لا يقتل الأفراد أو الشعوب شيء كما يقتلها الغرور الذي ينتاب الإنسان عندما يشعر بأنه يملك موهبة خاصة أو إذا تبوأ منصبا مرموقا يمكنه من التحكم في الناس، فيكون سوط عذاب علي الآخرين من حيث يدري أو لا يدري، ومن هنا لم يغال أمير الشعراء أحمد شوقي عندما قال: إن الغرور إذا تملك أمة فأقم عليهم مأتما وعويلا تداعت هذه الخواطر إلي نفسي وأنا أقرأ عن الشاعر عمر بن أبي ربيعة، كان شاعرا موهوبا، لديه حس شعري جارف، ولكن هذه الموهبة كانت مشوبة بالغرور، فهو في شعره يصور أن النساء هن اللائي كن يجرين خلفه، وكان يقول شعره حتي في النساء اللاتي ذهبن لحج بيت الله الحرام، فلم يسلمن من ملاحقته والتشبيب بهن، وقد اعترف هو نفسه بذلك فقال: يقصد الناس للطواف احتسابا وذنوبي مجموعة في الطواف ولقد كان عمر بن أبي ربيعة رغم فسقه يكتب قصائده بشكل قصصي جذاب، ولكنه كان صورة لعصره، فقد كان مجتمع مكةوالمدينة في عصره مغرقا في الترف، لأن خلفاء بني أمية حاولوا إبعاد الحجاز عن السياسة، خاصة بعد أن ظهر من يحاول انتزاع الحكم منهم من أمثال الإمام الحسين الذي استشهد في كربلاء، وكذلك عبدالله بن الزبير، الذي استطاع أن يستقل بالحجاز، ويفرض نفوذه في أماكن أخري في العالم الإسلامي. ولهذه الأسباب حاول الأمويون إبعاد الحجازيين عن السياسة، فانتشر الترف في الحجاز، وكان ثمرة هذا الترف الشعر الذي انصب علي التشبيب بالنساء، كشعر عمر بن أبي ربيعة، الذي كان شعره رغم جماله من الناحية الفنية، إلا أن فيه الكثير مما يخجل الإنسان المسلم الغيور علي دينه وما جاء به من قيم وفضائل، حتي أن الخليفة عبدالملك بن مروان قد عنفه بشدة عندما التقي به في المدينة أثناء حجه وقال له: يافاسق فقال له الشاعر: بئست تحية ابن العم علي طول الشخط (البعد) فقال له عبدالملك: يافاسق إن قريشا لتعلم أنك أطولها صبوة، وأبطؤها توبة.