فعليًا نحن الآن أمام ثلاث جماعات متناحرة في الإخوان.. الأولي تنتمي للتنظيم التقليدي ولما تبقي من جيل القيادة القديم برئاسة "المحمودين" الهاربين: عزت وحسين، وبمعاونة مع ممثلهم في الخارج إبراهيم منير، والثانية يعبر عنها مكتب إرشاد "إدارة الأزمة" المنتخب في فبراير 2014، بزعامة محمد طه وهدان (مسجون) ومحمد عبد الرحمن (هارب) وأحمد عبد الرحمن (مقيم في تركيا)، التي انقلبت تمامًا علي الجماعة الأولي. جماعة وهدان وعبدالرحمن تتحصن بالقواعد.. وممثلها في الخارج يتمرد علي إبرهيم منير فريق عزت وحسين يفشل في استقطاب رؤساء القطاعات بالمحافظات زوج بنت الشاطر ينتفض ضد القيادات المتصارعة.. ويدشن مشروعاً لتأسيس جماعة جديدة بينما الجماعة الثالثة، وهي الأقل نفوذًا في الوقت الحالي، وإن كانت تكتسب أرضيات جديدة بين الناقمين علي إدارة التنظيم يومًا بعد آخر، فإنها ترتبط بأصوات شبابية بالأساس يتصدرها وللعجب صهر خيرت الشاطر، المهندس محمد الحديدي، فيما تري أن الحل لإنقاذ أبناء البنا في الانقلاب علي القيادات المتصارعة في الجماعتين الأولي والثانية، وتأسيس كيان جديد علي أسس صحيحة. وتعود أزمة القيادة في الإخوان حسب تسريبات إخوانية عدة متطابقة لم يتم نفيها حتي الآن، إلي عدة شهور ماضية، إذ إن نفراً من أعضاء مكتب الإرشاد القديم، بقيادة الأمين العام السابق للتنظيم، الدكتور محمود حسين، ونائب المرشد محمود عزت، فضلا عن المتحدث باسم الجماعة سابقًا، محمود غزلان، ومفتيها عبد الرحمن البر، قرر الانتفاض علي قرارات إزاحتهم من السلطة. تلك القرارات التي كانت اتخذت فعليًا علي مدار عام منصرف، وكانت أعلي نقطة فيها، حين تم انتخاب مكتب إرشاد جديد من جانب القواعد، بقيادة محمد طه وهدان، كقائم بأعمال المرشد، مع الإبقاء علي محمد بديع "محبوس" كمرشد عام دون تغيير، ووضع محمود عزت صوريًا بديلا عنه لا قائمًا بأعماله حتي لا يتم هدر اللائحة الداخلية، إضافة إلي عضوية بعض الرموز الإخوانية المعتبرة، كحسين إبراهيم وعلي بطيخ وأحمد كمال وسعد عليوة ومحمد عبد الرحمن وآخرين، مع تغيير تركيبة المكاتب الإدارية للتنظيم بالمحافظات، وتصعيد وجوه شابة عدة بين صفوفها، قبل أن يتم وبأمر مجموعة القيادة الجديدة، تنصيب متحدث رسمي جديد "خفي"، هو محمد منتصر، وتأسيس مكتب لإخوان الخارج، تحت رئاسة أحمد عبد الرحمن، يكون تابعًا لمكتب الإرشاد الجديد لا لولاية التنظيم الدولي، وأمينه العام إبراهيم منير. بينما استتبع ذلك عدة قرارات جريئة، كسحب الملفات المالية والتنظيمية والأمانة العامة من محمود حسين، في ظل أنباء عن التحقيق معه في سقطات مالية تحت ولايته، فضلا عن انتهاج ما أطلق عليه "نهج ثوري تصعيدي"، ضد دولة ما بعد 30 يونيو، بغرض إسقاطها واستعادة الحكم، وذلك بعيدًا عن سياسات مكتب الإرشاد القديم القائمة علي الاستحواذ بالقرار وتهميش دور الشباب، وتبني جميع السيناريوهات تجاه الدولة، سواء بالمواجهة أو المواءمة. إلا أن تلك الخطوات أغضبت مكتب الإرشاد القديم، فانتفضوا للانقلاب عليها، ومن ثم خرج البعض من مخابئه كغزلان، الذي كان أصدر (قبل