الطفولة هي أجمل سنوات العمر، لكن بعض التصرفات السلبية الشائعة للآباء والأمهات قد تحول تلك المرحلة إلي معاناة قد تستمر مع الطفل طوال حياته، حيث يلجأ البعض إلي العقاب البدني كوسيلة للتربية، ظناً منهم أنها الطريقة الأفضل لتقويم سلوك أطفالهم، غير عابئين بما قد يسببه هذا العقاب من أضرار علي المدي البعيد. العديد من الدراسات الأمريكية المختصة بعلم الطفولة انتهت إلي نتائج مفادها أن العقاب البدني له تأثير مباشر علي التطور المعرفي التلقائي للطفل، حيث كشفت تلك الدراسات عن أن الأطفال الذين تعرضوا للعنف البدني سواء من ذويهم أو من المعلمين، كانوا أقل قدرة علي مواكبة التطور الطبيعي لنظرائهم من حيث التحصيل العلمي، والذي عده العلماء ناتجاَ عن تراجع المساحة الرمادية في الدماغ التي تعتبر المسؤول الأول عن القدرات التعليمية لدي الطفل نتيجة العقاب البدني المتكرر. في هذا الإطار توضح أستاذة صحة الطفل والتقييم النفسي والسلوكي بالمركز القومي للبحوث الدكتورة زينب محمد منير، أن الطفل يتعرض للعقاب البدني نتيجة أن الكثير من الآباء والأمهات يعتبرونه شخصا مدركا ومستوعبا لتصرفاته، برغم أن خبرات الطفل وانطباعاته في الحياة تأتي في الأساس من طريقة تعامل الأم والأب معه، بل حتي من خلال كيفية استخدامهم نبراتهم الصوتية، لذا فإن استخدام العقاب البدني يضع الطفل في موقف المتلقي لجميع العادات السيئة، ليتكون لديه انطباع بعد ذلك بأن استرجاع الحق يكمن في اللجوء إلي الصوت العالي أو القوة. تتابع: هذا الأسلوب من العقاب ليس له أي جدوي تربوية سوي نقل العنف بطريقة لا إرادية للطفل، لافتة في الوقت ذاته إلي أن استخدام الأم والأب مع طفلهم نبرة صوتية منخفضة وأسلوب الإقناع عند الخطأ مع إعطائه فرصة لتداركه، يصنع من عقل الطفل عقلا مفكرا، لكن استخدام العنف أو الصوت العالي مع الطفل يحرمه من أن يكون طفلاَ مبدعاَ أو أن يكشف عن مواهبه الفطرية، فالقهر لا يساعد علي تنمية مواهب الأطفال الطبيعية. بينما أوضح رئيس قسم الصحة النفسية في جامعة جنوب الوادي، الدكتور عبدالجابر عبدالله، أن اللجوء إلي العقاب البدني يأتي نتيجة جهل الآباء والأمهات بقواعد التربية الصحيحة للأبناء، فقد يكون الأب أو الأم تمت تربيتهم بهذا الأسلوب فترسخ لديهم الاعتقاد بأنه يعد الأفضل في التربية، لكن في الواقع هذا ينم عن جهل بخصائص نفسية الطفل. يضيف: المراحل العمرية المبكرة من حياة الطفل – خاصة الخمس سنوات الأولي - هي المراحل التي يتم فيها بناء الكثير من الملامح الشخصية الأساسية له، وأي إيذاء أو عقاب للطفل في هذه المرحلة تهدم تركيب شخصيته وتضعف من تقديره لذاته، وتداعياتها تمتد الي مختلف مراحل حياته فيما بعد، لاسيما فيما يتعلق بالقدرة علي الاختيار، علاوة علي أن هذا النوع من العقاب قد يؤدي في الكثير من الأحيان إلي أمراض نفسية مثل الانطواء أو الخوف الشديد الذي يصل إلي مرحلة الرهاب أو الفوبيا المرتبطة بنوع العقاب نفسه. ويري الدكتور عبدالجابر ضرورة تدريس مقررات "علم نفس النمو" للآباء والأمهات، لإعطائهم فكرة عن خصائص الطفل ومكونات شخصيته في كل مراحله العمرية علي حدة، بحيث يمكنهم رؤية الأسلوب الأمثل في تربيته بعيداَ عن كل السلبيات الشائعة حاليا، لافتا إلي أن الإشكالية تأتي في الأساس من عدم وعي الوالدين بطرق تربية الطفل السليمة في هذه المرحلة الحساسة من حياته.