كان المدينة الساحرة تشبه «دوامة» كبيرة.. تجذبك إليها.. تغوص فيها.. وتغرق.. تعيش وتتنفس «سينما».. تأكل وتشرب «سينما».. هنا لا شيء سوي «السينما» «والجمال».. أكثر من ثلاثة آلاف صحفي وناقد تمتلئ بهم القاعات.. يتابعون أحدث الأفلام العالمية.. في البداية تنبهر بكبار ممثلي العالم.. تحاول الاقتراب منهم والتحدث معهم مهما كانت الحواجز الأمنية.. لكن بمرور الوقت يجد الناقد نفسه مدفوعا لرؤية الأفلام.. مكتفيا أحيانا بمتابعة المؤتمرات الصحفية للأفلام.. لمعرفة المزيد والمزيد عن الظروف الإنتاجية للفيلم.. «كان» «دوامة» كبيرة تدور في رحاها وأنت سعيد مهما كانت درجة المشقة.. فمتعة متابعة الأفلام لا تتيح لك أن تفكر في شيء سوي ما تشاهده.. وإن كانت الحقيقة أن ما تشاهده هو جزء من الحياة.. وما أكثر الأجزاء الناقصة في حياتنا. لكل إنسان الحق في الحياة بالصورة التي تحلو له.. فقط عليه ألا يتخطي حدود الحرية للآخرين.. ولعل النساء في كل أنحاء المعمورة باختلاف الأديان.. والحضارات.. والموقع الجغرافي أكثر من يعانين للحياة بكرامة دون أن يصطدمن بعادات وتقاليد بشرية حتي لو كان القانون ينصفهن فإن هذه العادات فوق القانون والجميع.. ولقد نجحت السينما الإيرانية دوما في «كان» في عرض الكثير من المشاكل التي تتعلق بوضعية المرأة.. وفي هذه الدورة وفي برنامج «نظرة ما» تطرح المخرجة الإيرانية «إيدا بنا هنداه» قضية تخص نساء العالم.. وهي قضية حضانة الأبناء بعد الانفصال، من خلال حكاية «ناهد» التي تزوجت في سن صغيرة وأنجبت طفلا.. وبعد عشر سنوات تم الانفصال بينها وبين زوجها.. حيث الأخير كان يتعاطي المخدرات وبدون عمل ويتعاون مع العصابات الصغيرة.. أخذت ناهد حق حضانة ابنها بالاتفاق مع زوجها، لتعيش مع الصغير في ظروف غاية في الصعوبة.. تعمل أكثر من عمل لتوفر حياة كريمة للصغير الذي يبدو واضحا أنه يحمل «جينات» والده، ويبدو شديد التأثر به خاصة أن الأخير عندما يصطحبه في عطلة نهاية الأسبوع يعيش معه كل تجاربه السلبية في الحياة ويختلط معه بكل الخارجين علي القانون. وبدون تدبير ومن منا له سلطان علي قلبه تقع ناهد في حب مسعود الذي يملك فندقا علي الشاطئ.. تتعرف ناهد علي طعم الحب.. يعرض عليها الزواج فترفض خوفا من أن تسقط عنها الحضانة.. ولا يجدان أمامهما سوي «زواج المتعة» زواجا محددا بمدة شهر ويتم تجديده.. وذلك في حال اكتشاف الزوج السابق ارتباطهما. لكن يحدث ما لم يكن في الحسبان.. فعليا يكتشف زوجها السابق.. حقيقة زواجها ويأخذ الصغير.. كما أن شقيقها يصطحبها لتعيش معه ومع زوجته وكأنها سجينة.. لكن الحب الكبير الذي تكنه «لمسعود» يدفعها إلي أن تذهب إليه لترفع قضية لتعديل الحضانة.. فأيهما أفضل للصغير «أم» تتزوج برجل فاضل.. أم أب منحرف ينتمي لعالم العصابات واللصوص ويعيش حياة غير مستقرة. بالنسبة لي كانت المرة الأولي أن قانون زواج المتعة معترف به في إيران وتجيزه السلطات.. وهو شيء فيه تحايل شديد علي الزواج الذي هو مودة ورحمة واستمرارية. هذا الفيلم يعرض ضمن برنامج «نظرة ما» وهو يضم عددا كبيرا من الأفلام الجيدة التي تتفوق في جودتها علي أفلام المسابقة التي تضم أسماء كبيرة. كارول الأمريكية وعلاقة محرّمة منذ عامين تقريبا أثار فيلم عبدالرحمن كشيش «الحياة السرية لأديل» ردود فعل عنيفة ورغم ذلك فاز