أعادت الحادثة التي وقعت قبل أيام قليلة بانهيار صخرة من فوق سفح جبل المقطم بجوار برج الإرسال الخاص بالإذاعة، نتيجة سقوط الأمطار، إلي الأذهان ذكري كارثة انهيار صخرة الدويقة.. وأكد عدد من الخبراء والفنيين، احتمال وقوع كوارث مماثلة بنفس المنطقة ستكون أشد فتكاً وتأثيراً إذا استمرت الحكومة في تجاهل التحذيرات، التي يطلقها الباحثون والجيولوجيون من خطورة تلك المنطقة السكنية الواقعة أسفل وأعلي جبل المقطم ومنطقة الهضبة العليا، خاصة مع استمرار التوسع في البناء والعمران علي الهضبة، باعتبارها من الأماكن الخطرة بسبب ضعف الصخور، وتآكل الكتلة الحجرية التي أنشئت عليها المساكن نتيجة تسرب مياه الصرف الصحي، والأمطار، ومياه الحدائق. هذه التحذيرات لم تأخذها الأجهزة المعنية علي محمل الجد، ولم تتخذ أي إجراءات أو احتياطات لمواجهتها، ولم تقم بوضع اشتراطات لضبط التعامل مع هذه المنطقة، أو هذه التربة ذات الطبيعة الخاصة. وتعد هضبة المقطم من الهضاب الجيرية الكبيرة، وهي بحسب علماء جيولوجيين وخبراء تقع علي شكل مثلث، ومتوسطة الارتفاع، وتبلغ مساحتها نحو 15 كيلو متراً مربعاً، وتمتد علي شكل حافة من صخور جيرية، ومن الأسفل تبدأ بارتفاع نحو 60 متراً فوق مستوي سطح البحر، كما يبلغ أقصي الارتفاع نحو 140متراً وطبقاتها ملتوية ومحدبة في المنطقة المتجهة للقلعة حيث يبلغ الارتفاع نحو 240 مترا، وتمتد إلي منطقة الدراسة ومنشأة ناصر. وتعد هذه المناطق شديدة الانحدار بغرق منسوب يتراوح بين 20 إلي 30 متراً، وتتكون هضبة المقطم من رواسب بحرية تكونت تحت سطح البحر منذ آلاف السنوات، وهذه الرواسب عبارة عن مواد جيرية، تخللتها طبقات طفلية أو طبقات رملية، وتمتد هضبة المقطم من الشرق ناحية هضبة القطامية ومن الجنوب تمتد بمئات الكيلو مترات ناحية هضبة المعزة، وتمتد من ناحية الغرب حتي هضبة أبو طرطور. إدارة المساحة الجيولوجية، أصدرت تقريراً مؤخراً تحذر فيه من المخاطر التي تهدد هضبة جبل المقطم، والطريق الصاعد إليها، كما صدر تقرير اللجنة العلمية التي قامت بتشكيلها محافظة القاهرة لتحديد المناطق الأشد خطراً، حيث خلص التقرير إلي وجود نحو 13 منطقة تقع في محيط جبل المقطم معرضة للانهيار، وتمثل خطورة علي حياة المواطنين القاطنين فيها ومن أكثر هذه المناطق خطورة اسطبل عنتر، والمغارة، وبطن البقرة بالحافة الجنوبية لجبل المقطم، والشهية، ووادي فرعون، والرزاز، وأبو بكر الصديق، إضافة لمنطقة أحمد هاشم، بالحافة الشمالية لجبل المقطم. ووفقاً لدراسة أعدها الدكتور عبدالصمد خفاجي، أستاذ الجيولوجيا بجامعة عين شمس، خلصت إلي أن المناطق العمرانية الممتدة من طريق الأوتوستراد في الاتجاه الغربي حتي منطقة القطامية شرقاً التي يطوقها من الناحية الشمالية المنحدر الجنوبي لجبل المقطم، ومن الجنوب طريق المعادي القطامية القديمة، معرضة لكارثة انهيارات علي المدي الطويل، وأن منطقة كارفور المعادي معرضة لأضرار جسيمة لوقوعها علي طبقات طفلة من جبل المقطم معرضة للتآكل والتفتت. وأشارت الدراسة إلي تحديد المشاكل الهندسية الناجمة عن طبيعة البناء علي صخور في هذه المناطق لأن معظمها يتكون من صخور الحجر الطيني والمارل، فعينات التربة التي تم تجميعها من هذه المناطق ذات خصائص انتفاسية وقابلة للتآكل والتفتت. البناء العشوائي الخبير الجيولوجي، يحيي القزاز، قال إن هضبة المقطم كما أثبتتها الدراسات والأبحاث الميدانية خاصة البحث الذي قام به شيخ الجيولوجيين الراحل العالم الدكتور عبده شطا، تؤكد أن حافة هضبة المقطم مثل غيرها من الهضاب علي مستوي العالم تتميز