لليوم الثاني.. استمرار استقبال طلبات الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ بكفر الشيخ (صور)    موعد فتح باب التقدم بمدارس التمريض للعام الدراسي 2025- 2026 بقنا والمحافظات (الشروط والأوراق المطلوبة)    قبل اجتماع البنك المركزي لتحديد سعر الفائدة تعرف علي سعر الذهب    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الأحد 6 يوليو 2025 في البنوك بعد الانخفاض    محافظ الدقهلية يجري جولة مفاجئة على جمعية الإصلاح الزراعي بدميرة ويحيل مدير الجمعية للتحقيق    الأمين العام لحزب الله: نحن رجال الميدان.. ومصرون على أن نتابع المقاومة    فيضانات تكساس.. ارتفاع حصيلة الوفيات إلى 51 شخصا    هجوم مبالغ فيه.. كورتوا يدافع عن دوناروما في إصابة جمال موسيالا    تعليم الدقهلية: لا شكاوى من امتحانات الثانوية العامة اليوم    مصرع مسن صدمه لودر في الواحات.. والأمن يضبط السائق    ضبط 180 طن دقيق مدعم وأسمدة وأعلاف فاسدة في حملات تموينية بالفيوم خلال شهر    «الداخلية»: ضبط سائق نقل ذكي تحرش بسيدة خلال توصيلها بمصر الجديدة    محافظ الدقهلية يحيل مديرة مستشفى دميرة للصحة النفسية للتحقيق لعدم تواجدها خلال مواعيد العمل الرسمية    ذكرى رحيل أحمد رفعت الأولى فى كاريكاتير اليوم السابع    بي اس جي ضد الريال.. إنريكي يتسلح بالتاريخ لعبور الملكي في المونديال    مليونية حب فى الزعيم عادل إمام بعد ظهوره..والجمهور يعبر عن اشتياقه    البنك المركزى المصرى يستضيف برنامجا تدريبيا حول اختبارات الضغوط الجزئية والكلية للبنوك المركزية بدول الكوميسا    كواليس موافقة مجلس النواب على قانون الإيجار القديم    محافظ أسيوط يعلن عن استمرار رصف طريق ديروط – دشلوط    "رغم الهاتريك".. رقم سلبي لوسام أبو علي تكرر 9 مرات بكأس العالم للأندية    رسالة إلى الحوار الوطنى نريد «ميثاق 30 يونيو»    العمالة المؤقتة فى الزراعة    الأمن المائى.. صياغة الأولويات الاستراتيجية للملف برؤية شاملة    الخارجية الروسية: لم يتم تحديد موعد لجولة جديدة من المحادثات الروسية الأمريكية    نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول برقم الجلوس.. الموعد ورابط موقع التنسيق    ضربه حتى الموت.. أب يُنهي حياة طفله في الفيوم بعد 3 أيام من التعذيب    موسكو: "بريكس" توحّد 3 من الاقتصادات العالمية الرائدة وتسهّل إبرام العديد من الاتفاقيات    تعرف على إيرادات أمس لفيلم "أحمد وأحمد"    «كان بيتحكيلي بلاوي».. .. مصطفي يونس: الأهلي أطاح بنجلي بسبب رسالة ل إكرامي    أحمد مجدي يفسد زفاف أسماء أبو اليزيد.. تفاصيل الحلقة 16 من «فات الميعاد»    الطريقة «الهولوجرامية» تزوير فى أصوات غنائية    عاجل.. مصر تُعرب عن خالص تعازيها للولايات المتحدة الأمريكية في ضحايا الفيضانات بولاية تكساس    "الصحة" تنظم برنامجًا متقدمًا في أساسيات الجراحة لتعزيز كفاءة شباب الأطباء    الرعاية الصحية: إدخال خدمات العلاج الطبيعي والتأهيل الحركي في التأمين الشامل    صعوبة التنفس والجفاف.. ماهي خطورة ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو وكيف نحمي أجسامنا منها؟    اختبارات القدرات 2025 .. اعرف مكان اختبارات كليات الفنون الجميلة حسب محافظتك    رسميًا.. كهرباء الإسماعيلية يعلن التعاقد مع محمد أوناجم    حملات مرورية على الطرق السريعة لرصد المخالفات بالقاهرة والجيزة    ماسك يقرر تأسيس حزب أمريكا الجديد لمنافسة ترامب والديمقراطيين    5 صور لإمام عاشور من حفلة عمرو دياب    وداع مهيب.. المئات يشيعون جثمان سائق «الإقليمي» عبده عبد الجليل    مدارس النيل تُعلن انطلاق مهرجان مدرسي العام المقبل.. صور    عمرو الدجوي ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة    دعاء الفجر | اللهم ارزقني سعادة لا شقاء بعدها    بالدش البارد ورمي الأدوية.. السقا يكشف تفاصيل تعديل سلوك أحمد فهمي لإنقاذ فيلمهما الجديد    "هاتوا استشاري يشوف الطريق".. عمرو أديب يرد على مقترح وزير النقل    كيف حمت مصر المواطن من ضرر سد النهضة ؟ خبير يكشف    حدث منتصف الليل| 300 ألف جنيه لأسرة كل متوفى بحادث الإقليمي.. وإرجاء إضراب المحامين    آل البيت أهل الشرف والمكانة    في عطلة الصاغة.. سعر الذهب وعيار 21 اليوم الأحد 6 يوليو 2025    ياسر ريان: نجلى من أفضل المهاجمين.. مصطفى شلبي يشبه بن شرقي    إبراهيم صلاح: شيكابالا خرج من الباب الكبير    مواجهات بين فلسطينيين وقوات الاحتلال فى بيت لحم جنوبى الضفة الغربية    ابتعد عنها في الطقس الحار.. 5 مشروبات باردة ترفع الكوليسترول وتضر القلب    "أنا بغلط... وبأندم... وبرجع أكرر! أعمل إيه؟"    يُكفر ذنوب سنة كاملة.. ياسمين الحصري تكشف فضل صيام يوم عاشوراء (فيديو)    فينجادا: سأتذكر تألق شيكابالا دائما.. والرحلة لم تنته بعد    4 أبراج «قوتهم في هدوئهم»: شخصياتهم قيادية يفهمون طبائع البشر وكلامهم قليل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عروة بن الزبير مؤسس علم التاريخ عند المسلمين
نشر في الفجر يوم 22 - 06 - 2013


