تعد تجربة الصحابي الجليل أسامة بن زيد، عنوانا علي التربية النموذجية في مدرسة النبوة، فهو ابن الرجل الذي تربي في بيت رسول الله صغيرا زيد بن حارثة، الذي تبناه الرسول ونسبه إليه لسنوات قبل أن تنزل آية إبطال التبني، لذلك نشأ الطفل أسامة في أجواء ربانية منذ نعومة أظافره. ولد أسامة في العام الخامس من البعثة النبوية أي قبل 7 سنوات من الهجرة إلي المدينة، وأمه هي أم أيمن بركة حاضنة الرسول، اعتبر الرسول أسامة بمثابة حفيده فلم يميز في معاملته عن الحسن والحسين ابني السيدة فاطمة الزهراء، فانتقل حُب الرسول وعنايته بزيد إلي ابنه أسامة حتي عرف بين الصحابة بالحِب بن الحِب، فكان النبي يأخذ أسامة فيقعده علي فخذه، ويقعد الحسن أو الحسين علي فخذه اليسري ثم يضمهما، ثم يقول: "اللهم إني أرحمهما فارحمهما"، أو "اللهم أني أحبهما فأحبهما". حظي أسامة برعاية الرسول، الذي حض صحابته علي رعاية الفتي الصغير الذي استشهد والده في غزوة مؤتة في العام الثامن من الهجرة، وقتها كان أسامة يغادر مرحلة الطفولة ويقترب من دخول عالم المراهقة، لذلك بدأ الرسول في إعداده كأحد أبناء الجيل الذي تربي تحت ظلال الإسلام أملا في أن يتولي القيادة يوما، لذلك كان يوصي صحابته قائلا: "إن أسامة بن زيد من أحب الناس إليّ وأنا أرجو أن يكون من صالحيكم فاستوصوا به خيرا". وأرسي الرسول مبدأ عظيما عندما قرر تولية الشاب الصغير أسامة بن زيد علي رأس جيش يغزو به بلاد الشام ويتحدي به قوة الروم، كان في الجيش كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص. ولما بدا مرض الرسول -الذي أفضي لوفاته- كانت وصيته الأخيرة إنفاذ حملة أسامة، وبعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم، كان أول ما قام به أبو بكر الصديق أن أنفذ بعثة أسامة إلي بلاد الشام، ليعود الأخير منتصرا، في نصر فتح أمام المسلمين طريقا من الفتوحات في بلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا كلها. زيد بن ثابت ...حافظ القرآن مع هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم إلي يثرب، بدأ فصل جديد في تاريخ الدعوة الإسلامية، التي بدأت تنمو في مجتمع إسلامي للمرة الأولي، كان الفتي الصغير اليتيم زيد بن ثابت علي موعد مع استقبال الأحداث التي ستغير حياته، فقد ارتبط الفتي الذي لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره بالرسول الكريم، يتلقي العلم مباشرة من الرسول ويشارك في الجهاد في سبيل الله فلا يصده إلا صغر سنه وإشفاق الرسول عليه من هول المعارك، فيرجع باكيا من أرض المعركة في غزوة بدر، وهو مشهد تكرر في غزوة أحد، ولم يسمح له الرسول بالمشاركة في القتال إلا في غزوة الخندق بعد أن اشتد عوده وأصبح قادرا علي تحمل أعباء القتال، وعندما رآه النبي وهو يحمل تراب الخندق مع الناس قال: "أما أنه نِعْم الغلام". رغم تهافت زيد علي القتال في سبيل الله إلا أنه برع في مجال آخر، إذ فاق أقرانه في حفظ القرآن الكريم، وأتقن الكتابة والقراءة سريعا، فأصبح أحد كتاب الوحي المعدودين، بل تفوق علي الجميع في هذا المجال، بعدما ارتبط بالكتابة عن الرسول، ليعرف بين الصحابة بكاتب الرسول، تمييزا له عن بقية كتاب الوحي، لأنه كان من أكثر الناس كتابة عن الرسول وأكثرهم اهتماما بتسجيل ما يأمره به رسول الله، في حفظ كامل للكلمات وقلة غفلة وذاكرة قوية، وهي مميزات قدرها النبي محمد الذي أمر زيدا بتعلم لغة اليهود ليأمن مكرهم.