«في وهران»بالجزائر.. كان لقاء كل عشاق السينما.. فنانين ومشاهدين.. ومثقفين ونقادا من أنحاء الوطن العربي، أمام الشاشة العملاقة. والفن السابع تلاشت كل الاختلافات السياسية والطائفية.. وحواجز «اللهجات» وبقيت لغة «الحب».. و«العروبة» تجمع فناني الوطن العربي. في مهرجان السينما العربية ب«وهران» عادت الجسور قوية للعلاقات العربية بين أبناء الدولة الواحدة أو أبناء الجوار.. الفن والسينما «رمما» كل الخلافات.. ولم يتذكر أحد سوي أننا جميعا «أبناء» و«أشقاء» تجمعهم لغة «الضاد».. ويبقي الفن.. رسول السلام.. والمحبة. بكي الجميع وتشاركوا الأحزان وارتفعت أصواتهم بالدعاء لأوطان تعاني من «وطأة» التمزق.. وفرحوا وهللوا وتقاسموا الأمل في الغد العربي الأفضل الذي لابد أن يكون مشرقا.. طالما أن هناك أبناء شرفاء لايسعون إلا لنصرة بلادهم وتحقيق الأمن والأمان لها. وسط هذا التجمع السينمائي العربي انطلقت الزغاريد لحظة إعلان فوز النجم المصري القدير «نور الشريف» بجائزة أفضل ممثل عن فيلم «بتوقيت القاهرة» للمخرج أمير رمسيس والذي حصل أيضا عن نفس الفيلم علي جائزة أفضل سيناريو. لجنة التحكيم التي رأسها الناقد «إبراهيم العريس» بعد اعتذار مخرجنا القدير علي بدرخان بسبب مرضه.. وعضوية كل من خالد الزوجالي رئيس مهرجان مسقط السينمائي ومحمد باسوتسو الناقد التركي.. والفنانة «زهرة مصباح» من ليبيا.. والمنتج والمخرج المغربي كمال كمال.. والفنانة القديرة «باية الهاشمي» من الجزائر.. والمخرج والمصور السينمائي كمال عبد العزيز من مصر.
والحقيقة أن الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية ويصل عددها إلي إثني عشر فيلما تستطيع الجزم بأن هناك ستة منها كانت تستحق جوائز بشكل أو بآخر.. ولذلك جاءت الجوائز كما توقع الجميع.. وهذا ما دعا رئيس لجنة التحكيم بالإشادة ببعض الأفلام وصانعيها وأبطالها.. خاصة الطفلين الصغيرين بطلي فيلم «ذيب» الأردني.. والطفلة الرائعة ذات العاشرة من العمر بطلة الفيلم اليمني «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة». كما تمت الإشادة بالفيلم الإماراتي «ألف باء». وقد أعطت لجنة التحكيم جائزة خاصة للفيلم الجزائري «راني ميت» للمخرج ياسين محمد الحاج.. وجائزة أحسن ممثلة للفنانة القديرة السورية «صباح جزائري» عن دورها في فيلم «الأم» للمخرج باسل الخطيب.. أما جائزة أفضل فيلم فقد حصل عليها المخرج المغربي محمد مفتكر عن فيلمه «جوق العميين» وهو فيلم شديد الروعة.. يفوق الرؤية البصرية جمالا.. وبين سطور الحوار الكثير من الرمزية.. إنه فيلم استطاع مخرجه أن يضع كل العناصر الفنية في موضعها فكان أشبه بالعمل الكامل.. ومحمد مفتكر هو واحد من ألمع المخرجين «المغاربة».. وقد درس السينما في ألمانيا ليبدأ بعد ذلك العمل كمساعد مخرج ثم إخراج الفيلم القصير.. قبل أن يقدم فيلمه الروائي الأول الطويل «البراق» عام 2010 الذي حصل علي جائزة (الفيسباكو) وهو مهرجان السينما الأفريقية.. ليجيء فيلمه الثاني «جوق العميين» عملا سينمائيا متميزا للغاية. الفيلم سيرة شبه ذاتية لمخرجه محمد مفتكر وعلاقته بأبيه.. الذي يعشقه ويعترف بأنه تأثر به كثيرا.. والد محمد مفتكر كان عازفا ماهرا للكمان.. وكان يرأس فرقة موسيقية شهيرة.. ذاع صيتها في المغرب وخارجه.. وفي هذه الأجواء الموسيقية تربي «محمد»، عشق كل ماهو جميل وحفرت في ذهنه ووجدانه معالم جمالية وسمعية للموسيقي.. وهو يتذكر جيدا فرقة الموسيقيين فاقدي البصر.. الذين كان يحبهم والده كثيرا ويدعوهم إلي منزله لتناول العشاء وتبادل الأحاديث الفنية. تلك الفرقة الماهرة