مولد عروة بن الزبير ونشأته:
ولد عروة بن الزبير على أرجح الأقوال سنة 23 ه، ونشأ وتربى في المدينة كما ربي سائر أترابه من أبناء الصحابة، ولا يُعلم شيء عن الفترة المبكرة من حياته سوى إشارات عابرة أتت في ثنايا مروياته، لكن يبدو أن نسبه من جانب، وحبه للعلم منذ صغره من جانب آخر قد ميزاه على غيره من أقرانه، فكان دائمًا يتمنى أن يؤخذ عنه العلم[1] .

فبذل لذلك جهده ووقته حتى قال: لقد كان يبلغني الحديث عن الصحابي فآتيه فأجده قد قال –من القيلولة– فأجلس على بابه أسأله عنه [2].

سعة معارف عروة بن الزبير:
وقد تعددت معارف عروة بن الزبير وكثرت حتى قال عنه الزهري: كان بحرًا لا ينزف، ولا تكدره الدلاء[3]. وشملت هذه المعارف الحديث والتفسير والشعر والفقه، إضافة إلى السيرة والمغازي التي لا ينازعه فيها منازع من شيوخ عصره.

عبادة عروة بن الزبير وأخلاقه:
كان عروة بن الزبير مثالًا للعالم العابد الذي لا يخالف قوله فعله، وبلغ من درجة اجتهاده في العبادة أن ابنه هشامًا قال: كان يقرأ كل يوم ربع القرآن، ويقوم به الليل، وكان كثير الصوم، قطعت رجله وهو صائم، ومات أيضًا وهو صائم، وكان يقول عن نفسه: إني لأسأل الله ما أريده في صلاتي حتى أسأله الملح[4] كما كان حليمًا صبورًا محتسبًا عفيفًا كريمًا صالحًا زاهدًا بعيدًا عن الفتنة[5]. وكان يقول: "رب كلمة ذل احتملتها أورثتني عزًا طويلًا".

كما كان ينأى بنفسه عن الفتن ويحذر منها، ويرى أن فيها هلاك الأمة ويقول: "أتى أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله هل للإسلام منتهى؟ قال نعم، فمن أراد الله به خيرًا من عرب أو عجم أدخله عليه، ثم تقع فتن كالظلل يضرب بعضكم رقاب بعض، فأفضل الناس يومئذ معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس… " [6].

