ما أمتع الجلوس لقراءة التاريخ الضاحك مع أوراق واحد منهم هو الايرلندي الساخر برنارد شو.. ضحك بداخله فلسفة وتجربة بشرية تتكرر مع الأجيال لتؤكد لنا أن التاريخ يعيد نفسه والاصرار علي الانتصار فيها. سواء بالحروب أو الانتصار أو الهزيمة.. ضحك كالبكاء.. شو واحد من الذين امتلكوا القدرة علي خلق المعارك الادبية.. بدأ حياته بمولده في دبلن عام1856 وفي عام1888 أصبح هو الناقد الموسيقي لمجلتي النجمة ثم العالم عام1890.. ناقد موسيقي وتحدي كل الناس أنهم سوف يقرأونه سطرا بسطر.. وقال.. أستطيع أن أرغم حتي سماسرة البورصة علي قراءة الصحيفتين اللتين كنت أحررهما عن الموسيقي! كان شو علي حق.. حينما اختار الموسيقي كناقد وساخر ايضا.. حتي أنه جمع كل ما كتب عن الموسيقي ونشره في ثلاثة مجلدات يبلغ كل منها آلاف الصفحات. ويومها قال شو إن الله وحده هو العادل. وقال أيضا إن النقد تعليم وإمتاع.. النقد عنده مرح وهزل لا يقاوم لكن بداخله هدفا ساميا هو انارة عقول الناس بل ويفوز بإبتسامه رجل الضرائب الذي لايبتسم! الهازل الكبير كان جادا في حياته يعمل علي الأقل14 ساعة يوميا.. وكان متواضعا يكتب تحت اسم مستعار.. كانت سخريته تقوم علي عرض الحقائق عارية أمام الناس.. فيرون التناقض الظاهر بين أفعالهم وأقوالهم ويرون غرورهم وغباءهم فيتملكهم الضحك من أنفسهم! من سخرياته الكثير: لقد ذهب مرة إلي أحد المسارح مرتديا جاكته من القطيفة.. سنجابية اللون, فاستوقفه العامل ومنعه من الدخول وحينما سأله عن السبب فقال له العامل: هذه الجاكته! إنها غير لائقه!! فابتسم شو وخلع الجاكتة ووضعها علي ذراعه وحاول الدخول.. ولكن العامل منعه مرة أخري فالتفت إلي شو وقال: اعترضت علي الجاكتة فخلعتها.. فماذا تريد الآن! اتظن انني سأخلع شيئا آخر!! *** ألح عليه.. يوما.. شاب في أن يستمع إلي مسرحية ألفها.. فوافق شو وجلس يستمع للأديب الشاب.. ولم تمض دقائق حتي كان شو يغط في النوم! فأسرع الشاب يوقظه واحتج قائلا: يا سيدي.. لقد أردت أن أعرف رأيك في القصة: فأجاب شو: النوم هو رأيي!! أعجب الناس ذات ليلة بإحدي مسرحياته إعجابا شديدا.. فجعلوا يصيحون طالبين مثول المؤلف علي خشبة المسرح وإضطر شو إلي الظهور علي المسرح ليشكرهم.. وبينما هو ينحني شاكرا إذ بأحد المتفرجين يصيح: مسرحية سخيفة لم أر في حياتي أسخف منها! فنظر إليه برنارد شو وقال: هل تعتقد ذلك حقا؟ طبعا.! شو: وأنا كذلك من رأيك.. ولكنك تري إننا إثنان.. ولا تستطيع شيئا حيال هذا العدد الكبير من الناس!! ألح مصور صحفي علي شو أن يلتقط له صورة.. وعبثا حاول أن يرده عنه.. وأخيرا أراد أن يلقي عليه درسا قاسيا.. أذن له بالدخول إلي حجرة مكتبه. فلم يكد المصور يدخل غرفة المكتب حتي ارتد مذعورا.. إذ فوجيء بما لم يكن سيتوقعه.. كان شو يقف عاريا كما ولدته أمه.. وقد علق ملابسه علي الشماعة.. ونظر إلي المصور نظرة تساؤل.. فقال له شو ألست تريد تصوير جورج برنارد شو.. ها أنا ذا يا صديقي! أما إذا أردت تصوير ملابسي فها هي معلقة رهن إشارتك. عثر شو في إحدي المكاتب التي تبيع الكتب القديمة علي كتاب كان قد اهداه إلي صديق له. وعليه عبارة الأهداء ممهورة بامضائه فاشتري الكتاب وارسله إلي الصديق نفسه بعد أن كتب تحت عبارة الأهداء الأولي. أكرر هذا الاهداء إلي الصديق الوفي..! * ما أحوجنا إلي صراحة.. برنارد شو! .............. كانت كتابته واضحة وموجعة في ذات الوقت وكان يملك موهبة خبر القاريء في طريق طويل وباسلوب خاص عندما يريد أن يطرح قضية ما.. باستخدام الاسلوب المرح واستطاع أن يحول المشاكل الكبري إلي مجرد نكتة واستطاع أن يخلق لنفسه مكانه خاصة.. ناقد.. موسيقي.. كاتب مسرحي.. سياسي يدعو للاشتراكية. نحن أحوج الآن لواحد مثل برنارد. شو ليحيل الكثير من المشاكل إلي نكته لاذعة أذ ننتظر إلي أن يجيء إلينا جحا مرة أخري..!!