وصارت كلمة الأمن مرادفة لزوار الفجر والترويع والتعذيب وامتهان كرامة الإنسان وكان موقع المواطن معيارا للتعامل معه ، والفقراء ومن لاظهر لهم كانوا في الأغلب الأعم هم الضحايا ، صار الأمن حارسا للنظام وليس ساهرا علي حماية وخدمة الشعب وهزمت تقاريرالأمن كفاءات البشر!! الصناعة تراجعت وتركت للرديء من مخلفات صناعات الخارج أن يغرق أسواقنا، والتجارة صارت في اتجاه واحد هو الواردات ، الفن صار مرادفا للعبث ومخاطبة الغرائز وتخدير العقول ، الإعلام كان مثل قرع الطبول وحلقات الزار يدور الناس حول أنفسهم وفي فلك النظام ، أما صحة المصريين فحدث ولاحرج فنحن بلا فخر ولامواربة صرنا نحتل مكانة متقدمة عالميا في قائمة أمراض العصر كالأورام والكبد الوبائي والسكر والقلب وحتي الأمراض النفسية وغيرها . أما سياستنا الخارجية فأصبحت باهتة الملامح تسير في ظل الآخرين من القريبين والبعيدين ولاترعي مصالح الشعب ولاأحلامه في أن تكون بلده حاضرة الدنيا التي يسمع صوتها القاصي والداني فتركنا دورنا وموقعنا ومكانتنا للصغير قبل الكبير!! أقول كل هذا لأننا عشنا طوال ثلاثين عاما حالة من الغياب أو التغييب عن الحياة ، حالة فقد فيها المصري روح الانتماء للبلد وكانت كرة القدم المعبر الوحيد عنها ، فقدنا خلالها حريتنا وإحساسنا بالوطن ، عاث مجتمع النصف في المائة في الأرض فسادا فأصبح يملك كل شيء وسورفساده بالقوة والقهر والقمع وخرج من قلب النظام فراعنة وملوكا أفسدوا وجعلوا أعزة أهلها أذلة ، لم يرحموا أحدا.. شابا ولا شيخا ولا امرأة كي يطالب أحد اليوم برحمتهم أو بالرفق بحالهم ولم يبكوا يوما من قبل علي أحد احترق في القطارات أو العبارات أو دهسته السيارات أو دفن تحت أنقاض العمارات المنهارة الملوثة بالغش والفساد ، ظنوا أنفسهم أنصاف آلهة يمنحون ويمنعون يملكون مصائرنا وأنهم مخلدون في الأرض لاحسيب ولارقيب عليهم ، لكننا لن نعاملهم بنفس طرقهم سندع العدالة تأخذ مجراها لتقتص منهم ، تنصف المظلومين وتعيد لهم حقوقهم وتستعيد مجد وبهاء وروح الوطن النقية. مصرالثورة تعود لعروبتها وقيمها الإنسانية والحضارية ولأهلها ، تحاسب من طغي وتجبر وتعيد الحقوق لأصحابها وترسم البسمة علي شفاه أبنائها من جديد تتنسم عبير الحرية ، عزيزة بعزة كل المصريين ، لأن الله كرمها وجعلها آمنة من كل شرورالدنيا!