تمر الذكري الخامسة لاندلاع ثورة 25 من يناير التي كانت وقتئذ الأمل في نهار جديد.. وبعيدا عن الثورة أو حتي محاولة استرجاع تفاصيلها.. ما يهمنا أن نقدم حصادا سينمائيا لأبرز الأفلام التي صُنِعت عنها، بهدف الوقوف علي كل الانعكاسات المختلفة لصورة الثورة في مرآة السينما وبأعين شباب حمل الكاميرا وسجّل وأرّخ أهم لحظات في حياة مصر وشعبها. مخرجون كبار وشباب تسارعوا علي تقديم رؤية ووجهة نظر جديدة رغم اختلاف انتماءاتهم وذلك من خلال أفلام روائية طويلة وأخري تسجيلية قصيرة، وعلي الرغم من الأحداث السياسية التي مرت وتمر بها مصر منذ اندلاع ثورة 25 يناير وحتي هذا اليوم لم نجد انعكاسا قويا لها في السينما المصرية، فالأعمال التي تناولت الثورة قليلة، رغم أن العام الأول من الثورة هو الأسوأ بالنسبة للسينما، ولم تحقق السينما إلا الخسائر ولم يقدم السينمائيون إبداعا يليق بالثورة بسبب الانتماءات التي كادت تطيح بالثورة نفسها, والسؤال ماذا قدمت السينما للثورة؟ وكيف قُدِّمت الثورة علي شاشات السينما؟ كانت البداية بعشرة مخرجين قرروا صنع حوالي عشرة أفلام من وجهة نظرهم عما شهدته مصر منذ 25 يناير 2011 تلك الثورة التي لم يتضح بعد تأثيرها علي الشعب فهي لاتزال تلقي بتداعياتها علي المشهد السياسي والاجتماعي بقوة ما بين مؤيد ومعارض لها . قرار عمل عشرة أفلام ثم ضمها معا في فيلم واحد، وكانت الفكرة رائعة خصوصا لأنها أتاحت الفرصة لعدد كبير من السينمائيين معظمهم من جيل الشباب الذي قاد الثورة أن يقفوا خلف الكاميرا. وقد أتيحت مساحة زمنية متساوية للمخرجين العشرة لتحقيق أفلامهم هي مدة يومين. لكن المشكلة الأولي في الفيلم أن الأفلام العشرة لم تكن متساوية في مدة العرض فهناك فيلم الدقائق الخمس مثلا، وهناك الفيلم الذي يتجاوز زمنه15 دقيقة. أيضا من خلال متابعة أحداث الأفلام نجد أن الأفلام تم تصويرها في القاهرة فقط ..ولم تذهب أي كاميرا أو مخرج إلي المحافظات الأخري وكأن الثورة كانت في ميدان التحرير فقط. "18 يوما" هو العمل السينمائي الأول ويضم 10 أفلام قصيرة، كان الفيلم الأول من إخراج شريف عرفة، وهو بعنوان "احتباس"وهو يدور قبل 25 يناير، داخل "مستشفي الأمراض العصبية" حيث يُحتجز عدد من المعارضين السياسيين بتعليمات من أمن الدولة، لكن أحد ضباط أمن الدولة أو المتعاونين معها، محتجز أيضا مع المعتقلين بالمستشفي، ومع تصاعد الأحداث ووقوع الثورة وهو ما يتابعه المحتجزون أو النزلاء، عبر جهاز التليفزيون، يبدأون في توزيع الاتهامات ثم يعقدون شبه محاكمة لرجل أمن الدولة الذي يصبح "ضحية" لهم يسعي بشتي الطرق إلي تبرير موقفه، وأفعاله ضدهم. "خلقة ربنا" هو عنوان الجزء الذي أخرجته كاملة أبو ذكري، وهو يمزج بين الواقع والشخصية التي تمثلها ناهد السباعي، وهي لفتاة من بيئة شعبية تصبغ شعرها باللون الأصفر، رغم غضب والدتها اعتقادا منها أنها بهذه الطريقة ربما تعثر علي "عريس".. وهي تنزل للشارع وتنضم للمتظاهرين إعجابا منها بشاب محمول علي الأعناق، وتردد وراء الجميع هتافات لا تفهمها.. وتسير كالمنوّمة، لكنها بعد أن كانت تبرِّر لنفسها في البداية قيامها بصبغ شعرها بأن "الريس نفسه يصبغ شعره"، تنتهي الي أن تطلب من الله أن يسامحها اذا كان صبغ شعرها خطيئة! الجزء الثالث بعنوان "19-19" من إخراج مروان حامد وتمثيل باسم سمرة وعمرو واكد وعمر السعيد وإياد نصار. وهو عبارة عن تحقيق مع أحد