مكانة عروة بن الزبير التاريخية:
يعد عروة بن الزبير بحق أول من صنف في المغازي كما ذكر الواقدي [7] ولكن مصنفاته لم تكن كتبًا بالمفهوم المتعارف عليه الآن بين الدارسين، وإنما كانت عبارة عن رسائل، تجمع كل رسالة الروايات التي تتناول موضوعًا أو حديثًا معينًا يشبه ما يسمى الآن الفصل من الكتاب يصوغه بأسلوبه الخاص، يقول الأستاذ محمد شفيق غبريال: "وعندما دونت هذه الأخبار، دونت منفصلة، فنجد كتابًا عن وقعة الجمل أو صفين، أو ما إلى ذلك" [8].

وربما كان ذلك هو الشائع في عصره، لا في التاريخ فحسب بل في سائر الفنون - فعن تدوين الحديث مثلًا يقول الأستاذ محمد محمد أبو زهو: "وكانت طريقتهم تتبع وحدة الموضوع فهم يجمعون في المؤلف الواحد الأحاديث التي تدور حول موضوع واحد كالصلاة مثلًا، يجمعون الأحاديث الواردة فيها في مؤلف واحد" [9].

مروياته التاريخية:
وصل إلينا كثير من مرويات عروة التاريخية متناثرة عند ابن هشام في "السيرة"، والواقدي في "المغازي"، وابن سعد في "الطبقات"، وابن شبة النميري في "تاريخ المدينة"، والطبري في "تاريخ الرسل والملوك"، وفي بعض المصادر المتأخرة مثل ابن عبد البر في "الاستيعاب"، وابن الأثير في "أسد الغابة"، والذهبي في كتابيه "السيرة" "والمغازي"، وابن كثير في "البداية والنهاية"، والسيوطي في "الخصائص".

وبالنظر في هذه المرويات نجد أنها تناولت:
الفترة المكية من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها الإرهاصات التي سبقت نزول الوحي مثل حادث شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وتعبده في غار حراء، ونزول الوحي عليه في سن الأربعين، وأول ما نزل من القرآن، وإسلام خديجة بنت خويلد، وتعليم جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة، وإعلان الدعوة وموقف المشركين منها، وفتنة المسلمين تحت العذاب..

وهجرة المسلمين إلى الحبشة، وسبب اختيارها للهجرة،حيث ذكر أنها كانت متجرًا لقريش – أي مألوفة لأهل مكة – وكان بها ملك عادل لا يظلم عنده أحد، وبعض أسماء من هاجر إليها، ومحاولة قريش إرجاع المسلمين المهاجرين إلى الحبشة.

وتحدث عن بعض مظاهر إيذاء المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل رمي القاذورات عليه، والسخرية منه، وعن خروج أبي بكر الصديق مهاجرًا، ثم عودته إلى مكة بعد أن أدخله ابن الدغنة في جواره، ومقابلة الرسول صلى الله عليه وسلم لوفد يثرب إلى مكة وعرضه الإسلام عليهم، وبيعة العقبة الأولى، وبيعة العقبة الثانية، وفي كل ذلك يذكر الآيات القرآنية المرتبطة بكل حادث إن وجدت ويفسرها عند الحاجة.

ثم تكلم عن هجرة المسلمين إلى المدينة، وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك مع تفاصيل قليلة عن أحداثها وكيف تمت، مثل خبر اختفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في غار ثور، واستئجاره رجلًا من بني الديل ؛ ليدله وأبا بكر على الطريق إلى المدينة، ونزوله قباء، وانتظار المسلمين وتشوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة وكيفية استقباله.

الفترة المدنية: وتحدث فيها عن إصابة بعض المسلمين بالحمى بعد وصولهم إلى المدينة، ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحببها إليهم، وزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها، وسرية عبد الله بن جحش، ومسألة القتال في الأشهر الحرم، وما نزل في ذلك من القرآن، وغزوة بدر، وقد تحدث فيها عن دعاء الرسول على المشركين، واختلاف كلمة المشركين، ورغبة بعضهم في العودة، وترك القتال، وبعض أسماء من قتل من المشركين واستشهد من المسلمين فيها، وقصة إسلام عمير بن وهب.

