لاشك أن مشكلة المرور تعد مشكلة عويصة تعاني منها كل دول العالم المتقدم منها والنامي وخاصة عواصمها ومدنها الكبري ومنها بطبيعة الحال مدينة القاهرة ذات العشرين مليون نسمة. وتبذل كل دول العالم قصاري جهدها لتقليل تداعيات هذه المشكلة علي سكانها واقتصادياتها. ومشكلة المرور ليست مجرد زحام في الشوارع والميادين ووقوف السيارات والمركبات لفترات طويلة في أماكنها وإنما تكمن المشكلة في التداعيات السلبية والضارة والتي يمكن أن نوجزها فيما يلي: الضغط علي أعصاب قائدي السيارات والمركبات وركابها وذهابهم إلي أعمالهم متأخرين عن موعد حضورهم.. إضافة إلي الحالة النفسية والإرهاق الذهني الذي يؤثر بطبيعة الحال علي عطائهم وإنتاجيتهم في العمل سواء كان العمل إنتاجيا أو خدميا. استهلاك كميات أكبر من الوقود وهو مايمثل خسارة كبيرة للاقتصاد القومي لاداعي لها. وقوف السيارات لفترات طويلة والسير ببطء يؤدي إلي عطل بعضها نتيجة سخونة المواتير وهو ما يزيد من حدة مشكلة الزحام. احتراق الوقود بهذه الكميات الزائدة يؤدي إلي تأثيرات سلبية للغاية علي البيئة ويزيد من تلوث الهواء نتيجة انبعاثات عوادم السيارات. ونظرا لخطورة هذه المشكلة علي الصحة العامة للمواطنين والأضرار التي تلحق بالاقتصاد القومي دون داع فقد حرص السيد صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري علي حضور الجلسة الخاصة التي عقدتها لجنة الإنتاج الصناعي والطاقة والنقل بالمجلس برئاسة محمد فريد خميس رئيس اللجنة لبحث أسباب هذه المشكلة وتداعياتها ودراسة كيفية وضع الحلول اللازمة لمعالجتها والحد من أضرارها. وقد حضر الجلسة المهندس علاء فهمي وزير النقل والمواصلات ود.عبد العظيم وزير محافظ القاهرة حيث استعرض كل منهما مشاكل قطاع النقل والمواصلات بصورة عامة وفي القاهرة بصورة خاصة وأجمع الاثنان علي أن مشكلة التمويل هي العقبة الكؤود أمام حل المشكلة فالوزير يطلب 10 مليارات جنيه لحل المشكلة علي مستوي الجمهورية والمحافظ في حاجة إلي مليار جنيه فقط لحل مشكلة النقل داخل القاهرة، وبالطبع فإن مشكلة التمويل هي أم المشاكل.. إلا أن هناك سياسات وإجراءات لو كنا اتبعناها علي مدي السنوات الماضية لما وصلت مشكلة المرور في القاهرة إلي هذا الحد المأساوي وبالتالي فإنه وكما أكد محافظ القاهرة لابد من وقف بناء أي مساكن جديدة أو مدارس أو مصالح حكومية داخل القاهرة وإذا لم يكن بالإمكان نقل الوزارات خارج القاهرة فإنه من الضروري نقل بعض المؤسسات العامة والمجالس القومية إلي المدن الجديدة أو عواصم المحافظات لإحيائها وتأكيد الاهتمام بها وهو ما فعلته الدول المتقدمة وسبقتنا فيه. كما أنه ينبغي ضرورة الإسراع في توسعة شبكة مترو الأنفاق ومده إلي المدن الجديدة وخاصة 6 أكتوبر والعاشر من رمضان وإشراك القطاع الخاص في تنفيذ هذه المشروعات للانتهاء من إنشائها في أقرب وقت ممكن، ولايجب أن ننسي الدور الهام الذي قامت به شركات النقل القطاع الخاص مثل أبو رجيلة ومنار وما قدمته من خدمات نقل متميزة لسكان القاهرة في خمسينات وستينات القرن الماضي.. كما يتطلب حل المشكلة ضرورة الاهتمام بالجراجات العمومية ليس فقط بوسط المدينة وإنما بكل أحيائها حتي تحدث السيولة المرورية المطلوبة.. هل يعقل أن يتوقف العمل في مشروع جراج ميدان التحرير لأكثر من 10 سنوات.. أيا كانت الأسباب إلا أنه يدل علي عدم الوعي بالمشكلة وبالتالي عدم الاهتمام بإيجاد الحلول لها. إن رفع الوعي المروري سواء بالنسبة للمواطنين وقائدي السيارات والمركبات وكذلك بالنسبة لرجال المرور يعد شيئا ضروريا للغاية وذلك من خلال كافة وسائل التوعية الجماهيرية والإعلامية إذاعة وتليفزيون وصحافة وجمعيات المجتمع المدني. وكذلك تطوير سلوكيات المواطنين سواء المشاة أو سائقي المركبات وهو مايتطلب أيضا التأكيد علي مدارس القيادة والتشديد علي استخراج رخص القيادة.. في الدول المتقدمة تبدأ التوعية من سن الحضانة حيث يخرج الأطفال إلي الشوارع بصحبة مدرسيهم ليأخذوا أول دروس التوعية المرورية في هذه السن المبكرة والتي تبقي معهم طوال العمر. ولاشك أن العلامات الإرشادية سواء علي الطرق السريعة أو داخل المدن تلعب دورا مهما في السيولة المرورية وكذلك في التقليل من الحوادث والصدمات.. إذ كيف يمكن أن نطبق قانون المرور الجديد بعدالة وهناك العديد من الطرق والشوارع ليس عليها علامات إرشادية توضح اتجاهاتها. إن الحسنة الوحيدة للزعيم النازي هتلر هي قيامه في الثلاثينيات من القرن الماضي بالبدء في إنشاء شبكة الطرق العظيمة المعروفة باسم »أوتوبان« والتي تربط كافة الولايات الألمانية بعضها ببعض وكذلك ألمانيا بالدول المحيطة بها. شبكة »الأوتوبان« هذه ساهمت بدرجة كبيرة في إنعاش وتنمية الاقتصاد الألماني حتي يومنا هذا.. إن من يزور ألمانيا أو يعيش فيها لايمكن أن يتصور الاقتصاد الألماني بدون »أوتوبان«.