والشهيرة للغاية والتي كانت تشارك في أفراح العائلات المحافظة.. المخصصة للنساء فقط.. كانت هذه الفرقة تقوم بإحيائها.. ولما ذاع صيتها وأيقنت النساء بأنهن سيكن أكثر حرية في هذه الحفلات.. مما دعا بعض الفرق الأخري لتقليدها والتصرف «كالعميان» وفي كثير من الأحيان كان يتم ذلك بمعرفة «صاحب الدار» دون أن يخبر ذويه من النساء. في مرحلة ما يقول محمد مفتكر في أحد حواراته.. إننا في كثير من الأحيان نلجأ إلي «الزيف» معتقدين أنه يجمل الواقع.. ناسين أن هذا التجميل لايستمر طويلا وعمره قصير وما يبقي دائما هو الواقع.. الذي من الممكن أن نحلم «بتغييره» لكن ليس «بتزييفه». «الحسين» الأب صاحب الفرقة الموسيقية الذي يتيه فرحا بابنه الصغير (محمد) أو «ميمو» عاقدا عليه العزم في تحقيق أحلامه وخاصة في مجال التعليم.. حيث إنه رغم موهبته الموسيقية إلا إنه رجل أمي لايعرف القراءة أو الكتابة. في يوم ما يسأل صغيره ماهي أمنيتك أو حلمك يا بني؟.. ويجيب الطفل ببراءة وعفوية «أن أكون ملكا».. يتدارك الأب خطورة حلم ابنه فهو يبدو كانقلاب علي الملك الحقيقي ونحن في بداية الستينيات حيث حركة الانقلاب الفاشلة. يقول «الحسين» الأب.. لايجب ولا تحلم يا بني أن تكون ملكا بل إنسانا متعلما يعمل علي خدمة «الملك»، ولخص محمد مفتكر من خلالها الحالة السياسية في المغرب.. والتي لن يكون هناك سبل لتغييرها. مع «جوقة» الأب الموسيقية التي تلجأ للحيلة أحيانا لتكون «جوقة عميان» عاش ميمو الصغير عوالم الرجال والنساء.. وفي التصاقه بعمه الصغير تأثر بالسياسة حيث كان العم معارضا سياسيا.. منه تعلم ماذا تعني الديمقراطية.. وإنصاف حال الفقراء. من العم أيضا عشق ميمو فن السينما وتعرف علي شارلي شابلن هذا الفنان البسيط علي المستوي الإنساني الإمبراطور علي المستوي الفني. وإذا كان الابن الصغير ميمو قد لجأ في البداية «لتزييف» درجاته وترتيبه ليصبح الأول معتقدا أنه يسعد والده.. إلا أن الوالد بعد اكتشاف هذا التزييف يغضب بشدة ويضربه ضربا مبرحا.. وعندما يصاب الأب بمرض لعين في الصدر.. يكتشف ميمو أن عليه إسعاده وتحقيق أمنيته بالفعل فيجتهد ليصبح الخامس علي صفه.. وفي مشهد غاية في الروعة.. والوالد علي فراش الموت يحاول ميمو أن يطمئنه ويسعده.. ويجعله يدرك أنه أصبح كبيرا قادرا علي رعاية والدته وشقيقته. فيقوم كما كان يفعل «عمه» بتشغيل آلة السينما.. وعندما ينقطع الشريط يؤدي هو دور «شارلي» الهزلي.. ليتوفي الأب وعلي شفتيه ابتسامة سعادة.. «محمد مفتكر» شارك في كتابة السيناريو.. وقد اختار منذ الكتابة الأولي الفنان «محمد البسطاوي» ليقوم بدور الأب.
في عرس السينما بمهرجان «وهران» للسينما العربية كانت هناك احتفالية خاصة بالسينما السورية.. حيث عرض في إطار المسابقة للأفلام الروائية الطويلة فيلمان.. وهما «الرابعة بتوقيت الفردوس» للمخرج «محمد عبدالعزيز».. والثاني «الأم للمخرج باسل الخطيب» وقد استحقت بطلته الفنانة القديرة «صباح جزائري» جائزة أفضل ممثلة.. بالإضافة لمشاركة كل من النجمة اللامعة «سولاف فواخرجي» التي ألقت كلمة الترحيب بالضيوف في ختام المهرجان.. «وديما قندلت».. «ونور رحال».. «باسل الخطيب» من مواليد سنة 52.. درس الإخراج بهولندا.. وهو من أصل سوري فلسطيني.. قدم للسينما سبعة أفلام قصيرة وأربعة أفلام طويلة من بينها «الأم» بالإضافة إلي ثمانية وعشرين مسلسلا تليفزيونيا. «الأم» مأخوذ من قصة حقيقية.. هي رمز «الوطن» الجريح الذي خذله البعض من أبنائه فغادروه إلي بلدان ومناطق أخري.. لكن لا أحد يعوض «الوطن الأم» فمهما ابتعدنا وتغربنا فلابد يوما من أن تعود.