بالسعفة الذهبية وفازت بطلتاه بجائزة أحسن ممثلة مناصفة.. وكان الفيلم يتناول العلاقة المثلية بين فتاتين.. والآن بعد أن أقرت الحكومة الفرنسية قانون زواج الجنس الواحد.. لم تعد هذه الأفلام تثير نفس الضجة الأولي.. ولذلك لم يكن غريبا استقبال النقاد فيلم «كارول» بكل الحفاوة والتصفيق لمدة تزيد عن الخمس دقائق بعد انتهاء الفيلم.. ومن المتوقع حصول الممثلة الأسترالية الأمريكية «كيت بلانشيت» بطلة الفيلم علي جائزة أحسن ممثلة. الفيلم تدور أحداثه في بداية الخمسينات في مدينة نيويورك وهو من إخراج «تودهاينز» وهو صاحب عدد كبير من الجوائز عن أفلامه السابقة. والفيلم مأخوذ عن رواية للكاتبة «باتريسياها يشميت» تحمل نفس اسم الفيلم تتحدث عن المثلية بين سيدتين في وقت كان الحديث في هذا الموضوع نوعا من «التابوهات».. وذلك من خلال سيدة أرستقراطية متزوجة من أحد رجال الأعمال شديد الثراء.. ولها طفلة صغيرة لم تتعد الأعوام الأربعة.. تقع في «هوي» فتاة شابة في العشرينات تعمل بأحد المحال وتهوي التصوير.. ومثل الصياد الماهر تقتنصها وتصحبها في رحلة طويلة لتنشأ بينهما علاقة.. ويستطيع الزوج أن يتبعهما بواسطة أحد المخبرين السريين ويسجل هذه العلاقة.. مما يضعف موقفها في حق الحصول علي حضانة ابنتها ورؤيتها.. وينصحها محاميها بالذهاب إلي طبيبة أمراض نفسية لمعالجتها من هذا الانحراف.. وفي يوم الجلسة المخصصة للحضانة.. يفاجأ الجميع باعترافها وأنها لن تتغير فهي تشعر بهوي وحب للنساء.. وتعلن موافقتها علي حق زوجها في حضانة الابنة.. لكنها ترجوه أن يسمح لها برؤيتها من أجل مصلحة الصغيرة.. والأيام الجميلة التي عاشاها معا. إن هذه القضايا الغريبة علينا تماما وبعيدة عن السلوك البشري السوي.. أصبحت اليوم تحت بند الحرية الشخصية لا تجد أي غرابة في أمريكا أو أوروبا.. وأصحابها يكتسبون كل يوم أرضا جديدة. ولذلك كان طبيعيا أن ينتهي الفيلم «بكارول» السيدة الثرية بالذهاب من جديد إلي الشابة «تيرنرا» لتعرض عليها من جديد أن تعودا للإقامة معا.. وأن تكون هذه المرة علاقتهما معلنة للجميع. بطلة الفيلم «كيت بلاتشيت» تعد من أكثر نجوم هوليود ثقافة فقد تخرجت في المعهد الوطني للدراما بأستراليا.. بالإضافة لحصولها علي دكتوراه في الآداب من «نيوثاوث ويلز» من جامعة سيدني بأستراليا.. وهي حاصلة علي العديد من الجوائز من بينها الأوسكار.. وفي العام الماضي قدمت أولي تجاربها الإخراجية بفيلم «العشاء». الفيلم يشارك في بطولته كل من «روتر مارا».. «سارة يونس» و«كيلي شاندلر».. حكاية الحكايات المخرج الإيطالي ماتيوجاروني يعود للمرة الثالثة إلي «كان» المرة الأولي كانت سنة 2008 بفيلمه «جومورا» والثانية سنة 2012 بفيلمه «حقيقي» وقد حصل في المرتين علي جائزة لجنة التحكيم الخاصة.. فهل يحصل علي الثالثة بفيلمه «حكاية الحكايات» المأخوذ عن كتاب شعبي من الحكايات الإيطالية القديمة، يشبه «ألف ليلة وليلة» يعود للقرن السابع عشر وهو للكاتب چياميتسيا بازل» وهو من أكثر الكتب انتشارا وشهرة في الثقافة الشعبية.. إنه فيلم يصلح للأطفال لولا بعض المشاهد.. وقد اختار المخرج أبطالا من أنحاء متفرقة من العالم.. علي رأسهم «سلمي حايك» التي ظهرت بمظهر غاية في الروعة والجمال وهي تطل علي السجادة الحمراء.. يشاركها في الفيلم الفرنسي «فانسان كاسيل».. جون