منذ مائة وأربعين سنة.. تم إنشاء دار الكتب أنشأها آباؤنا وأجدادنا للحفاظ علي كل مانكتبه.. علي كل مانفكر فيه.. علي كل سطر نسطره وفكر نتقدم به إلي الدنيا جميعا.. حتي أصبحت دار الكتب هي الحافظة وهي ديوان المعرفة لايصدر كتاب إلا ومنه نسخة في هذه الدار ولا تصدر مجلة أو صحيفة إلا وتحتفظ بها.. ولكي نعلن تقديرنا آسف تقدير الآباء لهذه الدار العظيمة فقد بعثنا إليها بأعظم مفكرينا لكي يعملوا فيها أو بمعني أصح ليعملوا علي تقييم كل الأفكار التي تدخل إليها نذكر منهم توفيق الحكيم وأحمد رامي وآخرين وآخرين لا تسعهم الذاكرة. حافظنا علي ماكتبناه منذ منتصف القرن التاسع عشر وما سبقه أيضا وعلي امتداد القرن العشرين ومابعده.. لكن مع بدايات القرن العشرين وقبل المنتصف بسنوات قليلة أو بعيدة ظهرت ذاكرة أخري لهذا الوطن كان الكتاب هو المعرفة المكتوبة وجاءت السينما لتصبح هي الذاكرة المصورة التي تسجل بالصوت والصورة والفكر أيضا كل مايحدث علي أرض مصر وأكثر من هذا كل ماهو علي أرض مصر ذاكرة واضحة المعالم حلوة التعبير صادقة في كل ماتراه وتصوره وتسجله.. لكننا وبكل أسف ومع تقدمنا في الفكر والمعرفة ومع تقديرنا لهذا الذي يقدم علي الشاشة الصغيرة والكبيرة لم نقم بتسجيل أو بحفظ كل ماصنعناه.. بل إننا تركناه بين أيدينا ولم تقبض عليه هذه الأيدي لم نمنعه من الذهاب من الاختفاء من الضياع. راحت أفلام السينما تنتقل من يد إلي يد.. ومن متاهة إلي متاهة ومن ضياع إلي ضياع.. أين كان فكرنا وعقلنا الذي هدانا إلي دار الكتب لنحتفظ بكتبنا وعلمنا فيها لماذا لم نلتفت أبدا إلي أننا قد صنعناه ماهو بنفس القيمة إن لم يكن أعظم لماذا ضيعناه لماذا فقدناه ليس هذا وحسب بل إن الاذاعة المصرية أيضا قد أضاعت الكثير من الأشرطة لفنانين.. لاحسن المطربين وأضاعت الكثير من الأحاديث مع الفلاسفة والمفكرين من أبناء الأجيال السابقة أضعنا كل شيء حتي إذا بحثنا عن أفلامنا القديمة وجدناها في مكتبات أخري ضاعت إلي غير رجعة.. أضعنا جزءا رائعا من تاريخنا ورحنا نتحسر عليه.. فهل يفيق صناع السينما وعمالقة التكنولوجيا لأشياء أخري قد تضيع منا فلا نحتفظ بها ولا نفكر حتي أنها جزء من تراث هذا الشعب العظيم؟!..