المجارى تغرق شوارع بشتيل كوبري صغير يفصل بين حي المهندسين ومنطقة بشتيل، لكن الماء الذي يندفع من الحنفية في الحي الراقي يختلف عن الذي ينقطع في المنطقة العشوائية طيلة ساعات النهار فإذا جاء الليل تأتي معه المياه مختلطة بالصرف الصحي ليشرب الناس أمراضا سائلة تضاعف لهم الشقاء. لا ينتظر الأهالي في بشتيل حلا للمشكلة، فقد يئسوا من وعود مسئولين لا تتحقق، وأداروا ظهورهم لحكومة تقصيهم من اهتمامها، وتضعهم في سلة النسيان. أمام باب المسجد جلس الشيخ أشرف واثقا في عدالة سماء تسلط عليه دفء الشمس، يراقب طريقا ترابيا مسوراً بالقمامة ومزيناً بالمطبات، حكي لنا أشرف عن الحياة داخل "بشتيل" وقصة المياه التي تظل مقطوعة طيلة النهار ولا تصلهم إلا في وقت متأخر من الليل ومع أول ضوء النهار تختفي من جديد، ويقول إن البعض بدأ يستخدم المواتير لسحب المياه ومحاولة إطالة مدة بقائها ولكن الحال لا يتغير كثيراً. ويتعجب عبد الله محمد، 60 عاما، من أنهم يمتلكون عداداً للمياه ورغم الانقطاع المستمر إلا أنهم يدفعون فواتير بمبالغ ضخمة تصل في بعض الأوقات لأكثر من 700 جنيه بالشهر، ويصيح كله " أونطة" في "أونطة"! ويشكو من أن المياه التي تأتي ليلا تكون مختلطة بالصرف الصحي وتأتي معها الرمال وهو ما يؤدي لإصابة الكثير من السكان وحتي الأطفال بالفشل الكلوي ومشاكل في الكبد، في حين أن المواسير التي نستخدمها بالجهود الذاتية وهو ما يعني أن الحكومة لم تقدم لنا شيئاً. وأمام محل للملابس، وقفت إيمان متولي تشتري لصغيرها "بلوفر" من الصوف يحميه من موجة الصقيع، قالت إنها تضطر لاستخدام الماء في طعامها رغم أنه مليء بالشوائب ورائحته تشبه المجاري، ولكننا لا نجد غيره، وتضيف: "إحنا غلابة.. هنعمل إيه طيب؟". بجانبها تقول إكرام عبد الرازق موظفة إنها تسكن في شارع المزرعة ورغم ما يعانيه الأهالي من انقطاع مستمر للمياه إلا أنها لم تر ولو مسئولاً واحداً يأتي إليهم ليشاهد معاناتهم علي الطبيعة ويحاول رفع هذا البلاء عنهم ..وتتساءل ماذا سيفعل المسئول لو وجد طفله يشرب من ماء يصيب الجسد بمختلف الأمراض.. اللي ماترضهوش علي نفسك ماترضهوش لغيرك.. تصمت وتضيف: ربنا موجود. ويثق محمد محمود مدرس في الرئيس السيسي ويتمني لو يشملهم بالعطف ويأمر بالتحقيق مع المسئولين بسبب إهمالهم لمليون شخص يعيشون في بشتيل ولا يجدون شيئا من الرعاية ويشربون من المجاري.. ويتعجب من أعضاء مجلس الشعب الذين كانوا يأتون إليهم في لحظات الدعاية الانتخابية ولكن بعد انقضاء فرح الانتخابات لا حس ولا خبر. ويتفق معه عبد الفتاح سعيد تاجر فيقول: نعم قمنا بتوصيل المواسير علي حسابنا ودفعنا ثمنها من قوت عيالنا لافتا إلي أن عداد المياه يتكلف آلاف الجنيهات ويطالب بالإسراع في حل المشكلة مثلما حدث في مناطق أخري بتركيب الضغط العالي وهو ما سيحمي أولادنا من الإصابة بفيروس سي .. فيكاد لا يوجد بيت في بشتيل إلا وبه مريض نتيجة شرب هذه المياه التي جلبت عليهم الكوارث. وأشار إلي أن صغر حجم المواسير هو السبب المباشر لانقطاع المياه وعدم وصولها للأدوار العليا في العمارات وهو ما جعل الأهالي يتقدمون بشكوي للمسئولين لحل المشكلة التي قلبت حياتهم إلي جحيم ووثقت العلاقة بينهم وبين المستشفيات نتيجة إصابتهم بالأمراض المختلفة وخاصة أمراض الفشل الكلوي، وطالب الأهالي في شكواهم رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي المهندس ممدوح رسلان بأهمية الإسراع في تركيب مواسير مياه بأقطار أكبر من الموجودة حتي تصل إليهم المياه طيلة اليوم ويتمكن سكان المنطقة من قضاء حاجتهم بطريقة آدمية. ويؤكد عبد الفتاح أن المشكلة التي يعانون منها ولا يجدون لها