سدريللي وتوبي جونز». وقد سبق أن قدم هذا الفيلم المخرج الروسي «يوري نورسنين» سنة 1979.. ولكن كفيلم كارتون.. حقق نجاحا كبيرا.. الجدير بالذكر أن الكتاب يحوي خمسين حكاية لكن يبدو أن أهمها وأكثرها إثارة هي ما قدمه كلا المخرجين.. وبالطبع لا مقارنة بين فيلم رسوم متحركة.. وآخر تم تسخير كل الإمكانيات التقنية والبشرية ليخرج في تلك الصورة الرائعة. ثلاث حكايات تسير في خط متواز بالفيلم لثلاث «ممالك» متجاورة.. «ملوكها» وملكاتها يعيش كل منهم حياة غريبة. الأولي «سلمي حايك» ملكة غير سعيدة تريد بأي شكل إنجاب طفل.. تحلم بالأمومة.. حتي لو تحالفت مع الشيطان.. وهو ما حدث بالفعل.. والذي حذرها هي وزوجها الملك بأن أمام كل روح تولد هناك أخري سوف تموت.. فأعلنت موافقتها وكان الثمن أن يصارع الملك وحشا تحت الماء ويقتله وتلتهم هي قلبه لترزق في التو بالابن.. هي وفتاة أخري عذراء ليكون الطفل الثاني وكأنه توأم ابنها مع فارق القدر.. والمصير.. الملك من شدة حبه لزوجته يوافق علي أن يضحي بحياته من أجلها. الحكاية الثانية عن ملك غريب الأطوار يربي حيوانات شبه منقرضة ويقوم بعمل تجارب عليها.. ويقبل أن يزوّج ابنته الوحيدة ل «غول» يعيش في أحد «الكهوف» فوق أحد الجبال العالية. أما الحكاية الثالثة فهي عن ملك مهووس بالجمال والجنس يقع في غرام سيدة عجوز دون أن يراها حيث استمع إلي صوتها فقط.. لكن لأن قدره مرتبط بها فإنه يتم سحرها بعد أن ألقاها من شرفة القصر لتتحول إلي فتاة شابة جميلة يعزر الزواج منها.. وذلك لأن لا أحد يستطيع أن يهرب من قدره أو مصيره. مشاكل الشباب في الافتتاح أثار اختيار فيلم الافتتاح كما ذكرنا في العدد الماضي الكثير من الدهشة.. فمخرجته لا تتمتع بالشهرة الكافية ليختار فيلمها كافتتاح.. علي العكس من بطلته «كاترين دينيف» التي كانت تعد صديقة شخصية لرئيس المهرجان الجديد «بيير ليسكور» الذي أسس قناة «قنال بلوس» الشهيرة في أوروبا.. لكن الموضوع الهام الذي يعالجه ويطرحه الفيلم هو الذي أتي بوزيرة العدل السيدة «توبيرا» لحضور الافتتاح وتهدئة الجميع بهذا الفيلم الذي يعد صرخة إيجابية لإنقاذ هؤلاء الأطفال والشباب. في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد عرض الفيلم اعترف الجميع دون استثناء أنهم بكوا بشدة عند قراءة السيناريو.. وأن بطلة الفيلم «كاترين دينيف» كانت تتردد يوميا علي محاكم الأطفال وكيف يسير العمل فيها.. وتتابع ماذا يفعل القضاة.. فعملهم يتعدي حدود الأحكام.. بل هو في الأصل توجيه وتربية وتعديل سلوك هؤلاء الصغار والشباب بعد التقصير الذي عانوه من أهاليهم. مخرجة الفيلم «إيمانويل بيركو» قالت إن فيلمها «الرأس المرفوع» كان حلما قديما يراودها.. حيث كان لها عم يعمل قاضيا تأثرت كثيرا به.. وأنه في إحدي المرات اصطحبها لأحد هذه المراكز. الجدير بالذكر أن رعاية هؤلاء الأطفال تتكلف يوميا ما يزيد عن «الثمانمائة يورو» في اليوم ما بين إقامة وعلاج نفسي وتوجيهي وتربوي.. لكن ماذا تهم المادة أمام النفس البشرية الضائعة الواجب توجيهها. أما بطل الفيلم «رود بارادو» فهو فتي شاب يخوض تجربته الأولي في التمثيل ولو كان الفيلم مشاركا في المسابقة الرسمية لاستحق الجائزة بدون منازع. هذه حكاية فيلم جاد يطلب من الجميع التكاتف من أجل هؤلاء الصغار لتحقيق مستقبل أفضل.