القبض عليه) رسالة عبر موقع نافذة مصر الإخواني، يؤكد تمسك الجماعة، وعلي عكس رؤية مكتب إرشادها الجديد، بما أسماه السلمية كنهج للعمل الثوري، في حين ذيل محمود حسين بيانا له بصفته الأمين العام، معتبرًا الدكتور محمود عزت نائب المرشد العام للجماعة هو من يقوم بأعمال المرشد حاليًا، وفقا للائحة الجماعة. قبل أن تجتمع القيادات القديمة، وتختار محمود عزت مرشدًا، بدلا من بديع، ومن وهدان ومكتب إرشاده المتوافق عليه وعلي نهجه من جانب قواعد الإخوان الشبابية في الداخل والخارج "لاحظ هنا أن عزت انحاز للفريق القديم لا الجديد".. الأمر الذي رفضه المكتب الجديد جملة وتفصيلا، هو ومكتب الخارج الذي يدين له بالولاء، واعتبر في بيان رسمي له، إنه قائم ويمارس مهامه، وأن جميع قياداته تعمل وفق مهامها المحددة سلفًا دون تغيير، باستثناء محد طه وهدان، لظروف إلقاء القبض عليه. عزت، وهو الرجل الحديدي الغامض في الإخوان، الذي ظل متخفيًا عن الأنظار قرابة سنتين كاملتين، خرج هو الآخر من من قمقمه ليدعم فريقه القديم وقادته، في مواجهة مكتب إرشاد "فبراير 2014"، مُستخدمًا آلياته القديمة في الترهيب لعل المارقين والخارجين عليه وأتباعه وشركاءه يعودون إلي صوابهم، وذلك في بيان شهير بدا أن الهدف الرئيسي منه، كما يقول سامح عيد، الكادر الإخواني المنشق ل"آخر ساعة، هو التأكيد علي أنه لا يزال قائمًا بأعمال المرشد، موقعًا البيان بذلك. مؤخرًا، وفق القيادي الإخواني المنشق ثروت الخرباوي المحامي، حدث تطور جديد في الصراع بين الجماعتين الأولي والثانية، مفاده محاولة كل من الفريقين السيطرة علي أمناء القطاعات الإخوانية السبعة الجدد، والذين تقلدوا مواقعهم بعد انتخابات سرية جرت قبل أسبوعين، خاصة بعد تعذر سيطرة محمود عزت علي رئيسي قطاعي الشرقية والدقهلية، وهما يمثلان عصب القواعد التنظيمية علي مستوي المحافظات، الأمر الذي أغري فريق مكتب إرشاد فبراير 2014 للاستمرار في التصعيد ضد مكتب الإرشاد القديم، معتبرًا أن التصعيد المفاجئ لإبراهيم منير في موقع نائب المرشد، كان ردًا من الفريق القديم علي عصيان أمناء المحافظات ضده. وعلي ما يبدو أن محمود عزت وفريقه رفعا الراية البيضاء تجاه الدولة، معلنين صراحة أنهم سيمارسون مقاومة ومعارضة وفق آليات السياسة لا السلاح.. "هكذا يتوددون ويتمسحون بالسلطة بعدما فقدوا أي آلية للتأثير في الداخل أو الخارج علي نحو كبير"، علي حد قول الخبير في شؤون التيارات الإسلامية، أحمد بان، لافتًا أن فريق وهدان المنحاز للعنف في مواجهة الدولة لن يعود في رؤيته تلك بعدما صار متورطًا علي الأرض. علي الضفة الأخري، وبعيدًا عن صراع القيادات الكبري، يحشد محمد الحديدي، أستاذ الهندسة في جامعة هانوفر ، ومسؤول الإخوان السابق في ألمانيا، وقبل كل هذا صهر خيرت الشاطر، لرؤية جديدة للتنظيم، تعتمد علي هدم الجماعة القديمة تمامًا، وتأسيس أخري تقوم علي أسس دعوية وسياسية سليمة ورسم مسار جديد مغاير للوضع الحالي. ومن بين كل أصهار الشاطر، وحده الحديدي كان الصوت النافر الذي جهر ب لا كبيرة في وجه والد زوجته، وحشد بعضًا من الإخوان