بوجود أنواع ثلاثة من المنحدرات هي الحافة العليا للهضبة والانحدار فيها رأسي، والحافة الوسطي، والانحدار فيها مقعر، والحافة السفلي والانحدار فيها مقوس، وهذا ناتج عن تراكم الترسيبات التي عادة ما تسقط من الحافة العليا ومنطقة الدويقة، لافتاً إلي أن هذه الهضاب تصنف بأنها متراجعة حيث تقع تحت تأثير العوامل الزمنية والتعرية حيث تتآكل جوانبها بدرجات مختلفة سواء بتأثير الأمطار أو الرياح كما تتآكل الصخور المكونة لها حيث تتراجع وفي المناطق الرطبة تزول تلك الهضاب وتتحول إلي كتل صخرية ومتناثرة. يضيف، أن البناء العشوائي فوق هضبة المقطم أدي إلي تآكل الطبقات الجيرية فهي من الهضاب الجيرية المتراجعة التي تتعرض حوافها للتآكل باستمرار بفعل عوامل التعرية والتشييد الهندسي الخاطئ مما أدي إلي إسقاطات مستمرة للصخور، لذلك فإن السبب الجيولوجي كان وراء سقوط صخرة الدويقة الضخمة أسفل الجبل مباشرة، مشيراً إلي أن هضبة المقطم من الهضاب الآيلة للسقوط التدريجي فالجزء الذي يقع من ناحية كورنيش المقطم والشارع الذي يقع فيه الفندق تعرض للتآكل حتي أصبح الفندق علي الحافة الجنوبية الغربية من الهضبة. ويحذر القزاز، من كارثة حقيقية تتمثل في زحف عوامل التعرية وتآكل الهضبة، وقد اتضح من خلال التصوير الجوي أو التصوير بالأقمار الصناعية منذ سنوات تآكل مساحة كبيرة، فقد ثبت تآكل الهضبة سنوياً بنحو170سم ناهيك عن أن البناء فوق هضبة المقطم والتوسع في إنشاء ملاعب الجولف وحمامات السباحة التي في احتياج مستمر للمياه، إضافة إلي انفجار مواسير المياه والصرف الصحي تعد من أبرز العوامل التي تؤدي إلي انهيار الهضبة باستمرار، لافتاً إلي أن ما نتج من تشققات وتحول للطفلة قد أدي إلي إزاحة الصخور وتساقطها، ولذلك أحذر من أن تساقط الأمطار والسيول قد يعجل بسقوط الهضبة في الوقت الذي يستمر البناء فوقها وعدم وجود صيانة. تتابع صخري ويؤكد الدكتور أسامة حسين، خبير الدراسات الجيولوجية بهيئة التخطيط العمراني، أن الدراسات والأبحاث التي أجريت حول هضبة المقطم أثبتت أن منطقة الهضبة تتكون من ثلاث هضاب، السفلي والوسطي والعليا، وهذه الهضاب مختلفة عن بعضها في التركيب الصخري والشكل الموروفولجي والبنية التركيبية، كما تتكون هذه الهضاب من نسب مختلفة من الصخور الأساسية سواء الحجر الجيري أو الطفلة أو المارل، كما أثبتت الدراسات أن الهضاب الثلاثة بالمقطم تتشكل من تتابع صخري صلب من الصخور الجيرية الدلوميتية يتخللها تداخلات من طبقات الطفلة اللينة. وأوضح، أن الأبحاث أكدت أن الأحجار الجيرية لأسطح الهضاب الثلاثة في منطقة المقطم تتميز عن غيرها من الهضاب بالقدرة علي تحمل الضغوط، لكن التشققات والكهوف الموجودة بها تضعف من قوة تحملها، كما نلاحظ أن الطبقات الطفلة التي تتخلل الأحجار الجيرية هي في الأساس تتكون من معادن البتونيت ذي القابلية الفائقة للانتفاخ، إضافة إلي أن المنطقة تحتوي علي طبقات من الحجر الجيري تتخللها طبقات طين صلد ومارل هش، مما يظهر بهذه الطبقات بعض الفواصل المائلة والراسبة وهذا من شأنه أن يؤدي إلي الانفصال أو الانزلاق لكتل من الطبقات. أضاف، كما توجد عوامل تساعد علي حدوث الانزلاق الأمامي مثل وجود طبقات صلبة ترتكز علي طبقات أخري لينة كالطفلة أو الصلصال أو المارل مشيراً إلي أن وجود مياه يساعد علي ازدياد الليونة للصخرة إضافة إلي التزييت أو التشحيم الذي تقوم به الأمر الذي يؤدي إلي سرعة حركة الصخر الصلب فوق بقية المنحدر، ومن هنا نلاحظ أن التساقط الصخري بمنطقة الدراسة والدويقة ترتبط بطبيعة هضبة المقطم حيث نلاحظ أن تكوينات الحجر الجيري شديد التأثر بعوامل تجوية ميكانيكية وكيميائية. تابع: أما الخطر الأكبر فيكمن في وجود شبكات للصرف ويزيد التأثير من وجود سيول في حالة حدوثها، لأن الهضبة تحتوي علي العديد من الطبقات الطفلة المتداخلة مع الحجر الجيري الذي تنتفخ بتسرب المياه مما يؤدي إلي الانزلاق الصخري مع وجود شبكة من فواصل وشقوق مملوءة بالطين والطفلة وكثافة شبكية من الكسور والفوالق المتقاطعة. ويضيف د.