حلا موجودة منذ عشرات السنين، وشرح أن القرية كانت في السابق مجرد أراضٍ زراعية حتي تم السماح لهم بالبناء عليها وهو ما جعل البعض يبنون البيوت دون تخطيط أو تنظيم ولكن بشكل عشوائي وهو ما جعل شبكة الصرف الصحي لا تتحمل الضغط عليها فنتج عن ذلك طفح للمجاري وإغراق للأدوار الأرضية . وطلب العميد محيي الصرفي المتحدث الرسمي للشركة القابضة لمياه الشرب تحديد المنطقة موضع المشكلة فأعطيناه العنوان بالضبط ووعد بإرسال مختصين إلي المنطقة لحل المشكلة علي الفور علي أن يطلعنا علي ما تم.. في حين أن المهندس حنفي محمد حنفي رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب لشركة مياه الشرب والصرف الصحي بالجيزة قال في تصريحات صحفية سابقة، إن الشركة لا تنكر وجود بعض الأخطاء التي تؤدي لاختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي في بعض المناطق بالجيزة، مشيراً إلي أن أولها هو تصرفات الأهالي الخاطئة، منوها بأن هناك بعض التسريبات بخطوط الصرف الصحي التي تصل إلي مواسير ضخ المياه ويتم سحبها مع مياه الشرب عن طريق مواتير رفع المياه المستخدمة في جميع المنازل ولكن بسبب استخدام الأهالي لمواتير رفع المياه التي تقوم بشفط المياه دون التفرقة بينها. وأكد أن الطاقة الإنتاجية للمحطة وصلت إلي نحو 3.5 مليون متر مكعب يوميا.. مشيرا إلي أنها تسع نحو 12 مليون نسمة بجميع أنحاء محافظة الجيزة، منوها إلي أنه علي الرغم من وفرة المياه لتغطية احتياجات سكان المحافظة الذين يصل عددهم إلي 8 ملايين نسمة في آخر إحصاء العام الماضي إلا أن المحافظة تعاني من نقص في المياه بسبب فقدان جزء كبير من المياه بطرق مباشرة أو غير مباشرة. وشدد علي أنه في حال وجود تسريبات أو اختلاط بين الشبكات والمواسير يتم تجميع عينات للمياه وتحليلها للتأكد من صحتها وتنقيتها، مضيفا أن الخطر الأكبر حاليا هو الاستخدامات المتعددة للأهالي للطلمبات الحبشية وربطها بمواسير المياه مباشرة، مطالبا بضرورة عدم لجوء الأهالي لها حيث إن نسبة اختلاط الصرف الصحي بها كبير. وقال حنفي إن الشركة تدير منطقة جنوب المحافظة بطريقة التناوب نظرا لعدم كفاية كمية المياه المنتجة موضحا أنها تبدأ من قري أبو النمرس وحتي قري أطفيح، مشيرا إلي أن الشركة تقوم بشكل دوري بعمل فحوصات علي المياه للتأكد من سلامتها نافيا أن يكون هناك أي اختلاط بين المياه والصرف. وأضاف بأن بشتيل تعتبر من أكثر المناطق المتضررة حاليا بسبب الطفوحات المستمرة وهو ما جعلنا نفكر في تحسين خطوط الصرف هناك التي تم توصيلها بشكل عشوائي بمعرفة الأهالي والحكومة لكنها ستحتاج لفترة زمنية غير قصيرة لمعالجة الشوارع بالكامل. واستطرد: نحن كشركة لا ننكر أن هناك بعض التسريبات في بعض الخطوط وهي عوامل معتادة في أنواع من التربة أو في مناطق معينة ولكن المشكلة تكمن في الاستخدام الخاطئ للأهالي من خلال قيام بعض الأهالي باستخدام مواتير رفع المياه للمنازل مما يؤدي إلي رفع المياه من المواسير ومن ثم بعد انتهائها يقوم بشفط مياه الصرف الصحي التي تمر في خط مجاور دون التفرقة بينهما ولذلك نحن حذرنا من قبل من استخدام هذه المواتير. وتشير زينب منير الرئيس السابق للجهاز التنفيذي لمياه الشرب إلي أن عدم نظافة المياه يرجع لعيوب تشغيل بالشبكة نفسها، مما يجعل المحطات لا تنتج مياها جيدة، وتضيف: يجب عدم تشغيل أي محطة إلا بعد معاينة دقيقة من وزارة الصحة والتي تعطي إيجازاً بالتشغيل، وبعد ذلك كل شيء يرجع لشركة المياه. وتوضح أن هناك مشكلات تسريب في الشبكات والمواسير التي تضخ مياها غير صالحة وهو ما يتسبب في ظهور الرواسب والرمال وشوائب التربة بالمياه المنقاة وهي التي نراها.