للتظاهر معه أمام مقرهم السابق بالمقطم ضد ترشحه للرئاسة، في 2102، في سابقة لم يشهدها تاريخ الجماعة الممتد، متجاوزًا انتشاء نائب المرشد آنذاك بهيمنة التنظيم علي مشهد السياسة والسلطة بعد25يناير، فيما تجاهل الحديدي تمامًا زفة التهليل للأخير في ذلك الوقت والتي قادتها فرقة الإرشاد بزعامة المرشد محمد بديع نفسه، إلي جانب جيوش اللجان الإلكترونية التي كانت تنسج أسطورته لتبليعه للمصريين، تارة باعتباره إصلاحي العصر، وتارة أخري بادعاء أنه الملهم والمخلص و"يوسف العصر الحديث " الذي خرج من السجن ليحكم مصر ، كما تقول الأسطورة الإخوانية . المثير في الأمر أن جماعة صهر الشاطر- كما يروج لها- تنأي بنفسها عن صراع القيادة المحتدم الآن في الإخوان، علي أساس أن الحديدي يعتبر أن القيادة في الفريقين سبب مأساة الجماعة، ولا مناص من إنقاذ الأخيرة إلا بالتخلص منها. منظور الحديدي للجماعة الجديدة يتجاوز صراع "قادة التكتيك" الذين يرفعون شعار السلمية، بقيادة رؤوس الإرشاد القديمة وفي مقدمتهم الثلاثي محمود: غزلان وعزت وحسين، وقادة التصعيد وانتهاج العنف لإسقاط الدولة وعلي رأسهم طه وهدان، متبنيًا مشروعًا لم يعلن عن تفاصيله الكاملة بعد مكتفيًا ببعض ملامحه، تحت عنوان"حركة عقل مصر- مشروع المنصة"، معتبرًا أن ذلك المشروع يمثل ولادة جديدة للإخوان. الملامح الأولي للمشروع تقوم صراحة علي نقد القيادة، فيقول الحديدي لمتهميه بالخيانة والعمالة لأمن الدولة وللنظام لتجرؤه علي الهجوم علي سياسات واستراتيجيات الإرشاد التي أسقطت الجماعة، قبل أن تسقطها 30 يونيو: "كفاية إدعاء العصمة للقيادات العظيمة الملهمة بتاعتك".. و"عمر بن الخطاب.. ما مسكش الراجل اللي وقف له وقال والله لو اعوججت يا عمر لقومناك بسيوفنا... ومسح بيه الأرض... والصحابة ليه مامسكوش الراجل ده علقوه... وادوله دروس الثقة والطاعة والجندية والسمع والسرعة في الأداء". ملامح مشروع الجماعة الإخوانية الجديدة للحديدي، تتجسد بصورة كبيرة فيما نقله علي لسان آخرين يشاركونه نفس الرؤي والأهداف علي صفحته في فيس بوك، ففي رأيه ورأيهم أن "أي تنظيم لا يولد ومعه نظام للمراقبة والمحاسبة المستمرة والدورية هو تنظيم مكتوب عليه أن يفشل ويكرر نفس الفشل مرات، وأن أي تنظيم لا يكون نظام الشوري فيه حول الأفكار وليس حول الأشخاص لن يكون قابلا للتطور مع الواقع والتعاطي معه، فيما أن أي تنظيم لا يكون فيه شفافية كاملة في نظام الترشح لشغل المواقع قائم علي الكفاءة و المهارات والتأهيل وفترات محددة لشغل المواقع لا تزيد حتي قيام الساعة هو تنظيم سهل اختراقه وزرع من لا يستحق و الأهم بقاء القيادة الرائعة في موقعها حتي تصل لدرجة التعفن". وبينما يبدو مشروع الحديدي للجماعة نموذجا للثورة علي أصنام السمع والطاعة والثقة المطلقة والعمياء في القيادة، فإنه مبني بالأساس أيضا علي تقديم رؤي مغايرة لمفاهيم المظلومية التي تجتاح القواعد الإخوانية بتوجيهات واضحة من القادة وكيفية إدارة المحنة من جانب التنظيم بشكل انتهازي يصل إلي حد الجريمة، كما حدث في مأساة رابعة العدوية، علي حد قوله.