مازالت أصداء أزمة تخفيض الجنيه أمام الدولار تتصاعد، فعلي الرغم من محاولات الحكومة والبنك المركزي اتخاذ حزمة قرارات من شأنها تخفيف وطأة الأزمة، إلا أن المواطن البسيط، تداهمه مخاوف متنامية بشأن زيادة أعبائه اليومية، نتيجة انخفاض القيمة الشرائية للجنيه، وشعوره بأن دخله الشهري لن يستطيع ملاحقة شراهة الدولار التي تتزايد، وتنعكس علي إيقاع يومه الذي يتحسس موجة غلاء جديدة علي الأبواب، تطال السلع الأساسية. قطاع عريض من المواطنين، وبخاصة الفقراء ومحدودو الدخل عبروا عن قلقهم من أن تنعكس أزمة الدولار عليهم، في ظل ما تشهده الأسواق من ارتفاع ملحوظ في أسعار بعض السلع الأساسية مثل الزيت والسكر والفول والأرز، وإدراك الكثيرين منهم أن هناك سلعاً بعينها يتم استيرادها من الخارج، سوف تتأثر هي الأخري بالأزمة. ومن المتوقع، أن ينعكس قرار بتخفيض سعر صرف الجنيه أمام الدولار 112 قرشاً، علي المرضي نتيجة ارتفاع أسعار نسبة كبيرة من الأدوية المستوردة من الخارج، في وقت تقدمت إدارة الصيدلة بوزارة الصحة والسكان بمقترح إلي وزير الصحة أحمد عماد، لرفع أسعار الأدوية التي تتراوح أسعارها من جنيه إلي 10 جنيهات، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار. وتمتد الأزمة لتشمل توقعات أخري برفع أسعار الحج والعمرة، في ضوء ما كشفت عنه أخيراً وزارة التضامن الاجتماعي من أن موسم الحج هذا العام سيشهد ارتفاعاً في الأسعار بنسبة 20%، خاصة أن سعر صرف الجنيه انخفض أمام العديد من العملات وليس الدولار فقط، ومنها الريال السعودي، حيث إن جميع التعاقدات مع الجهات السعودية تتم بالريال. وتأتي هذه المخاف وسط تحذيرات من خبراء اقتصاد تشير إلي أن قرار البنك المركزي بتخفيض الجنيه أمام الدولار سيؤدي إلي ارتفاع كبير في الأسعار وزيادة العجز في موازنة الدولة، بما يشير إلي أن قرار البنك المركزي يعد بمثابة تكرار لأخطاء سابقة منذ بداية الانفتاح الاقتصادي بسبب السوق غير الرسمية. وأجمع الخبراء علي أن ارتفاع سعر صرف الدولار بالسوق السوداء ليصل إلي مستويات غير مسبوقة تخطي معه حاجز التسعة جنيهات، يُضر بالمقام الأول بمصلحة المواطن البسيط ومحدود الدخل، متوقعين حدوث ارتفاع كبير في أسعار السلع الاستهلاكية باعتبار أغلبها مستورد. وستتأثر القطاعات التي تعتمد عليها مصر في إيرادات الموازنة العامة للدولة، وهي السياحة والبترول وقناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج سلباً بسبب أزمة الدولار، كما ستسهم الأزمة في رفع الأسعار ورفع معدل التضخم كون أغلب واردات مصر من السلع الاستهلاكية. ويري الخبراء، أن ارتفاع سعر الدولار سيزداد في الأيام المقبلة، نظراً لأن الإجراءات التي اتُخذت غير كافية لعلاج الأزمة المتفاقمة، مُشيرين إلي أن المواطن سيتعرض لضغوط معيشية شديدة خلال الفترة المقبلة مع رفع الأسعار بالسلع الرئيسية، وسيتحمل المستهلك المصري وحده فرق الأسعار، كما سيؤثر ارتفاع سعر الدولار علي المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وقد يؤدي ذلك إلي خروج بعضها من السوق. الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادي، رئيس المنتدي المصري للدراسات الاقتصادية، قدر حجم استيراد مصر للسلع الاستفزازية بنحو 5 مليارات دولار شهريا، أي 60 مليار دولار سنوياً رغم معاناة مصر بشدة من نقص العملة الصعبة، وأكد ضرورة تقييد عملية الاستيراد لاستعادة عافية الاقتصاد المصري من جديد، وتقليل الضغط علي الدولار. وأضاف أن استيراد بعض السلع في هذا التوقيت الحرج يمثل ضغطاً كبيراً علي الدولة، نظراً لأنه يستنزف من الاحتياطي النقدي الذي تراجع بشدة في الآونة الأخيرة. ويقول الدكتور ماجد جورج؛ رئيس شعبة منتجي مستحضرات التجميل بغرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، إن السعر يعد هو المحدد الرئيسي لسوق مستحضرات التجميل والعناية الشخصية في مصر، وقد أدي انخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل اليورو والدولار إلي ارتفاع أسعار السلع المستوردة والمحلية نظراً لارتفاع أسعار الخامات والمكونات المستوردة، ويعاني السوق المحلي من ضعف القدرة الشرائية مما أدي إلي انخفاض الطلب علي مستحضرات التجميل نسبياً مقارنة بحجم السوق بصفة عامة، ولمواجهة تأثير ارتفاع الأسعار علي السوق المحلي علي المصانع المحلية أن تقوم بتخفيض أسعار منتجاتها دون المساس بجودتها. وأشار إلي أن السوق المصرية تتميز بارتفاع أعداد المستهلكين، غير أن الاستثمار يحتاج إلي تقييم عن السياسة والوضع الحالي ودراسة جدوي وأن يكون لدي رجال الأعمال قدرات حقيقية ومعلومات جيدة عن الاستثمار في مصر. وأشار إلي أن هناك نوعين من الاستيراد إما الصيني رخيص الثمن أو الماركات العالمية باهظة الثمن وأغلب من يعملون بها يسافرون لإحضارها من الخارج، ونحن نمتلك أكثر من 240 مصنع تجميل، تنتج مستحضرات مصرية كثيرة ذات خامات مرتفعة والدليل علي ذلك أننا نصدرها للخارج، وبالاعتماد علي منتجات هذه المصانع يمكننا الاستغناء عن كل ما نقوم باستيراده من البلاد الأخري. وأوضح أنه يحدث لدينا نوعان من تهريب المنتجات الصينية الزهيدة إما بإدخالها بأسعار أقل من سعرها الحقيقي لتقليل نسبة الضرائب أو بتهريبها بطرق غير شرعية وهو ما يجعلها لا تخضع لأي نوع من الرقابة. المنتجات المصرية الآن ذات جودة عالية ولكن عقلية بعض المصريين تصور لهم دائماً أن المستورد هو الأفضل، فمهما ارتفعت أسعار الدولار وقل الاستيراد سيكون البديل متوفراً وبأسعار مناسبة جداً، وعلي الرغم من استيراد أغلب المكونات من الخارج مثل الألوان والروائح وغيرها، والمرأة المصرية بيدها مواجهة أي أزمة وتخطيها.