نشطاء الثورة داخل قبو من أقبية مباحث أمن الدولة. عمرو واكد يقوم بدور الناشط الذي يتعرض للتعذيب. وكان الفيلم يوضح التناقض بين الضابط الذي يمارس التعذيب لكنه مهتز من داخله كونه يدافع عن نظام انتهي ويعرف هو جيدا أنه لن يصمد، وبين ناشط سياسي من الشباب يثق في نفسه وفي عدالة قضيته. أما الجزء الرابع فكان بعنوان "إن جالك الطوفان" إخراج محمد علي. هنا يتخذ الفيلم الذي كتبه بلال فضل زاوية أخري غير زاوية الثوار، فهو يصوِّر كيف يسعي رجلان من سكان الهامش، المحرومين الفقراء الذين يفتقدون تماما إلي أي درجة من درجات الوعي السياسي، كيف يسعي شخص من هؤلاء المهمشين إلي الاستفادة من الثورة لتحقيق بعض المكاسب البسيطة فيبيع أعلام مصر للمتظاهرين في وسط القاهرة. وكيف يتعرض للخداع من جانب صديقه، وعندما لا يحقق هدفه، يتجه إلي تحقيق بعض المال من وراء المشاركة في العملية العنيفة التي أطلق عليها إعلاميا "موقعة الجمل" التي اعتدي فيها عدد كبير من المستأجَرين علي الثوار في ميدان التحرير. وتحت عنوان "حظر تجول" كان الجزء الخامس من إخراج شريف البنداري. يصوِّر كيف يعجز رجل عن العودة مع حفيده الذي خرج لتوه من المستشفي، إلي منزلهما بسبب حظر التجول، وقيام قوات الجيش بسد الطرق. "كعك الثورة" جزء آخر من إخراج خالد مرعي هو عبارة عن مشهد واحد يقوم ببطولته الممثل أحمد حلمي. "تحرير 2-2" أخرجته مريم أبو عوف وتدور أحداثه من خلال شخص يقول لمجموعة من المجتمعين لمناقشة أحداث الثورة، إنه سيروي حكاية حدثت في الواقع يوم 2 فبراير، أي يوم موقعة الجمل ويركز هذا الفيلم القصير علي ما جري يوم "موقعة الجمل"، ولكن ليس من خلال الشكل المباشر، بل من خلال قصة بسيطة تدور في أوساط الأحياء الشعبية الفقيرة بحاراتها الضيِّقة المليئة بالقاذورات، وشققها السكنية الضيقة الكئيبة. "شباك" كان جزءا آخر من 18 يوما للمخرج أحمد عبد الله، الفيلم يحاول أن يكشف لنا دور الإنترنت والفيسبوك وال "شات"، أي وسائل الاتصال الحديثة في الثورة. أما الجزء الأخير في الفيلم وهو بعنوان "أشرف سبرتو" من أكثر الأجزاء طرافة وهو من إخراج أحمد علاء، وسيناريو ناصر عبد الرحمن. حيث يقدم الفيلم شخصيات إنسانية نابضة بالحياة، الزوجة التي تغضب من سلبية زوجها أمام مواجهة أعمال السلب والنهب فتهجره إلي منزل والديها.. بائع الصحف الذي جاء يريد أن يحلق شعره وسط هذا الجو الملتهب ثم يصاب بطلق ناري. خطاب مبارك في 1 فبراير الذي أعقبته "موقعة الجمل" في اليوم التالي تحول حانوت الحلاقة إلي عيادة بعد توافد الجرحي عليه ودخول طبيب أو اثنين واضطرار الحلاق الي تقديم المساعدة الطبية، دون أي خبرة سابقة. كلمة عمر سليمان التي يعلن فيها تنحي مبارك، ثم عودة الزوجة إلي زوجها وعلامات الحمل تبدو عليها. لكن كيف تعاملت السينما المستقلة مع الحدث..معظم الأفلام دارت في مدار التجارب ليس أكثر بغض النظر عن تقييم المهرجانات والنقاد الذين يلتقطون التصاوير في ميدان التحرير فيلم مثل «ميكروفون» مثلا، الذي ذاع صيته وحصد العديد من الجوائز، وكان مقرراً له عرض جماهيري يوم 25 يناير 2011 يدّعي أنه من الأعمال التي تنبأت بالثورة! ويحكي عن المهمشين من فناني الفرق الموسيقية، الذين لا يجدون مَن يعطي لهم «الميكروفون» الفرصة حتي يصل صوتهم، في عصر كُمِّمت فيه الأفواه، وعاني الجميع من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية. يوميات