وغزوة بني قينقاع وما نزل فيها من القرآن، وغزوة أحد وتحدث فيها عن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغزوة، وإعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه لأبي دجانة يوم أحد وقصة قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن خلف، وغزوة حمراء الأسد، وغزوة بئر معونة، وغزوة الرجيع، وغزوة بني النضير، وكيفية تقسيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أفاءه الله عليه في هذه الغزوة وما نزل في ذلك من القرآن.
وغزوة الخندق، وغزوة بني قريظة، وحكم سعد بن معاذ فيهم، وغزوة بني المصطلق، وحادثة الإفك، وزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ب جويرية بنت الحارث، وسرية زيد إلى أم قرفة وصلح الحديبية وشروطه، وقصة فرار أبي بصير وأتباعه إلى ساحل البحر الأحمر وتعرضه لتجارة قريش، وغزوة خيبر، وغزوة مؤتة .

وفتح مكة، وغزوة حنين، وحصار الطائف، وإعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤلفة قلوبهم، وإرسال عروة بن مسعود بعد إسلامه إلى ثقيف، وقصة مقتله على أيديهم، وغزوة تبوك ودور المنافقين فيها، وكتب الرسول إلى الملوك والأمراء، وحجة الوداع، وتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أسامة، ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته في بيت عائشة، وعمره حين توفي، وإشارته إلى فضل أبي بكر ووصيته بالأنصار قبل موته، وهذه الروايات إذا نظرنا إليها مجموعة وجدناها تكون شكلًا أو هيكلًا عامًا لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

عصر الخلفاء الراشدين: وبدأه بالحديث عن فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذكر الأحاديث التي تؤيد ذلك، واجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة للتشاور في أمر الخلافة.

وحروب الردة، وموقعة أجنادين، وتفرغ أبي بكر لإدارة شئون المسلمين، وتركه التجارة، ومرض أبي بكر الصديق، ومكان وتاريخ وفاته، ومن خلال مروياته المتفرقة عن أبي بكر نستطيع أن نقول إنه قدم صورة عن أهم الأحداث في عصره.

ثم تحدث عن واقعة اليرموك، والقادسية، وعن ذهاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى فلسطين، وعن قصة إصابة أبي عبيدة بن الجراح في طاعون عمواس، واشتداد عمر في محاسبة أهله، وبعض الأخبار المتناثرة عن الحياة الاجتماعية في عهد عمر بن الخطاب.

وتكلم في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه عن مدى الغنى الذي وصل إليه الناس في عصره، وعن مجيء الثوار إلى المدينة وحصارهم له، وعن مجادلة أهل مصر له، ثم تحدث عن واقعة الجمل، وعن النزاع الذي وقع بين أهل بيته وبين بني أمية، وقد حكى قصته بنزاهة تامة دون تحيز لأهل بيته.

أبرز السمات العامة لمرويات عروة بن الزبير:
- الاقتصار على تناول تاريخ الإسلام فقط، باستثناء حديثه عن بعض إرهاصات النبوة التي سبقت نزول الوحي مثل الرؤيا الصادقة [10]، وخبر يسير عن زيد بن عمرو بن نفيل وإظهاره الحنيفية، ذكره عن أمه أسماء بنت أبي بكر [11].

- الإيجاز والاقتصار على الجانب المهم من الرواية أو الخبر، انظر مثلًا حديثه عن إسلام أبي سفيان بن حرب إذ يقول: دخل عليه – أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - أبو سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم بن حزام بمنزله بمر الظهران فبايعوه على الإسلام، فلما بايعوه بعثهم بين يديه إلى قريش يدعونهم إلى الإسلام، فأخبرت أنه قال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن – وهي بأعلى مكة – ومن دخل دار حكيم – وهي بأسفل مكة – فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه وكف يده فهو آمن" [12]، هذه الرواية الموجزة نراها قصة طويلة عند ابن إسحاق والواقدي تمتد لصفحات.

- النزاهة والموضوعية والبعد عن التعصب حتى ولو لأقرب الأقربين له، فقد روى أن سيف الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أعطاه لأبي دجانة رضي الله عنه يوم أحد طلبه أبوه الزبير رضي الله عنه فأبى رسول الله أن يعطيه له [13] رغم أنه قد يفهم منها نقصان منزلة أبيه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعند حديثه عن مقتل أخيه مصعب بن الزبير يذكر قول عبد الملك بن مروان – رغم أنه قتل على أيدي جنوده "واروه فقد والله كانت الحرمة بيننا وبينه قديمة ولكن هذا الملك عقيم "[14].
- الأخذ من مصادر مباشرة إما عن طريق مشاهدته أو من شهود العيان لها.

- أنها لم تقتصر على الروايات التي تتصل بأمر الحكم فقط، أو ما يسمى في العصر الحديث بالتاريخ السياسي، وإنما تناولت كثيرا من الأمور الاجتماعية.

