لا يوجد أثر تاريخي في سيوة يُضاهي «جبل الموتي»، ولا تبدو الرحلة مكتملة من دون زيارته، والتعرف علي قصته الضاربة بجذورها في عمق التاريخ الفرعوني. صعوده هو متعة فريدة من نوعها، ومشاهدة فتحات الدفن وغرف الموت التي يضمها أمر له سحر خاص. أما الوصول إلي القمة ورؤية سيوة من أعلي نقطة في الواحة فيأخذك إلي عالم من الخيال يمنحك شعوراً بامتلاك المكان وحدك. يقع جبل الموتي علي بُعد كيلو مترين من سيوة، وتم اكتشافه عن طريق الصدفة عام 4491 أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما لجأ أهالي الواحة للاحتماء بالجبل، فاكتشفوا المقابر به، وهو عبارة عن جبل مخروطي الشكل يبلغ ارتفاعه 05 متراً ويتكون من تربة جيرية، ويعد بمثابة جبانة أثرية. يتميز هذا الجبل بمنظره العجيب، فمن أسفله إلي أعلاه عبارة عن مقابر للموتي منحوتة علي هيئة خلية نحل من الحجر، في شكل صفوف منتظمة ومتتالية بشكل هندسي يشبه شكل الواحة القديمة. وبحسب المراجع التاريخية يرجع تاريخ هذه الجبانة الأثرية إلي الأسرة 62 ويمتد إلي العصر البطلمي والروماني وتجمع هذه المقابر في تصميمها بين الفن المصري القديم والفن اليوناني ونشأ هذا الاندماج نتيجة اختلاط الثقافات.. بعض هذه المقابر توجد علي عمق كبير وكل مقبرة عبارة عن دهليز مستطيل ينتهي إلي فناء واسع مربع ويتفرع من الأخير عدة فتحات مخصصة لوضع الموتي. وتعتبر مقبرة «سي آمون» أهم مقبرة في الجبل، ويصفها العديد من خبراء الآثار بأنها أجمل مقابر الصحراء الغربية علي الإطلاق، وهي تنتمي إلي أحد أثرياء الإغريق الذي كان يتبع الديانة المصرية القديمة. وتتميز المقبرة بمجموعة من النقوش البارزة الرائعة، بخلاف عدة مقابر أخري لا تقل روعة عن مقبرة «سي آمون»، وتحمل جميعاً نقوشاً بديعة. في بداية صعود الجبل مكان للصلاة يعطيك شحنة إيمانية لمواصلة الصعود إلي القمة. بالصدفة كان عدد من مشايخ الواحة يؤدون صلاة العصر، بينما تلتصق بالمصلي غرفة متواضعة ربما تتبع العاملين في الآثار، يجلس فيها رجل يمنحك قسطاً من الماء البارد الذي أعده داخل «جركن» صغير، وفي تلك الأجواء تصبح رشفة الماء نجدة لمن قرر مواصلة السير وصولاً إلي القمة. علي قمة الجبل كان يجلس العم أحمد عبدالسلام (25 عاماً) وهو حارس آثار، وهو من أبناء واحة سيوة. جلست إلي جواره في أعلي نقطة يمكن أن تشاهد منها أرجاء سيوة كاملة، ودار حوار بيننا علي مساحة لا تزيد عن المترين. يقول العم أحمد ل«آخرساعة»: أتنقل في عملي كحارس آثار بين جبال الموتي وإسكندر والدكروري، وذلك حسب ما تراه الإدارة في عملي، فقد أبقي في المكان عاماً كاملاً وقد تقل الفترة، لكنني أرتاح كثيراً لجبل الموتي، ولي ذكريات كثيرة فيه مع أصدقائي منذ الصغر. يشرد بعينه قليلاً في نقطة بعيدة في أطراف الواحة. قبل أن يعاود حديثه: أنا حزين لضعف الإقبال علي الواحة من جانب السائحين، فقبل ثورة يناير 1102 كانت الأفواج تتدفق يومياً بأعداد كبيرة، وهذا الجبل كان يستقبل مئات السائحين من التاسعة صباحاً وحتي السادسة مساء، وكانت غالبيهم من إيطاليا وألمانيا وقليل من الأمريكان. قبل أن أودعه مع آخر شعاع شمس قرب السادسة مساءً، قال لي: أحلم بعودة السياحة إلي الواحة كسابق عهدها، وأتمني أن يتم تنظيم مهرجانات كثيرة لجذب السياحة الخارجية والداخلية مثلما حدث بالتزامن مع مهرجان التمور الأول الذي نظمته دولة الإمارات العربية بالتعاون مع وزارة الصناعة، فقد أدي ذلك إلي توافد أعداد كبيرة إلي الواحة، وشعرت هنا باستعادة جبل الموتي للحياة!