«أنا عندي حنين ما يعرف لمين/ ليلي بيخطفني من بين السهرانين/ بيصير يمشيني لبعيد يوديني/ تا أعرف لمين وما يعرف لمين/ عديت الأسامي ومحيت الأسامي/ ونامي يا عيني إذا راح فيكي تنامي/ وبعد هالحنين من خلف الحنين/ الحنين بالدمع يغرقني وبأسامي المنسيين». هذه واحدة من أشهر أغنيات قيثارة الغناء «فيروز» والرحبانية «عاصي ومنصور».. لم يفكر أحدنا ونحن نستمع إلي هذه الأغنية وعشرات غيرها جمعت بين حلاوة صوت فيروز، ورقة كلمات وعذوبة ألحان الأخوين رحباني. لم يشك أحدنا أن خلافا سيدب بين هذا الثالوث.. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.. فقد استغل أولاد الفنان الراحل «منصور الرحباني» (مروان - غدي - أسامة) وفاة والدهم لشن حملة ضد فيروز. خرج صوت الخلاف المستحكم علي الميراث الفني للأخوين رحباني بين السيدة فيروز وورثة الفنان منصور رحباني من خلف الأبواب المغلقة إلي صفحات الجرائد، ولم يعد بالإمكان إعادته إلي قمقمه، وكنتيجة لذلك سرت في أوساط اللبنانيين من محبي فيروز وهم كثر نوبة من الرفض لأي نوع من أنواع التكميم لصوت فيروز وكذا ظهرت دعوات علي موقع الفيس بوك تدعو اللبنانيين للاعتصام أمام وزارة الثقافة اللبنانية تضامنا مع جارة القمر فيروز. منع النشر بدأ الكشف عن الحكاية بجريدة «الحياة» في منتصف شهر مايو الماضي، ثم تبعتها مجلة «الجرس» وأخيرا جريدة «الأخبار» البيروتية، وفي الشهر التالي وتحديدا في يوم 23 يونية 2010 تلقت المطبوعات الثلاث عريضة قدمها السادة «مروان - غدي - أسامة» أبناء منصور الرحباني من جانب قاضي الأمور المستعجلة في بيروت يطلبون من خلالها إصدار قرار عاجل التنفيذ بمنع المطبوعات الثلاث من نشر أي أخبار أو معلومات تتعلق بهم أو بنزاعاتهم أو بالرحبانية وميراثهم وطالبوا بأن يشتمل الأمر علي ملحوظة مهمة وهي أن من يخالف منع النشر يقع تحت طائلة غرامة إكراهية لا تقل عن 500 مليون ليرة عن كل مخالفة. وبناء علي ذلك كلف القاضي الصحف المذكورة إبداء ملاحظاتها خلال 48 ساعة، وجاء رد صحيفة «الأخبار» أن هذا الطلب غير قانوني بالمرة. وهذه الواقعة تذكرنا بواقعة حدثت منذ وقت قصير حيث طلب ورثة منصور الرحباني منع برنامج «مش غلط» الذي تبثه قناة «إم. تي. في» اللبنانية من تناول العائلة الرحبانية، بعد إعلان ترويجي قدمته القناة عن حياة منصور الرحباني بعد وفاته، وجاء رد قاضي الأمور المستعجلة علي هذه الدعوة بأن «فن العائلة الرحبانية ملك عام، وأنه لا يستطيع أحد أن يمنعنا من نشره». أخوان أم لا؟ وكانت الخلافات الرحبانية قد بدأت تظهر للعلن إثر وفاة منصور الرحباني، حيث صدر قرار عن وزارة التربية بتدريس أدب وفن منصور الرحباني في المناهج التربوية، وكانت إثر ذلك اعتراضات عائلية وثقافية عامة إذ إن منصور الرحباني لا ينفصل عن عاصي الرحباني وهما معروفان «بالأخوين» وهكذا تم تعديل القرار دون السماح لريما عاصي الرحباني بأن تشارك في صيغة التعديل وهو قضي بتدريس أدب العائلة الرحبانية وأدب منصور الرحباني، الأمر الذي وجدت فيه السيدة فيروز إلغاء لعاصي فأرسلت كتابا إلي وزارة الثقافة تسجل اعتراضها لكنها لم تتلق جوابا! الفنانان الراحلان عاصي ومنصور الرحباني، وفي نادرة تاريخية، كانا يؤلفان ويلحنان معا أغاني فيروز، فتحمل توقيع الأخوين رحباني، وهما بذلك يمثلان قمة في انكار الذات والذوبان في قالب الفن الجميل. ولأن للملحن والمؤلف حقوقا فقد انضما إلي شركة مدنية فرنسية تحمل اسم «ساسيم» عام 1963، وهي تحصل لهما حقوقهما كلما أذيع لهما لحن