منهج عروة التاريخي:
ورغم كثرة المرويات التاريخية عن عروة إلا أننا لا نستطيع أن نعرف أو نحدد بإيضاح المنهج الذي سلكه في كتابة مروياته أو جمعها ؛ لأن هذه المرويات كما ذكرت وردت متناثرة في ثنايا الكتب، إضافة إلى أن المؤرخين الذين حفظوها لنا كانوا في بعض الأحيان لا ينقلون الرواية كاملة، وإنما يأخذون منها ما يحتاجون لدمجه في مرويات أخرى ؛ ليكون الفكرة التي يريدون عرضها أو تقديمها.

[1] أنه كان يجمع الروايات التي ترتبط بالحادثة الواحدة ثم يصوغها بأسلوبه الخاص في دقة وتسلسل، وهذا ما سمي فيما بعد بالإسناد الجمعي، فكان عروة أول من اتبعه، وليس الزهري كما ظن بعض الباحثين المعاصرين.

[2] أنه كان يمهد للحادثة التي يتكلم عنها في مقدمة توضح سببها قبل ذكر تفاصيلها[15]، ومثال ذلك تمهيده لهجرة المسلمين إلى الحبشة بقوله: "لما دعا – رسول الله صلى الله عليه وسلم - قومه لما بعثه الله من الهدى والنور الذي أنزل عليه، ولم يبعدوا منه أول ما دعاهم، وكادوا يسمعون له، حتى ذكر طواغيتهم. وقدم ناس من الطائف من قريش لهم أموال، أنكروا ذلك عليه واشتدوا عليه … ثم ائتمرت رءوسهم بأن يفتنوا من تبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم، فكانت فتنة شديدة الزلزال على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فافتتن من افتتن، وعصم الله منهم من شاء، فلما فعل ذلك بالمسلمين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة … " [16].

[3] أنه كان يوضح أحيانًا العلاقة بين الأحداث ويربط بعضها ببعض فعند حديثه عن غزوة بدر مثلًا ربط بينها وبين بعض المناوشات التي سبقتها، مثل مقتل ابن الحضرمي، وإيقاع عبد الله بن جحش ببعض قريش وأسر فريق منهم إذ يقول: "وكان الذي هاج وقعة بدر وسائر الحروب التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش ما كان من قتل واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي" [17].

[4] أنه كان يجمع الآيات القرآنية التي نزلت في الحادثة التي يتكلم عنها أو التي لها صلة بها، ويقوم بتفسيرها.

[5] أنه كان يحاول رد ما يوجه إلى بعض الصحابة من اتهام بأمور لا تليق بمنزلتهم على ألسنة ذوي الأهواء، مستندًا إلى المكانة الدينية لهؤلاء الصحابة فرد اتهام علي بالمساعدة على قتل عثمان رضي الله عنهما بقوله:"كان علي أتقى لله من أن يعين على قتل عثمان وكان عثمان أتقى لله من أن يقتله علي"[18] عبارة موجزة لو فقهها المسلمون لوفروا ما ضاع من جهد ووقت في بحث خلافات لا وجود لها.

[6] أنه لم يكن يكتفي بما يرويه عن غيره، وإنما سجل الحوادث التي شاهدها بنفسه مثل حديثه عن حصار عثمان بن عفان رضي الله عنه إذ يقول: " وقفت وأنا غلام أنظر إلى الذين حاصروا عثمان رضي الله عنه وقد مشى أحدهم إلى الخشبة؛ ليدخل إلى عثمان فلقيه عليها أخي عبد الله فضربه... "[19]، ويقول أيضًا مصورًا حال الناس زمن عثمان رضي الله عنه: "أدركت زمن عثمان وما من نفس مؤمنة إلا ولها في بيت مال الله حق" [20].

[7] أنه عند حديثه عن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم أو المعارك الإسلامية كان يقدم مع أحداث الغزوة قائمة بأسماء من شهدها ومن استشهد فيها فيقول مثلًا: ممن شهد بدرًا أبو حذيفة بن عتبة [21] وثابت بن حسان [22] وممن شهد أحدًا ثعلبة بن ساعدة [23]، وممن شهد جسر أبي عبيد أنيس بن عتيك [24] وممن استشهد باليمامة بشير بن عبد الله الأنصاري [25].

