وتبقي الشام.. سوريا الحبيبة.. عبق الياسمين والزنبق.. حدائق الغوطة.. روائح البخور في سوق الحامدية.. المسجد الأموي.. ومتعة وراحة الصلاة فيه.. طبق «فول نابت».. فوق جبل قيسون للإفطار والسحور.. سحر الشرق وجماله.. الخضرة والخضار في الجبال والوديان.. مايحدث في سوريا والسوريين يدمي القلب.. ويربك العقل لكن دوما ستبقي سوريا (الشام) وشعبها. فنانو سوريا هم نبضها وقلبها النابض بالحياة.. ذخيرتها وجنودها ورسلها أمام الإرهاب، والتخلف وكل الحركات الرجعية السلفية.. التي تريد أن تمزق أجمل بلدان العالم. فنانو سوريا يرصدون مايحدث للمدينة الجريحة.. يحاولون تضميد الجراح.. مستمرون في المقاومة.. بما يقدمونه للعالم.. اختلفوا أو اتفقوا في اتجاهاتهم السياسية.. لكنهم مجتمعون علي حب «سوريا». والحقيقة إن «لسوريا» مكانة خاصة لدي مصر والمصريين.. فلن ينسي أحد من جيلي أو الأجيال التي سبقته «الوحدة» بين الدولتين.. حتي لو كانت انفكت «عراها».. فقد بقي الرباط بين الشعبين السوري والمصري موصولا لم ينقطع. سوريا كانت فردوسا.. وجنة علي الأرض لما حباها الله من جمال في الطبيعة البكر والعيون المائية والشلالات. المدينة العريقة تئن من جراحها يحاول ابنها بلغة سينمائية راقية أن يقدم واقع وحال أبنائها في أحد الأيام من التاسعة صباحا وحتي الرابعة بعد الظهر.. ساعات قليلة تلخص حياة المدينة والقلق الذي بات يعيش فيه أهلها.. ساعات تعتصر قلبك من الحزن علي من كانت يوما عروس المدائن وبهجة لناظريها. سبع شخصيات تتمحور من خلالها أحداث الفيلم تتشابك القصص بضفيرة واحدة يجمعها ذكاء شديد وحبكة في السيناريو والرؤية.. نماذج بشرية تجمع مابين حب الحياة والهزيمة.. الإخلاص والغدر والخيانة.. الصحة والمرض.. السلطة والفقر الشديد. من يشاهد «الرابعة بتوقيت الفردوس» يعيش مع الشخصيات داخل الفيلم يصبح كأنه واحد منهم يؤدي دوره معهم.. «مايا» المرأة الشابة المريضة بالسرطان وتعالج بالكيماوي علي سرير المرض تلتقي بحبيب سابق «هاني» الموسيقي الذي خرج من المعتقل بعد خمسة عشر عاما وذلك بعد أن وشي به صديق عمره. في خروج «هاني» وزيارته «لمايا» في المستشفي يدخل عليهما والدها أحد رجال السلطة يلكمه علي وجهه.. وينهر ابنته التي أرغمها علي الزواج من ثري عربي.. بعد مرضها أخذ ابنها الصغير ليعيش معه في بلده وحرمها من رؤيته. «هاني» يدعو مايا علي الحفل الموسيقي الذي سوف يقيمه في البيت الأثري لأول رئيس «محمد علي العابد» وهو الذي يبدأ به الفيلم «ساروجا» المنزل الأثري حيث نري الأفعي تصول وتجول فيه وتخرج من جحرها. في نفس المكان يعترف الصديق لصديقه هاني بأنه هو الذي وشي به، وهو واحد من أجمل وأرقي مشاهد الفيلم. خروج «مايا» من المستشفي يواكبه انتحار والدها.. ولكنها تشعر بالحرية وتعزي نفسها بحضور الحفل الموسيقي.. مشهد لأربع فتيات يتظاهرن في سوق الحميدية بأنهن ممرضات يتم اعتقالهن وسط الجميع. صورة أخري للشاب الحائر هو وزوجته وابنه الذي يري أن ما يحدث في سوريا صعب وعليه أن يذهب للعمل في السعودية.. الزوجة الشابة في حالة رفض.. أما والده فإنه في منتصف الطريق وقبل اجتياز الحاجز الأمني فإنه يخبره بنسيان «جواز السفر»، وإنه سوف يعود لإحضاره واللحاق بهم.. ونحن متأكدون أنها مجرد حجة حتي لايترك وطنه وأرضه لأنه لايعرف العيش سوي في وطنه مهما كانت جراحه. الأقليات في أفلام محمد عبدالعزيز لها وجود مؤثر وهو لاينكر وجودها في مجتمعاتنا ويري أن لها كل الحقوق.. وفي هذا الفيلم تستعرض صورة لأسرة كردية الزوجة مريضة للغاية يحملها الزوج علي عربة (كارو) هي منزلهما المتنقل.. حاملا معه ابنه الصغير ووالده.. عندما يموت الحمار لايجد مفرا من جر العربة.. ومن ثم بعد ذلك يقوم بحملها والذهاب بها للمستشفي الذي يقبلها بشرط أن يأتي بالدواء ويدفع التكاليف.. فلا يجد مفرا من أن يبيع «كليته» ويقع في أيدي أحد النصابين فيتلقي منه طعنة سكين لا نعرف ماذا سيئول إليه الحال بعد ذلك. قصة الحب الجميلة التي تجمع بين الفتاة راقصة الباليه والجندي الذي يقف علي الحاجز في الشارع ويشاهد سيارتها وهي تنفجر يحاول بشتي الطرق إنقاذها.. بينما أمها غائبة عن الواقع تعتقد أن (عبدالحليم حافظ) مازال حيا وهي ذاهبة لسماعه وفي انتظار زوجها. لينتهي الفيلم بالفتاة راقصة الباليه في مشهد خيالي وقد نفضت عنها جراحها لترقص علي حبات الرمان.. في نفس الوقت الذي يقفز فيه «هاني» و«مايا» داخل «النافورة» عرايا يطفوان فوق المياه.. وتفاحة بينهما وأفعي تدور في المكان وكأنه رمز لبداية الخليقة والحياة. «الرابعة بتوقيت الفردوس» عمل متكامل تري فيه جرح المدينة التي باتت مليئة بالدشم والمتاريس فتغيرت تماما معالمها.. ورغم كل ما يحيق بها فإنها مازالت صامدة قادرة علي الحياة رغم كل مايحيط بها. «محمد عبدالعزيز» مخرج متميز قدم من قبل «دمشق مع حبي» الفيلم الذي أثار جدلا كبيرا حول فتاة يهودية سورية عادت لدمشق لتبحث عن حبيبها المسيحي الذي فرقت بينهما الأيام لمدة تزيد علي العشرين عاما. إن محمد عبدالعزيز يهوي الغوص في تاريخ المدن.. واستعراض أحوالها.. من خلال صورة سينمائية رائعة. «الرابعة بتوقيت الفردوس» قام ببطولته كل من «سامر عمران» «نورا يوسف» القدير «أسعد فضة».