دفعت دار نشر »راندام هاوس« في لندن عربونا قدره 600 ألف جنيه استرليني للكاتب مايكل هولرويد ليؤلف كتابا عن قصة حياة جورج برناردشو.. قالت دار النشر: نريد أن تقدم لنا تاريخا موثقا للكاتب والسياسي الساخر جورج برنارد شو.. وهذا المبلغ حتي يساعدك في أبحاثك وتنقلاتك الكثيرة لتؤلف هذا المرجع.. قدم الكاتب لدار النشر أربعة مجلدات ضخمة عن »شو«. ودفعت دار النشر »وايدن فيلد« مبلغ مائة ألف جنيه استرليني عربونا للكاتب أدم سيسمان ليؤلف سيرة تاريخية عن تريفور روبر. ودفعت دار نشر جوناتان كيب 50 ألف جنيه استرليني للكاتب ترلف السير ليؤلف كتابا عن دافيد استور رئيس تحرير جريدة الأوبزرفر. ودفع عربونا للسيدة فيكتوريا جليد ينتج لتؤلف سيرة حياة السير ستامفورد رافلز مؤسس سنغافورة. والأمثلة كثيرة للعرابين الضخمة التي تدفعها دور النشر في بريطانيا للكُتاب الذين يؤلفون كتبا عن سيرة المشاهير من أهل الفن والأدب والسياسة.. وتري دور النشر أن كتب قصص حياة المشاهير وتاريخهم تحتاج إلي بحث عميق وجهد وتنقلات هنا وهناك ولذلك يجب أن تساعدهم دور النشر وتقدم لهم عربونا ضخما حتي يستطيعوا القيام بمهمتهم في البحث والتدقيق. سألت: هل تفعل ذلك دور النشر في بلادي لكاتب يكتب سيرة حياة رئيس وزراء سابق أو زعيم وطني أو فنان فقيل لي: لو أن دور النشر في بلادي لدفعت للمؤلفين ثمن كتبهم لكفاهم ذلك ولاتظن أن دار نشر واحدة في مصر تدفع عربونا لمؤلف ليكتب أي كتاب. ❊ ❊ ❊ الناشرون في مصر ثلاثة أنواع الأول لا يعطي المؤلف ثمنا لكتابه باعتبار أنه يمكن الناشر أن يتحمل نفقات اصدار الكتاب. الثاني يمنح الكاتب مبلغا مقابل كتابه وبذلك تنتهي صلة المؤلف بكتابه إلي الأبد ويصدر الناشر أي عدد من الطبعات أو النسخ دون أن يمنح المؤلف أي مبلغ إضافي إذا تحقق الرواج الضخم لكتابه! الثالث يمنح المؤلف نسبة من سعر الغلاف عن كل نسخة تباع.. وهذه النسبة تتراوح بين عشرة وخمسة عشر في المائة من سعر الكتاب المسجل علي الغلاف. وتصل هذه النسبة إلي 25 في المائة من سعر الغلاف في أحوال نادرة ولكن الناشر لا يطبع من الكتاب سوي ألفي نسخة أو يدعي ذلك ويجد المؤلف أن حصته ضئيلة ولذلك لايطالب بها. والمفروض أن الناشر يسلم المؤلف حصته من البيع ولكن أغلب الناشرين لايفعلون بل عندما يطالب بها المؤلف فالناشر يلتزم الصمت ويتجاهل الطلب ولا يستطيع الكاتب أن يقاضي الناشرحتي لا يكتسب عداء باقي الناشرين فيعذفون عن إصدار كتبه. ومن هنا فإن الناشرين يثرون ويركبون المرسيدس والنتيجة هي أن سوق الكتاب في مصر لا تروج وتضمحل حركة النشر في البلاد. ولا يفيد من هذه العملية كلها إلا الناشرون الذين يشكون طول السنة من ارتفاع سعر الورق وغلاء أسعار المطابع بينما يحققون ثروات ضخمة. ❊ ❊ ❊ الآن لو أردنا تقويم الناشرين فإننا لن ننجح فقد استمرت أحوال النشر عند هذه الأوضاع المؤلمة. والحل أن يتدخل القطاع العام أي تتدخل الدولة بأن تتولي هي مسئولية النشر أو جانبا من هذه المسئولية. وزارة الثقافة تنشر بعض الكتب في الفن والأدب وقليل منها في السياسة ولابد أن تتوسع وزارة الثقافة في النشر كما يطالبها الفنانون بإنتاج المسرحيات وأفلام السينما. وإذا لم تتدخل الدولة فلا أمل في إنقاذ سوق النشر في مصر. وإذا قام ناشر خاص جديد فإنه سيقلد الناشرين الحاليين وربما يفوقهم في أطماعه بعد ارتفاع كل أدوات النشر وأصبح من الصعب علي أي مؤلف شاب أن يصدر كتابا وأن يتولي تمويله. أو ربما يكون الحل في إنشاء شركة مساهمة للنشر تتولي تنظيم هذه العملية أيضا وزارة الثقافة ويكون سعر السهم صغيرا حتي يساهم في الشركة أكبر عدد من الناس.. باختصار لابد من عمل إيجابي سريع!