وافق البرلمان المصري مؤخرًا على تعديل قانون الإيجار القديم، في خطوة وصفت بأنها ضرورية لمعالجة تشوّه تاريخي في العلاقة بين المالك والمستأجر، واستعادة التوازن المفقود في سوق الإيجارات منذ عقود. ورغم أن المنطق القانوني والاقتصادي وراء التعديل واضحٌ ومفهوم، فإنني أجد نفسي مدفوعًا – كصحفي ومواطن – إلى طرح تساؤلات ملحّة، وإبداء تخوف مشروع من التأثيرات الاجتماعية التي قد تترتب على هذه الخطوة، لا سيما على الفئات الضعيفة، وعلى رأسها كبار السن وأصحاب المعاشات. لا شك أن استدامة أوضاع غير منطقية، كتوريث وحدات إيجارية بقيم زهيدة لا تعكس الواقع الاقتصادي، تُعد خللًا يحتاج إلى تصحيح. ولكن هل ننتقل من ظلم مستمر إلى ظلم جديد؟ هل نُصحّح الخطأ التاريخي بخطأ اجتماعي جديد يقع على الفئات الأكثر هشاشة؟ هنا يكمن جوهر القلق. فالغالبية العظمى من سكان هذه الوحدات المستفيدة من "الإيجار القديم" هم من كبار السن، المتقاعدين، وأصحاب الدخل الثابت الضعيف، الذين لا يملكون بدائل سكنية أو قدرة مالية على دفع إيجارات السوق. إن أبرز ما يُقلقني في هذا التعديل، ليس مجرد رفع الإيجار تدريجيًا، وإنما عدم وجود آليات واضحة ومعلنة حتى الآن تضمن توفير مساكن بديلة أو دعم مباشر لمن سيتأثرون من محدودي الدخل. هل ستقوم الحكومة بتوفير وحدات مناسبة بأسعار مدعومة في نفس المناطق؟ هل تم حصر أعداد المتضررين؟ ما شكل برامج الحماية الاجتماعية المرتبطة بهذا القرار؟ كل هذه الأسئلة، وإن طُرحت، لم تحظَ بإجابات مطمئنة حتى الآن. والأسوأ من ذلك، أن بعض المؤشرات تشير إلى إمكانية تحميل المستأجرين، ممن تجاوزوا السبعين أو الثمانين عامًا، أعباء لا تتناسب مطلقًا مع دخلهم، مما قد يؤدي في النهاية إلى طردهم غير المباشر من مساكنهم، إما بسبب عدم القدرة على السداد، أو بسبب صراعات قانونية جديدة مع الملاك. في مصر، لا يمكن النظر إلى "الإيجار القديم" كقضية اقتصادية بحتة. هي قضية ترتبط بالبُعد الإنساني والاجتماعي والتاريخي. عشرات الآلاف من الأسر استقرت في وحدات سكنية منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وبنت حياتها على ذلك الاستقرار. ومع الاعتراف بحقوق المالك، فإن على الدولة ألا تُغفل حق الإنسان في السكن الكريم، ولا سيما لمن لا يملك خيارًا آخر. التشريع العادل لا يكتمل بدون رؤية تنفيذية متكاملة تراعي الفئات الأضعف وتمنع تحوّل الإصلاح إلى أزمة إنسانية. نحن بحاجة إلى حلول توازن بين حق المالك في العائد العادل وحق المستأجر الضعيف في البقاء الآمن. من ذلك مثلًا: إنشاء صندوق لدعم الإيجارات للفئات غير القادرة. تخصيص وحدات في المدن الجديدة أو الإسكان البديل لكبار السن المتضررين. توفير دعم نقدي مباشر بالتنسيق مع وزارة التضامن الاجتماعي. ربط التعديلات الزمنية للقانون بتقييمات دورية لحالة السوق ومعدلات التضخم والدخل الحقيقي للمواطنين. ختامًا لست ضد الإصلاح، ولست مع الإبقاء على أوضاع غير منطقية إلى الأبد. لكننا أيضًا لسنا مع قرارات تُتخذ بمنطق الحسابات الرقمية فقط، دون قراءة الأثر الاجتماعي الحقيقي. إذا لم تكن الدولة قادرة على تقديم بدائل واضحة قبل تفعيل القانون، فإن التعديل سيتحول – دون أن نقصد – إلى أزمة جديدة تحلّ محل أزمة قديمة. السكن ليس مجرد جدران.. إنه أمان وكرامة واستقرار. ويجب أن تبقى هذه المعاني في قلب أي تعديل تشريعي يمس حياة الناس.