أسامة حسين أن منطقة المقطم تتأثر ببعض العوامل الأخري منها العوامل البشرية والتي منها تفجيرات المحاجر المجاورة لمناطق الدراسة مما يزيد من العوامل التجوية الميكانيكية إضافة إلي حرق تلال القمامة وانبعاث الغازات وهذا يزيد من عوامل التجوية الكيميائية لمنطقة الهضبة وإذا أضيفت إليها المباني العقارية الضخمة التي يجري الآن تشييدها علي هضبة المقطم وما يتم فيها من عمليات حفر مما سيكون لها تأثير قوي علي الصخور وذلك لكونها هشة وتتكون من الرمال والأحجار الجيرية ناهيك عن الإفراط الشديد في استخدام المياه للقصور والفيلات والأندية والملاعب والحدائق والمساحات المنتشرة في هذه المنطقة حيث تتسرب كميات كبيرة من هذه المياه بين الصخور والشقوق مما يكون له الأثر السلبي علي التركيب الجيولوجي للمنطقة. أسباب جيولوجية الدكتور رفيق الدياسطي، خبير تنمية المجتمعات البشرية، أكد أن هناك أسباباً جيولوجية، وجيمورفولوجية، وبيئية وهندسية، وأيضاً اجتماعية تؤدي إلي الانهيارات الصخرية والتي تعاني منها المنطقة، لذلك فالمنطقة أصبحت الآن في وضع خطير لا يسمح بالبناء عليها إلا بعد أخذ الإجراءات وإزالة الطبقات المتضررة والقيام بإخلاء المساكن الآيلة للسقوط والمهددة بالانهيار. وتتمثل الخطورة في عمليات الانزلاقات الأرضية مع ظهور بعض الوديان التي تسمح بتحديد مسارات للسيول في حالة حدوثها كما تنحصر درجات خطورة أخري تضم الأجزاء الشمالية للهضبة الوسطي، إضافة إلي أجزاء الهضبة العليا ناحية الجنوب والأجزاء الجنوبية من الهضبة الشمالية، كما تكمن الخطورة في الكهوف وخطوط تجمع المياه السطحية ومياه الصرف الصحي والمياه الناتجة عن عمليات ري المساحات الخضراء، والحدائق، والأندية مما يزيد من فاعليات التجويات الكيميائية. من جانبه، نفي اللواء عبدالسميع وهدان، رئيس حي المقطم وجود خطورة في منطقة المقطم وأن الحي بالتنسيق مع محافظة القاهرة اتخذ بعض الخطوات والإجراءات الاستباقية والاحترازية لتهذيب ومنع أي أحجار ضخمة معرضة للانهيار والسقوط من الهضاب، مشيراً إلي أن الحي قام بإزالة بعض الأحجار الضخمة التي تمثل خطورة في مطلع القلعة إضافة إلي إزالة بعض الصخور الواقعة تحت أبراج الإرسال الخاصة بالإذاعة وإزالة أي مخالفات والقيام بإصلاح شبكات المياه ومراعاة دورات المياه الجوفية في تفكك التربة فضلاً عن منع انتشار استخدام بوابين العقارات المياه في غسيل السيارات بالشوارع. وشدد رئيس حي المقطم علي أن الحي يقوم بإصلاح مواسير المياه المكسورة علي وجه السرعة سواء مواسير الخاصة بمياه الشرب أو الصرف الصحي، لافتاً إلي أن الخطورة تكمن في انتشار المياه وتسربها في التربة وأن أي إنشاءات عقارية جديدة تبحث في تربتها حيث تجري الدراسات عما إذا كانت التربة صالحة لإقامة الإنشاء عليها أم غير صالحة؟ مشيراً إلي أن التربة إما أن تكون طفلة أو حجراً جيرياً أو رملياً، وعادة ما يتم الاستعانة بطبقه إحلال وتجديد حتي يتم تفادي أي خلل في طبيعة هذه التربة، ومن هنا نتخذ كافة الإجراءات اللازمة لتحقيق الأمان في متابعة عمليات البناء كما نتابع عمليات الإزالات المخالفة.