محلي أو عالمي، وهو أمر متبع منذ 47 عاما، لكن فجأة ظهر بيان يقول بأن السيدة فيروز تحتاج لموافقة وإذن من ورثة الرحبانية لتقديم الأغاني التي ألقاها ولحنها الأخوان رحباني وبأن عليها مستحقات مالية لورثة منصور! القانون يقول كلمته وللحكم في هذا الأمر الشائك لابد من الرجوع إلي القانون، لأنه في مثل هذه القضايا الصوت الأعلي يكون للقانون رغم أننا في ساحة الفنون، وخير من يعلق علي هذه القضية هو دكتور حسام لطفي الحاصل علي درجة الدكتوراة في القانون في مجال حق المؤلف الموسيقي من جامعة «السوربون» والمستشار القانوني في «جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين» - «ساسيرو» في مصر وهو واحد من أبرز المحامين في قضايا الملكية الفكرية، بسؤاله هل يتوجب علي فيروز أن تستأذن المؤلف والملحن قبل أن تغني؟ أجاب د. حسام: بالطبع لا.. الكازينو من حقه الحصول علي موافقة علي تنظيم الحفل من «ساسيم» وهي تمثل المؤلف والملحن باعتبار أن الأخوين رحباني أعضاء في «ساسيم»، وليس من حق أي منتج أو مؤلف أو ملحن منع الغير من غناء أية أغنية أطلقت للتداول، وليس من حقه طلب أي مقابل مالي نظير ذلك بخلاف المبلغ الذي يحصل عليه أول مرة عند طرح أغنية للتداول مع ناشر بعينه، والأساس القانوني العالمي لذلك هو أن كيانات الإدارة الجماعية لحقوق المؤلفين والملحنين تملك وحدها إصدار ما يطلق عليه «تراخيص إعادة النشر» فترخص لأي شخص بإعادة نشر أي مصنف من بين المصنفات المدرجة في قائمتها نظير مقابل محدد، ومن يحصل علي حق إعادة النشر يملك الحق في طبع ونسخ ما أعاد نشره، ويتطلب تنفيذ القانون الالتزام بالحصول علي هذا الترخيص لمتعهد الحفل سواء كان حيا أو مسجلا. فلتغن فيروز وليصمت الجميع وبهذا الرأي لا يكون للمنتج أو المؤلف أو الملحن منع السيدة فيروز من غناء أغانيها أو حتي أغاني الغير مادام «المتعهد» يحصل علي ترخيص بالأداء العلني فيها يخص أغانيها أو إعادة النشر فيما يخص أغاني الغير من «ساسيم».. والمستفيد من كل هذا هو: المؤلف والملحن حيث يحصلان علي مبلغ قدره تسعة في الألف من حصيلة الإيردات، وهذا العائد يدعم، حصته في الأداء العلني وفي الطبع سواء علي شرائط أو C.D. ويؤكد القانونيون أن العالم كله يرتضي هذا النظام للإدارة الجماعية للحقوق لمنع احتكار المنتجين لما تحت يدهم من تسجيلات، فتتعدد التسجيلات ما بين تسجيل استوديو وتسجيل حفل عام وتسجيل خاص، ويكون في انتشارها مصدر دخل متجدد للمؤلف والملحن في المقام الأول، أما المؤدي «المطرب» فهو عادة ما يحصل علي حقه قبل صعوده إلي المسرح للغناء. ومحصلة ما سبق سرده في موضوعنا أن القانون يقف بالمرصاد لكل من يحاول أن يعبث بميراثنا الفني، فلتغن فيروز وليصمت الجميع وليقفوا إجلالا واحتراما لصوتها وفنها وقبلهما شخصها. آخر الكلام في مسلسل الدعاوي القضائية صرحت مصادر مقربة من العائلة الرحبانية أن الراحل منصور الرحباني أرسل إنذارا قضائيا للسيدة فيروز في 2/4/2008 يطالبها بدفع 100 ألف دولار لأنها قدمت مسرحية «صح النوم» التي ألفها مع عاصي، وقد علقت السيدة فيروز علي ذلك بأنها اقترحت اعطاءه حقوقه بقيمة خمسة آلاف دولار عن كل عرض إدراكا منها بأن جمعية المؤلفين والملحنين «الساسيم»، لا توزع الحقوق توزيعا صحيحا، مهما كانت بداية الحكاية فلن تكون لها نهاية سوي النهاية التي كتبها محبو وعشاق فن فيروز والرحبانية.. التي تلخصها جملة موجزة سوف تتردد علي لسان جارة القمر «لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأغني».