أثار منع أغاني فيروز في الحفلات والإذاعة الكثير من محبيها.. وذلك بسبب القضية التي رفعها آل الرحباني عليها بسبب الميراث حتي تنتهي القضية، وقامت الدنيا ولم تقعد.. بل إن فنانينا المصريين وقفوا إلي جانبها من خلال تصريحاتهم في الصحف والمجلات. كيف تمنع فيروز هذا الصوت الملائكي الاستثنائي الذي تعودنا في البداية أن نسمعه من خلال الراديو وبعد ذلك من خلال الكاسيت.. وأصبح من النادر أن تذاع لها أغنية في الإذاعة والتليفزيون.. وقيل وقتها إن أم كلثوم هي السبب.. ففيروز لها معجبوها الذين لايقلون عن معجبي أم كلثوم.. فغناؤها فيه الرومانسية والشجن والحزن.. واشتهرت فيروز منذ بداياتها بالارتباط بالرحبانية ليكونوا ثلاثيا رائعاً.. فزوجها عاصي يلحن لها وأخو زوجها منصور يكتب لها الأغاني.. ❊ ❊ ❊ كانت المرة الأولي التي التقيت بها في أواخر الستينات في لبنان.. وهي المرة التي غنت فيها أم كلثوم في كل البلاد العربية من أجل التبرع بحفلاتها للمجهود الحربي، وصحبتنا أم كلثوم ومجموعة صغيرة جدا من الصحفيين لتغطية الزيارة في لبنان اختارتها سيدة الغناء العربي بنفسها. وأقيم الحفل علي مسرح بعلبك هذا المسرح الأثري العجيب واستقبلها الجمهور الذي جاء من كل الدول العربية خصيصا لسماعها بحفاوة بالغة. في تلك الفترة التقيت بفيروز التي لم أرها من قبل إلا من خلال صوتها.. لأجري معها حوارا.. وأحببت فيروز الإنسانة أكثر وأكثر. نظرت إليّ فيروز وابتسمت.. حيث كنت أرتدي قلادة شبيهة تماما بقلادتها.. إنها هدية من زوجها.. وتحمل بالفرنسية »أحبك أكثر من امبارح وأقل من بكره«.. وكانت قلادتي قد قدمها لي زوجي هدية في أحد أعياد ميلادي. وبعد أن أجريت معها حوارا طويلا في الفندق الذي كنا نقيم فيه.. وبعد الحديث دعتني فيروز أنا وصديقي المصور فاروق إبراهيم علي الغداء في منزلها في مزرعتها.. واعتذرت في البداية لكنها صممت.. ❊ ❊ ❊ كنت قد التقيت بها من قبل في القدس يوم الجمعة الحزينة التي تسبق عيد القيامة.. وأثناء الاحتلال الإسرائيلي تسير في شوارع القدس القديمة وهي ترتدي السواد.. ترتل التراتيل الحزينة علي فلسطين.. وسرت مع هذا الموكب الحزين مسيرة طويلة لقد حركت فيروز مشاعرنا لنبكي علي القدسالمحتلة.. غنت أيضا أغنية »زهرة المدائن«.. ❊ ❊ ❊ وعندما دُعِيت فيروز بعد 14 سنة من الغياب.. زرتها في الفندق الذي أقامت به علي النيل مع الرحبانية.. والتقطنا معا بعض الصور من الشرفة التي تطل علي النيل.. استقبلتني فيروز بحفاوة بالغة وأحببتها كإنسانة.. سألتها.. لماذا تأخرت عن حضورك إلي مصر طوال 14 عاما.. قالت دعتني مصر لأغني علي مسرح أبوالهول.. ولبيت دعوتها.. وكانت فيروز تقيم بروڤاتها في قاعة أبو نواس وسط إجراءات أمنية مشددة لم نعهدها لأي فنان.. وفي نهاية البروفة تأخذ هي المفتاح الخاص بالقاعة لتضمن أن أحدا لن يتسلل إلي القاعة لحضور البروڤة. ❊ ❊ ❊ ومرة أخري حينما دعاها المنتج الصديق رمسيس نجيب لتغني في حديقة الأندلس التي امتلأت عن آخرها بل إن البعض منهم كانوا يجلسون علي الأرض.. وجن جنون الحاضرين خاصة اللبنانيين الذين حضروا الحفل حين غنت أغنية »بحبك يالبنان ياوطني« كما غنت مع فرقتها الاستعراضية رقصات الدبكة وصوت الأرجل تدب علي المسرح. وفيروز لاتحب الظهور والتصوير »عَمال علي بطال« وكانت تنتقي الصحفيين الذين تثق بهم للحوار.. وكنت واحدة منهم.. ولا أنسي حين دعتها أم كلثوم في فيلتها بالزمالك هي والرحبانية.. وحضرت أنا هذا اللقاء.. كان لقاء أم كلثوم لهم لقاء فاترا غير حميمي ربما كان ذلك هو البروتوكول! وسألتها أم كلثوم بعض الأسئلة التي تنقص من قدرها كمغنية.. لكن فيروز كانت تجيب علي كل سؤال بكل احترام لسيدة الغناء.. وحين قرأت الموضوع لأم كلثوم قبل نشره قالت لي لاداعي لهذا الحوار! ❊ ❊ ❊ لا تستطيع فيروز أن تخفي مسحة الحزن التي تسكنها.. والذي يصر القدر أن يبقي الحزن قريبا منها فقد فقدت ابنتها »ليالي« بنفس المرض الذي أُصيب بها زوجها عاصي الرحباني.. بجلطة في المخ لكن عاصي نقل بطائرة خاصة إلي باريس للعلاج وعاد لينسي كل شيء حتي القراءة والكتابة لكن سبحان الله الشيء الوحيد الذي كان يقرأه هو النوتة الموسيقية. أما الابنة »ليالي« فقد رحلت فجأة بدون سابق إنذار.. كانت تغني ليلا قبل أن تنام أغاني أمها وكانت سعيدة بذلك. وفي الصباح تذهب الأم فيروز لتوقظها من النوم لكن الابنة لم تصح إلي الأبد.. والمعروف أن كل الفنانين اللبنانيين هاجروا من لبنان أثناء الحرب لكن فيروز صممت أن تقيم في لبنان.. وسألتها ألم تخش الإقامة في لبنان في ذلك الوقت أثناء الحرب؟ قالت لقد ضرب منزلي بصاروخ لكني صبرت كل هذه السنين ولم أفكر أبدا في الرحيل.