[8]كما أنه قدم تراجم لكثير من الصحابة، وهذه الترجمة قد تكون وافية أحيانًا، وأحيانًا موجزة لا تتعدى سطرًا واحدًا مثل قوله "كان صهيب من المستضعفين من المؤمنين الذين كانوا يعذبون في الله"[26] وقوله "كان بلال من المستضعفين من المؤمنين، وكان يعذب حين أسلم ليرجع عن دينه فما أعطاهم قط كلمة مما يريدون"[27].

[9] أنه حرص على إيراد التواريخ وبدقة تامة فيقول عن نزول الوحي "عرض له جبريل ليلة السبت وليلة الأحد ثم أتاه بالرسالة يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ورسول الله ابن أربعين"[28] وانظر إلى وصفه لمرض ووفاة أبي بكر الصديق "كان أول ما بدأ مرض أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة وكان يومًا باردًا فحُمَّ خمسة عشر يومًا لا يخرج إلى الصلاة.... وتوفي ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جُمادى سنة 13ه وكانت خلافته سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال فتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة" [29].

تقييم مروياته:
ورغم ما اشتهر به عروة من فضل، وقبول بين المحدثين إلا أنه لا يمكن التسليم بكل المرويات المنسوبة إليه؛ لأنه بمنزلته العلمية ومكانته من أم المؤمنين عائشة لم يكن بمنأى عن الوضَّاعين أن يستغلوا ذلك ليروجوا عن طريقه بعض أكاذيبهم. ومن هذه الروايات:
ما نسبهُ إليه أبو نعيم في حلية الأولياء عن عائشة "النظر إلى علىَّ عبادة "[30]. فقد أشار إلى وضع هذا الخبر صاحب تذكرة الموضوعات، وقال: إن بعض علماء الحديث أشاروا إلى انه موضوع ومتنه ينبئ بذلك.

وما نسبهُ إليه السيوطي في كتابه الخصائص "أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فجاءه إنسان قدم من ناحية طريق مكة فقال له: هل لقيت أحدًا؟ قال: لا يا رسول الله إلا امرأة سوداء عريانة ثائرة الشعر. فقال رسول الله تلك الحمى ولن تعود بعد اليوم أبدًا"[31]. والمعروف عند أهل الطب أن الحمى تصيب الإنسان نتيجة فيروسات معينة تهاجم الجسم، فينتج عنها الأعراض التي نراها، فما علاقة ذلك إذًا بالمرأة السوداء ثائرة الشعر، وكيف تشبهت تلك الفيروسات الموجبة لمرض الحمى بها، وإنما الصحيح ما جاء عند البخاري: "رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة - وهي الجحفة - فأولت أن وباء المدينة نقل إليها" [32].

وما نسب إليه عند ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق "لما نزل طاعون عمواس كان أبو عبيدة معافى منه وأهله فقال: اللهم نصيبك في آل أبي عبيدة قال: فخرجت بأبي عبيدة في خنصره بثرة فجعل ينظر إليها فقيل: إنها ليست بشيء فقال: إني لأرجو أن يبارك الله فيها فإنه إذا بارك في القليل كان كثيرًا"[33] فمحال أن يصدر هذا الكلام عن صحابي مثل أبي عبيدة، وهو يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن تمني نزول البلاء، وإذا كان أبو عبيدة رضي الله عنه يريد الأجر والثواب ففي رباطه وجهاده، وإذا أراد الموت في سبيل الله فليس الموت بالطاعون بأفضل من القتل في ساحة القتال.

ثم متى أباح الإسلام الدعاء بالبركة في المرض ورسولنا هو القائل "تداووا عباد الله" [34]، ليس هذا فقط بل طالب المسلم أن يقي نفسه من الإصابة بالأمراض – فضلًا عن أن يتمناها – قدر إمكانه فقال صلى الله عليه وسلم: "فر من المجذوم فرارك من الأسد" [35].

ومما يدل على بطلان هذا الخبر أن ابن عساكر أورد خبرًا آخر عنه يتوافق مع ما ذكرت، ويليق بأبي عبيدة وفهمه لمقدور الله وهو "عن أنس أن عمر بن الخطاب أقبل ليأتي الشام، فاستقبله أبو طلحة وأبو عبيدة بن الجراح فقالا: إن معك وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيارهم، وإنا تركنا بعدنا مثل حريق النار يعني الطاعون فارجع العام فرجع" [36]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم بالطاعون في بلد فلا تخرجوا منه ولا تدخلوا إليه" [37].

ولكن ذلك لا يجعل الشك يتسرب إلينا تجاه مروياته، فإن طريق التعرف على الدخيل عليها يسير إن شاء الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.