مراسل إخراج محمد السباعي فيلم تسجيلي وتجربة شخصية وحياتية للمخرج بحكم عمله كمراسل أخبار، وقد كان شاهداً علي ما حدث للمجتمع المصري من تدنٍ في كل مجالات الحياة سواء صحة وتعليم وبحث علمي وزراعة وتجارة وصناعة وإنتاج وانهيار في الروح المعنوية والطموح والأمل بين أفراد الشعب المصري خصوصاً في آخر 6 سنين من حكم الرئيس السابق، السيناريو محمد السباعي مراسل أخبار متخصص في شأن المجتمع المصري والأسر المصرية،13عاما من حياته وهو يحمل الكاميرا والميكروفون ليشارك المواطن المصري همومه وأحزانه وأفراحه وأحلامه.أنتج وأخرج وكتب أكثر من 2000 تقرير مصوّر بطول مصر وعرضها. يوميات مراسل يحكي " آخر 6 سنين من حكم المخلوع " ويكشف الفيلم بعض الجرائم التي ارتُكِبت في عهد الرئيس السابق ونظامه في حق شعبه. اسمي ميدان التحرير، فيلم وثائقي طوله حوالي ساعة يبحث دوافع ثورة 25 يناير يعتبر نقلة نوعية في نهج الإعلام الرسمي المصري لتغطية الأحداث، أنتجه عاملون بقناة النيل للأخبار، ومُنِع عرضه في أول الأمر، حتّي أُجبر وزير الإعلام في حكومة الجنزوري أحمد أنيس علي عرضه (قبل 25 يناير 2012 بأيام معدودات) نتيجة ضغوط شديدة من العاملين بالقناة وتهديدهم بقطع البثّ إن استمرّ في رفضه لعرض الفيلم الوثائقي. ورغم عرض الفيلم اختفي كلّ أثر له فور عرضه من صفحة القناة علي اليوتيوب ومن علي الموقع الرسمي. الميدان فيلم وثائقي مصري أمريكي للمخرجة (جيهان نجيم) يصوِّر ثورة 25 يناير المستمرة من جذورها في ميدان التحرير، تلقي الفيلم إشادة عالمية من النقاد، وترشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي في حفل توزيع جوائز الأوسكار ال86 عُرِض لأول مرة في 18 يناير 2013 في مهرجان صاندانس السينمائي حيث ربح هناك جائزة الجمهور ضمن فئة الوثائقي، ونظراً لاستمرار الأحداث في مصر كان علي (جيهان) تحديث نهاية الفيلم خلال صيف 2013 بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب بعد الثورة (محمد مرسي)، ولكنه رغم ذلك كان ممنوعا من العرض في مصر بينما كان يُعرض في شوارع العاصمة الأوكرانية كييف خلال الثورة التي أطاحت بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا. "نوارة" أحدث فيلم تم إنتاجه في سنة 2015 وهو من إخراج وتأليف هالة خليل وبطولة منه شلبي. وشارك في بطولته الفنانون محمود حميدة وأحمد راتب وشيرين رضا وهو من تأليف وإخراج هالة خليل، تدور أحداثه في إطار اجتماعي حول رصد لحياة فتاة شعبية تُدعي "نوارة"، في الفترة ما قبل وما بعد ثورة 25 يناير، حيث تتورط هذه الفتاة في الكثير من المشكلات وتعيش قصة حب خلال الفترة التي اندلعت خلالها ثورة الخامس والعشرين من يناير وبعدها، مستعرضًا أثر ما كان يجري في مصر خلال هذه الفترة علي نوارة وعلي قصة حبها. ويُعد أهم ما كُتب عن الفيلم حتي الآن، أن "هالة خليل" تناولت الثورة وأحداثها من زاوية لم يتطرق إليها غيرها رغم أهميتها، فعرضتها من منظور الشخصيات البسيطة التي داعبتها الآمال المختلفة مع فوران الثورة، نائية بكاميرتها وأدواتها عن الميادين وثورتها وصورتها التي توقف العقل وتؤجج المشاعر والقلوب، بل داعبت في فيلمها هؤلاء البسطاء الذين وُلدت آمالهم مع ما يشهدونه من أحداث غمرت الميادين.كما أشاد عدد من المقالات النقدية بتناول هالة نصها بطريقة سردية مختلفة عن المُعتاد ربما تروق للبعض وتضايق البعض الآخر.